يعزو الكثير من المثقفين إلى إن سبب عدم تحقيق الديمقراطية في العالم العربي إلى عدم وعي الأنظمة السياسية بقيمة الديمقراطية كأسلوب راقي و متحضر في أدارة شؤون الدولة والى محاولة تلك الأنظمة العربية تكريس التخلف والجهل في المجتمع.
فظل الكثير منهم يعزون سبب تعثر الديمقراطية إلى طبيعة السلطات السياسية العربية الجاثمة على صدور الشعوب وطريقـة فهمها للاستحقاق الديمقراطي، وتحريف السلطات العربية لمعاني ومفاهيم الديمقراطية. فجعلت من التطور والتقدم التكنولوجي والغزو الغربي المعرفي واجهة جميلة تخفي خلفها صورة في غاية البشاعة تحت ذريعة الانفتاح والسير على هدى الغرب المتحضر. ومما ساعد على ذلك وجود أزمة ديمقراطية واضحة أعقبت الحرب العالمية الثانية وتحديدا مع بدء انطلاق فترة الحرب الباردة ونشوء أنظمة سياسية قومية لا تؤمن بالديمقراطية كأسلوب حضاري لتداول السلطة وكأنها هي الوصية والأمينة والقادرة لوحدها
على تطوير المجتمع ، فضلا عن استئثار أقلية محدودة بمقاليد السلطة كعائلة معينة أو طائفة دون أخرى ،وهذا متأتي من طبيعة الحكام العرب التي لم تتغير منذ خمسة عشر قرناً مضت، وإلى الآن. كما إن للهيمنة الغربية ومصالحها في المنطقة و تبعية الأنظمة السياسية الحاكمة دورا في منتهى السلبية إزاء عملية نمو الديمقراطية ، أضف إلى ما تقدم مسك جميع السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية بسلطة واحدة ذو اتجاه واحد واحتكار الثروة في يد طبقة واحدة فقط وبالتالي لا وجود لسيادة حقيقية للقانون مما يعني غياب المؤسسات وتركيز الحكم في شخص واحد. صحيح أن بعض الدول العربية تبنَّت الديمقراطيـة ولكن ليس كنظام سياسي، بل لارتباطها بالتطور والتقدم وإظهاره كواجهة تزخرف شكل النظام كما أسلفنا . أما من يتمشدق في العراق بديمقراطيته المزعومة بعد عام 2003 فهو واهم جدا ، نعم لدينا نظام سياسي ديمقراطي لكنه يبقى شكليا في تطبيقه بسبب قلة الوعي المجتمعي لمفهوم الديمقراطية التي أفرغت من محتواها الأساسي من خلال التحريف الذي تقوم به الأحزاب والتيارات المتنفذة للديمقراطية من جهة و عدم الوعي الدقيق في اختيار النواب من جهة الناخب ، فضلا عن التلاعب وسرقة حقوق الآخرين من قبل المتنفذين وأدواتهم ، واستغلال هذا النفوذ للإبقاء على قواعد اللعبة دون تغيير، فيلتبس جوهر ومعنى الشرعية في الممارسة الديمقراطية لتصبح شرعية الأمر الواقع حتى بدت لنا الديمقراطية الحالية التي نعيشها ليست أكثر من قلادة زينة في جيد السلطة تتزين بها في المناسبات والمحافل المختلفة. ومما يؤسف له أيضا هو إن الأحزاب والحركات السياسية الوطنية لم تستثمر الأفكـار الليبرالية على الساحة السياسية العربية استثماراً جيداً ومفيداً لصالح البناء الديمقراطي وعملية الإصلاح في المجتمع كون إن تلك الأحزاب في داخل تنظيماتهـا تشكو من عدم توفر الروح الديمقراطية في النقاش، والاختلاف، والعمل الحزبي ، فضلا عن أن آليات تداول القيادة كانت محدودة جداً، إلا أذا مات الزعيم أو عجز عن أداء واجبه السياسي لأسباب خارجة عن الإرادة ، و يعود سبب هذا إلى التركيبة النفسية العربية وشغفها في التشبث بالسلطة ، وحب الآخرين لرؤية رمز واحد مما يمنع من ظهور قيادات بديلة وبالتالي انحسار المفهوم الديمقراطي و نقصان فرص نموه . كما أن وجود المعارضة البرلمانية الضعيفة، والهشَّة، والمُشتراة بكل سهولة من هذا الطرف أو ذاك تنفيذا لأجندات خارجية كان عائقاً كبيراً في وجه النمو الديمقراطي للعملية السياسية ، حيث تحوّلت المعارضة المفيدة والايجابية والبناءة في تشخيص أخطاء السلطة التنفيذية وتقويم أدائها بما يخدم المصلحة الوطنية العليا، إلى معارضة هدامة سلبية في سلوكها ونواياها بعيدة كل البعد عن أية مصلحة وطنية ، بالإضافة إلى عدم وجود برامج سياسية واقعيـة وعلمية لها، الأمر الذي يشكل عائقا سياسيا لعملية التقدم الديمقراطي لذا نحن على يقين بأن الحال سيبقى على ما عليه في بلداننا ما لم تتوفر أرادة حية وصادقة لدى جميع الحركات السياسية في تبني الديمقراطية كدليل ومنهاج عمل تنطلق منه نحو أفاق العمل السياسي فضلا عن إجراء صدمة كهربائية للمجتمع لزيادة وعيه لمفهوم الديمقراطية بعيدا عن عبادة الصنم الواحد من حيث لا يشعر.