23 ديسمبر، 2024 3:48 م

أسباب (مجتمعيّة) ، لفشل (الانتخابات البرلمانية)

أسباب (مجتمعيّة) ، لفشل (الانتخابات البرلمانية)

إن مجتمعاً كالمجتمع العراقي (خصوصاً) ، والعربي (عموماً) ، لا يمكنه أن يمارس دوره الانتخابي بشكل (انسيابي) وحضاري ودقيق كما هو الحال في المجتمعات الغربية على وجه العموم ، وربما يصبح (ثوب الديموقراطية) الذي يتشدق به البعض ، ثوباً فضفاضاَ يتعثر فيه المجتمع في مسيره ومسيرته .
 
فالمجتمع العراقي هو نتاج مجموعة من الأنظمة المجتمعية ، وبقايا حركة تأريخية ، وبقية موروثات (قبلية – دينية – طائفية – قومية) لا يمكن إزالتها بــ (عصا موسى) دون الأخذ بعين الاعتبار أهمية المراهنة على مسيرة الزمن .
 
بل من الغريب والخطير (في العراق) أن تتبادل هذه (الموروثات) أماكنها وأهميتها حسب مزاجية ومصالح الشخص ، فتصبح القومية أهم من الدين ، وتصبح الطائفة أهم من الوطن ، وتصبح العشيرة أهم من الطائفة ، وتصبح المصالح التجارية أهم من الوطنية والطائفية والقومية وغيرها ، بشكل يصعب معه (مراهنة) المراقب على القراءة ، ويمنح (المرشح) مزيداً من (السعة) في التعامل مع (الأكتاف) التي ممكن أن (توكل) منها الذبيحة .
 
وليس من الصعب علينا أن نشخص أغلب النقاط التي كانت وما زالت تشكل سبباً مهماً من أسباب (فشل) العملية الانتخابية في العراق ، والتي لا ينكر فشلها إلا معاند يتكئ على آلية (التبرير) التي يمتاز بها السياسيون العراقيون وذيولهم .
 
إن النجاح في لصق الدعايات الانتخابية والانزياح نحو (الترف الدعائي الانتخابي) ورفع الشعارات الجوفاء ، والتغني بمجد الفوز ، وحتى الفوز بالانتخابات نفسها ، لا يعني (النجاح) في العملية الانتخابية ، بل إن من أهم مؤشرات النجاح في العملية الانتخابية هم وضوح أثرها على (العملية السياسية) ، وفشل إحداهما يعني (بالملازمة) فشل الأخرى .
 
إن المراهنة على (نجاح العملية الانتخابية) في العراق هي مراهنة على (جواد خاسر) لا يستفاد منها سوى (الصهيل) وإثارة الغبار ، والحمحمة ، وأصوات وقع الحوافر ، متساوقة مع التصفيق والتطبيل وزغاريد الأمهات وحث خطى الناخبين الناتج (الوعد والوعيد) الذي قد يصل إلى (التهديد) ، وربما يصل إلى الخشية من قطع (البطاقة التموينية) عن الناخب الكسول .
 
وهناك ثمة نقاط يمكن أن نضعها في سلة الأسباب التي كانت وما زالت سبباً من أسباب (فشل) العملية الانتخابية ، والتي تجر خلفها أسباب (فشل) العملية السياسية ، والتي لا (تبشر) بتغيير نحو الأفضل على مستوى المستقبل (البعيد) و (المنظور) …. ومنها :-
 
1/ البعد (العشائري) /
والذي يفرض على الناخب (بإرادته أو بغير إرادته) أن ينزاح نحو (ابن عشيرته) بصرف النظر عن كون هذا (المرشح) ممن يستحق أن يتسنم موضعاً في (البرلمان) أو لا يستحق ، وبصرف النظر عن كون هذا المرشح يمتلك برنامجاً انتخابياً أو سياسياً ، أو رؤى مستقبلية للعراق ، حتى باتت بعض العشائر (تستقتل ، وربما تقاتل) من أجل أن يكون لها (ابن) في البرلمان ، وربما أن شيخ العشيرة (الفلانية) يشعر بالنقص لأن عشيرة (آل بو فلان) لديهم (عضو) في البرلمان ، وهو ليس لديه ما لديهم .
 
2/ البعد (القومي) /
الأكراد للأكراد ، والعرب للعرب ، والتركمان للتركمان ، وهذه قائمة تركمانية ، وتلك عربية ، وأخرى كردية ، فمن الصعب على العربي أن يمنح صوته لكردي إلا بوجود (ضاغط) أكبر ، وما يسري على العربي يسري على الكردي والتركماني والشبكي وغيرهم ، وبالتالي ، أصبح الانزياح نحو (القومية) بديلاً عن البحث عن الأصلح والأكثر قدرة على خدمة العراق والعراقيين .
 
3/ البعد (الطائفي) /
لن أتحدث عن هذه النقطة ، ولكنني أتحدى شيعياً منح صوته لسني ، أو بالعكس ، ولن أضيع وقت القارئ في شرح البديهيات .
 
4/ البعد (الميني mini) – طائفي) /
س كل سني هو من (طائفتي) ، وليس كل (شيعي) هو من طائفتي ، فأنا من أتباع (المذهب) الفلاني ، أو ربما أنا من أتباع (آل فلان) ، بل ربما أنا من أتباع (المرجع) الفلاني ، وبالتالي ، فأنا محكوم بالخوف من منح صوتي لمن ليس تحت العباءة التي أنتمي إليها ، ولو كان من الشرفاء المخلصين .
 
5/ البعد (المناطقي) /
ابن (محافظتي) وابن (منطقتي) أولى من غيره ، وإن كان (عليه ما عليه) ، على الأقل لأنه قريب مني ، ويشعر بمعاناتي ، ويمكنني الوصول إليه ، ويمكنني إيصال طلباتي إليه ، وبالتالي ، فيجب أن أغمض عيني عن (الأفضل) تحت ذريعة (الأقرب) .
 
6/ البعد (التجاري) /
كثيراً ما نشاهد أو نسمع أو نقرأ بأن منح الصوت يتم على أساس (النفعية) ، والعهود (التجارية) التي يقطعها بعض أصحاب رؤوس الأموال من المرشحين لناخبيهم ، على أسس (الشراكة) المالية بين أساطين (المال والثروة) في المؤسسات ، وغالباً ما يتم التوقيع على العقود والمناقصات كــ (عربون) بداية جديدة للدخول إلى عالم (المال) من أوسع الأبواب ، على أساس (تبادل المنفعة) .
 
إن الافتراض (المنطقي والعقلي) ، وكذلك (الواجب) الشرعي والأخلاقي والانساني والوطني ، والذي من المفترض أن يكون منطلقاً لفهوم جديدة في تناول مسألة (الانتخابات البرلمانية) ، ولكننا نجد أنه يدفع بالناخب إلى فهم (عكسي) لما يجري في الساحة الانتخابية ، فالمفترض أن (البعد العشائري) يمنح الناخب القدرة على (تمييز) الفاسدين داخل العشيرة ، وتجنب انتخابهم ، والمفترض بـــ (البعد الطائفي) أن يمنح الناخب قدرة إضافية على معرفة (المفسد) داخل الطائفة ، والدفع نحو عدم انتخابه ، وهذا (الافتراض) يجري على جميع الأبعاد التي ذكرناها ، بيد أن العكس هو ما يحصل ، وبدلً من اختيار الناخب للأصلح ، بدأ يبحث عن (الأقرب) .
 
ومن هذا المنطلق ، فهناك من لا يعول على الانتخابات المقبلة في إجراء أي (تغيير) نحو الأحسن ، في بلد (المحاصصة) المزمنة .. العراق .
 
[email protected]