العراق ما يزال يُصنّف من الدول ذات المخاطر الأمنية العالية، خصوصًا مع وجود نفوذ الميليشيات المسلحة المرتبطة بإيران. وهذا يجعل بعض الدول تتحفظ على إرسال سفير يكون هدفًا محتملاً لها، وتكتفي بقائم بالأعمال أو ممثل دبلوماسي أدنى درجة، كما الحالة الأمريكية في سفارتها بالعراق، والسبب الهيمنة الإيرانية على القرار السياسي والأمني والاقتصادي في العراق، مما يدفع أمريكا وغيرها من تقليل تمثيلها الدبلوماسي، باعتبار أن السفير لن يتمكن من أداء دوره بحرية في ظل نفوذ طهران.
إن عدم تعيين سفير قد يكون موقفًا سياسيًا مقصودًا لعدم رضا الإدارة الأمريكية على حكومة الإطار برئاسة محمد السوداني أو للتعبير عن عدم الاعتراف الكامل بسيادتها المنقوصة. كما أن الخلافات السياسية والاقتصادية بين العراق وأمريكا ما زالت قائمة لتُبقي الأخيرة على تمثيل منخفض المستوى. بمعنى آخر عدم تعيين سفير في بغداد غالبًا ما يحمل رسالة سياسية بعدم الثقة بالوضع العراقي الحالي، سواء أمنيًا أو سياديًا.
وغياب السفير الأمريكي يعكس تراجع مستوى الاهتمام المباشر الذي توليه واشنطن للعراق في هذه المرحلة، ويترك آثاراً على طبيعة العلاقات وعلى مستوى التواصل بين الحكومتين، وغيابه يضعف القدرة على اتخاذ قرارات سريعة وفاعلة، ويحد من إدارة الملفات الحساسة والمتشابكة بين بغداد وواشنطن، سواء كانت أمنية أو اقتصادية أو سياسية.
إن الاكتفاء بالقائم بالأعمال يوحي بأن العراق لا يحظى بالأولوية الكافية في أجندة الإدارة الأمريكية الحالية، وهو ما قد ينعكس على ثقة الشارع العراقي وكذلك على رؤية القوى السياسية لمستقبل الشراكة مع الولايات المتحدة، ويشهد العراق منذ فترة ليست بالقليلة فراغاً في منصب السفير الأمريكي، حيث تكتفي السفارة بوجود قائم بالأعمال، ما يجعل مستوى التواصل الرسمي بين بغداد وواشنطن أقل فاعلية.
العراق لم يعد ملفًا استراتيجيًا متقدّمًا لدى واشنطن كما كان بعد 2003 وحتى انسحاب القوات الأمريكية، إذ تركز الإدارة الأمريكية على ملفات أخرى (الصين، روسيا، أوكرانيا، الشرق الأقصى، أمن الطاقة، إسرائيل)، بينما يُترك العراق في مرتبة ثانوية، يُدار عبر وزارة الخارجية والبعثة الدبلوماسية من دون مستوى عالٍ من الاهتمام لأن الولايات المتحدة تنظر للعراق اليوم كـ “ساحة نفوذ إيراني” أكثر من كونه دولة مستقلة، ولهذا السبب لا تستثمر بثقلها الدبلوماسي هناك، بل تتعامل معه بالحد الأدنى من الاهتمام.
النفوذ الإيراني العميق في العراق جعل أي سفير أمريكي في بغداد بلا تأثير حقيقي. وجوده قد يُفسر كـ “شاهد” على هيمنة طهران، وهو ما لا يخدم صورة واشنطن في ظل حكومة الرئيس ترامب. لذا تفضل الإدارة الأمريكية الاكتفاء بتمثيل أقل، ورسالة ضمنية مفادها: “لن نمنح حكومتكم الشرعية الكاملة، ما دمتم رهينة لإيران وأذرعها.”