23 ديسمبر، 2024 11:01 ص

أستكان شاي من يد أبو مهدي

أستكان شاي من يد أبو مهدي

لطالما اثار انتباهي ذلك الرجل المسن الذي يعمل في احدى المقاهي القريبة من مبنى قناة العراقية في  منطقة الصالحية ببغداد , فهو يمتلك  وجهة نظر سياسية مؤطرة بغطاء  البرائة الجميلة  والتي يفتقر اليها معظم من يجولون الشارع السياسي العراقي حاليا , ففي فترات متباعدة التقي ابو مهدي في ذلك المقهى ليقدم لي استكان الشاي الذي اعتنى به مرات عديدة قبل ان يقدمه بيده التي كانت ترتعش بعض الشيئ نتيجة لما رسمته تضاريس الحياة عليها من اجمل وارق معاني الوقار والحكمة ,  الشاي المهيل (الصاك)  لرجال الصحافة الشجعان !!  ..تلك الكلمات كان يطلقها ابو مهدي لترافق استكان الشاي المقدم لنا مع بعض الاخوة الاعزاء فنخوص معه فاحاديث الحياة والسياسة والثقافة لساعات احيانا   ..وقبل أيام كنت مارا بالقرب من المقهى الذي يعمل فيه ابو مهدي فلم استطع ان اتابع السير قبل ان انعطف بتجاه باب المقهى طامعا بأستكان الشاي المهيل من يد ابو مهدي  ..وبالفعل دخلت ولكنني لم اجد ابو مهدي ! فسالت صاحب المقهى : اين ابو مهدي ؟ فاجابني بسكون شديد لقد استشهد قبل ايام نتيجة انفجار سيارة مفخخة ضربت احدى الشوارع في بغداد ..لم اتمالك نفسي حقيقة عند سماعي الخبر  فتجهت انظاري نحو استكان الشاي الذي تركه ابو مهدي وحيدا والى الابد  ….  كان” رحمه الله ” يحرص دائما على ان يضيف الطرفة والضحكة والابتسامة في ذلك الأستكان فكان لايحتاج عادة استكان الشاي من يد ابو مهدي  الى حبيبات السكر فيه فنظرته البشوشة كانت اطعم واحلى من أي سكر في العالم  …  لقد اشرت في البداية ان ابو مهدي كان يمتلك من الحنكة السياسية الكوميدية الشيئ الكبير … فاتذكر اقواله واحاديثه الجميلة دائما منها  انه لايحب مشاهدة شاشة التلفاز  لان فيها كذب كثير على حد تعبيره   , وانه مؤمن بان معظم الساسة الموجودين حاليا  لايمتلكون فن القاء الحديث التلفزيوني  وهم يفتقرون لمبادئ التصريح السياسي فقال : ممامعنى ان يتحدث وزير تعنى وزارته بالشؤون العلمية والدراسية ليتحدث بتصريح عن المعارك التي تدور في مدينة الانبار !! وعلى حد قوله ( انت رجال شغلتك بالدراسة والمقاطيط ..شجابك على التفك والطلايب !! ) ولم نسلم نحن الاعلاميين ايضا  من نقد العم ابو مهدي الذي كان يهاجمنا بطريقته العفوية المضحكة الخفيفة الظل عندما يتطلب الامر ذلك  ففي احدى  المرات  صادف ابومهدي احد البرامج التلفزيونية فقال لنا وعلى حد وصفه  ( خوب انتو الاعلاميين تلتقون بمواطن او مسؤول تحجون اكثر من الضيف الي عدكم بالبرنامج !! شكو دازين عمي على الضيف ؟  عايف شغلة ومحضر نفسه حتى يكعد يسمعكم شتحجون !! ومرات يكوم مقدم البرنامج يعيط ..شكو عمي قابل احد كلك احنه طرشان !! ) وكنت حينها مؤيدا لمقاله العم ابـــــــــــــــــــــــــــــــو مهدي ” رحمه الله ”  فالكثير من الاخوة الاعلاميين يتحدثون بنسبة قد تصل اعلى من حديث الضيف في بعض الاحيان  والذي هو يمثل بالواقع محور حلقة أي برنامج …والعجيب ان ابا مهدي  كان مندفعا بشكل ملحوظ  نحو الانتخابات على الرغم من الاحباط النسبي الذي يشهده الشارع العراقي تجاهها  فكان يقول لازم اروح انتخب ! ولكن للاسف لم يتحقق مااراده  ابو مهدي العزيز فرحل قبل ان ينتخب  …  اضحكني كثيرا ذلك الرجل البغدادي الاصيل في لحظات كما انه ابكاني ايضا في لحظات اخرى عندما رحل بهذه الطريقة المروعة والبشعة على يد زمر الارهاب العفن التي  لاترحم شيخا اوشابا اوامراة اوطفل فهي متعطشة لشرب الدماء العراقية  …لا اعرف مالذي حققته تلك الزمر بقتلها ابو مهدي او غيره من العراقيين البسطاء ..هل اصبحتهم رجال بمنظوركم المريض يااشباه الرجال ؟ ام تتوقعون انكم بهذا العمل اصبحتم ابطال ؟ متناسين انكم فئران العصر  او ادنى من ذلك..  رحمه الله ابو مهدي واسكنه فسيح جناته مع جميع شهداء العراق …ولك المشتكى يالله.