23 ديسمبر، 2024 10:18 ص

أسبوع القيادة النزيهة والأسبوع الوطني للنزاهة

أسبوع القيادة النزيهة والأسبوع الوطني للنزاهة

لا أدري ربما تكون مصادفة أن تجتمع المناسبتان ترتبط إحداهما بالأخرى ارتباطاً وثيقاً من حيث المضامين والمداليل،فالمناسبة الأولى أسبوع القيادة الإنسانية النزيهة الفذة المتمثلة بالإمام علي تبتدئ من اليوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة الحرام وهو يوم الغدير الأغر يوم تنصيب الرسول الاعظم علياً إماماً للأمة خلفاً له لما يتمتع به من معايير النزاهة والقيادة ، وتنتهي في الخامس والعشرين منه وهو يوم تسنم علي(ع) الخلافة السياسية عندما بويع عام 35 هــ خليفة للمسلمين، وتتخلل هذا الأسبوع عدة مناسبات هي( يوم التصدق بالخاتم ويوم المباهلة ونزول سورة هل أتى) حسب التقويم الهجري، أما في التقويم الميلادي، فسوف تحتفل هيئة النزاهة العراقية بأسبوع أطلقت عليه ” أسبوع النزاهة الوطني” من 15 ــ21/10/2014.
والنقطة المهمة التي ينبغي الالتفات إليها في هذين الأسبوعين!! هو مدى ارتباط النزاهة والقيادة الحكيمة والعدالة الاجتماعية بالإمام علي(ع) فقبل أن يتسنم هذا المنصب على أرض الواقع عام 35 هــ، كان عفيف النفس واليد واللسان وذا رباطة جأش في المواقف كافة لا سيما الحربية منها، حتى وُفِّـــق لأن يحظى باختيار الله سبحانه وتعالى له ولياً وقائداً للأمة الإسلامية، ومنها يجب على كل القيادات الإدارية في العراق أن تحذو حذو هذا العملاق النزيه في الإدارة والحكم، فمن أول يوم تسنم فيه الخلافة آلـى على نفسه أن لا يسير على وفق كتاب الله وسنة النبي، وأنه سوف يرجع كل شيء إلى نصابه لا سيما ما يتعلق بحقوق المسلمين وحقوق الدولة الإسلامية ولا يعبأ بكل ما قد يقال أو ما يواجهه من مصاعب في سبيل تحقيق هذا الهدف الصعب، وكانت مقولته الشهيرة ” وَكُلُّ مَالٍ أَعْطَاهُ(فلان) مِنْ مَالِ اللهِ فَهُوَ مَرْدُودٌ في بَيْتِ المَالِ، فإنَّ الحَقَّ القديم لا يُبْطِلُهِ شَيء وَلَوْ وَجَدْتُه قَدْ تزوجَ بهِ النَّسَاء وَمُلِكَ به الإمَاء وَفُرّقَ في البُلدَانِ لرَدَدْتُه فإنَّ في العَدْل سَعَة ”
وكذلك الموقف المثالي الذي جابه به(ع) أخاه عقيلاً فأدنى منه حديدة محمية بالنار، وقد أشار هو إلى ذلك في خطبته (والله لأن أبيت على حسك السعدان مسهّداً، وأُجرّ في الأغلال مصفداً، أحب إلي من أن ألقى الله ورسوله يوم القيامة ظالماً لبعض العباد وغاصباً لشيءٍ من الحطام،وكيف أظلم أحداً لنفس يسرع إلى البلى قفولها، ويطول في الثرى حلولها، والله لقد رأيت عقيلا وقد أملق حتى استماحني من بُرّكم صاعاً، ورأيت صبيانه شعث الشعور غبر الألوان من فقرهم كأنما سودت وجوههم بالعظلم، وعاودني مؤكداً وكرر علي القول مردّداً، فأصغيت إليه سمعي، فظن أني أبيعه ديني، وأتبع قياده مفارقاً طريقي فأحميت له حديدة ثم أدنيتها من جسمه ليعتبر بها فضج ضجيج ذي دنف من ألمها، وكاد أن يحترق من ميسمها.
فقلت له: ثكلتك الثواكل يا عقيل أتئن من حديدة أحماها إنسانها للعبه؟ وتجرني إلى نار سجرها جبارها لغضبه؟ أتئن من الأذى؟ ولا أئن من لظى؟)
وموقفه كذلك من الأشعث ابن قيس الذي ظن أن أمير المؤمنين تغريه “الحلاوة” الدنيوية وهو يرى ما تجره من “مرارة” أخروية، فغضب فنهره، وأشار إلى ذلك في قوله:
(وأعجب من ذلك طارق طرقنا بملفوفة في وعائها، ومعجونة شنئتها، كأنما عُجنت بريق حية أو قيئها، فقلت: أصلة أم زكاة أم صدقة؟ فذلك محرم علينا أهل البيت.
فقال: لا ذا ولا ذاك ولكنها هدية.
فقلت: هبلتك الهبول، أعن دين الله أتيتني لتخدعني؟ أمختبط أنت؟ أم ذو جنة أم تهجر؟ والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت افلاكها على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلت وإن دنياكم عندي لأهون من ورقة في فم جرادة تقضمها! ما لعلي ولنعيم يفنى ولذة لا تبقى؟ نعوذ بالله من سبات العقل وقبح الزلل وبه نستعين))
أما محاسبته لعماله على الأمصار، فهذا أشهر من نار على علم وأتحدى أي شخص أن يعطى مثالاً لمحاسبة الرئيس الأعلى للدولة للمقصرين من موظفيه والخاضعين لإمرته حتى في الدول المتمدنة أو ما يسمى بالدول العظمى أو العالم الأول الذي يقابل ما أسموه دول العالم الثالث!!!
ابتداءً بمحاسبته عثمان بن حنيف مروراً بزياد بن أبيه وليس انتهاءً بشريح القاضي، وأنقل نص مقالته لشريح عندما اشترى داراً بثمانين ديناراً، وهذه الرسالة تعد من أحسن ما قيل في تراثنا الإسلامي لما يسمى في عرف القضاء والنزاهة بالكشف عن المصالح المالية تلافياً لتضخم الأموال وتجميعها من غير حلها: وهذا نص الكتاب الذي بعثه الإمام إليه:
يا شريح اشتريت داراً وكتبت كتاباً وأشهدت عدولا ووزنت مالا؟
يا شريح اتق الله فإنّه سيأتيك من لا ينظر في كتابك، ولا يسئل عن بينتك، حتى يخرجك من دارك شاخصاً ويسلمك إلى قبرك خالصاً، فانظر أن لا تكون اشتريت هذه الدار من غير مالكها، ووزنت مالا من غير حله، فإذا أنت قد خسرت الدارين جميعاً الدنيا والآخرة.
ثمّ قال(عليه السلام): يا شريح فلو كنت عندما اشتريت هذه الدار أتيتني فكتبت لك كتاباً على هذه النسخة إذا لم تشترها بدرهمين.
كنت أكتب لك هذا الكتاب:
بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما اشترى عبد ذليل من ميت أزعج بالرحيل، اشترى منه داراً في دار الغرور، من جانب الفانين إلى عسكر الهالكين، وتجمع هذه الدار حدوداً أربعة، فالحد الأول منها ينتهي إلى دواعي الآفات، والحد الثاني منها ينتهي إلى دواعي العاهات، والحد الثالث منها ينتهي إلى دواعي المصيبات، والحد الرابع منها ينتهي إلى الهوى المردي والشيطان المغوي، وفيه يشرع باب هذه الدار، اشترى هذا المفتون بالأمل، من هذا المزعج بالأجل، جميع هذه الدار بالخروج من عزّ القنوع والدخول في ذلّ الطلب، فما أدرك هذا المشتري فيما اشتري منه من درك فعلى مبلي أجسام الملوك، وسالب نفوس الجبابرة مثل كسرى وقيصر وتبع وحمير ومن جمع المال إلى المال فأكثر، وبنى فشيد، ونجد فزخرف وادخر بزعمه للولد، اشخاصهم جميعاً إلى موقف العرض والحساب لفصل القضاء، وخسر هنالك المبطلون، شهد على ذلك العقل إذا خرج من أسر الهوى، ونظر بعين الزوال لأهل الدنيا، وسمع منادي أهل الزهد ينادي في عرصاتها ما أبين الحقّ لذي عينين، ان الرحيل أحد اليومين، تزودوا من صالح الأعمال وقربوا الآمال بالآجال فقد دنا الرحلة والزوال)).
حري بنا أن نسمي هذا الأسبوع من 18 ـــ25 ذي الحجة من كل عام بأسبوع النزاهة، فكل مضامين ومداليل مفهوم النزاهة مصاديقه متجلة بأوضح صورها في مناسبات هذا الأسبوع، وليعِ منك كان حياً أو ألقى السمع وهو شهيد لا سيما المسؤولين في الحكومة العراقية ومؤسسات الدولة كافة.