17 أبريل، 2024 7:23 ص
Search
Close this search box.

أسباب رفض الإسلاميين للديمقراطية ثم استغلالهم لها

Facebook
Twitter
LinkedIn

هناك عدة أسباب لعدم قبول الإسلاميين للديمقراطية، بل ورفضهم لإدراجها في أدبياتهم في مرحلة ما قبل الاضطرار للقبول بها ظاهريا، كما هو الحال مع قوى الإسلام السياسي العراقية قبل 2003، أو بتعبير آخر قبل مرحلة إمكان الاستفادة منها، لضخ أقصى ما يستطيعون من المضامين الثيوقراطية في الدولة المدنية، ورغم رفضهم المبدئي للديمقراطية، قبلوا بها اضطرارا، ثم ركبوا موجتها استغلالا، لتحقيق مآربهم (الدنيوية) هذه المرة لا (الدينية)، بعدما ذاقوا نكهة السلطة، التي حللت لهم الحرام، إما بعنوان ثانوي، أو تخليا عن التزامهم الديني، ليبقى الدين والمذهب أداتين للسلطة.

والآن لنعد إلى أهم أسباب رفضهم للديمقراطية قبل تجربة السلطة، يوم كانوا (متدينين)، ثم نعرض لاحقا لأهم أسباب قبولهم بها بعد السلطة، عندما أصبحوا (سلطويين). أهم أسباب الرفض هي الآتية:

سبب عقائدي: ينطلق من فهمهم لعقيدة التوحيد، لأن الديمقراطية تعني حاكمية الشعب، وهذا يتعارض عندهم مع حاكمية الله التي هي من لوازم التوحيد حسب فهمهم، واستنادا إلى الآية القرآنية «وَمَن لَّم يَحكُم بِما أَنزَلَ اللهُ فَأُولائِكَ هُمُ الكافِرونَ»، حسب أحد تفسيرات الآية المعتمدة للإسلام السياسي، بالرغم من أن سياقات الآية تدل على أن المعنى بالحكم هنا ليس الحكومة، بل القضاء والتقاضي، لكن أيضا باستنادهم إلى تجربة الرسول وعليّ (حسب الإسلاميين الشيعة)، أو تجربة الرسول والخلفاء الراشدين (حسب الإسلاميين السنة)، وكذلك تجربة بعض الأنبياء الذين حكموا (موسى، داوود، سليمان).
سبب اجتماعي: أو أخلاقي، بحسب فهمهم الديني للأخلاق، وذلك لأن من لوازم النظام الديمقراطي أن تكفل الدولة الحريات العامة والخاصة، واحترام خصوصية الفرد، وعدم جواز تدخل الدولة في الحريات الفردية، التي لا تمس الصالح العام أو النظام العام، وكذلك حرية العقيدة، وحرية التعبير، وعدم الإكراه على العقيدة. ومن هنا كان بعض الإسلاميين الذين أصبحوا من أبرز القياديين السياسيين بعد 2003 (على رأسهم نوري المالكي) يصر على أن أركز في بيان «المنتدى الإسلامي الديمقراطي العراقي» عام 2002 على الديمقراطية في جانبها السياسي، وذلك استبعادا لجانبها الاجتماعي، الذي يخشون من مفاسده حسب فهمهم الديني للمفاسد.
سبب سياسي: ذلك خوفهم من منافسة القوى السياسية غير الإسلامية على السلطة، بإزاحتهم عنها عبر الانتخابات الحرة ومبدأ التداول، أو تهميش دورهم فيها، أو عدم السماح بتفردهم بالسلطة، بينما التعددية في إطار الدولة الإسلامية سيحصر المنافسة بين أحزاب الإسلام السياسي، ويستبعد القوى العلمانية أو (المدنية)، كما أصبحت تستخدم من قبيل التقية التي لا أرى مبررا لها، هذا الخوف كانت مبرراته قبل تجربة السلطة دينية شرعية، وبعد التجربة تمسكا بالسلطة وامتيازاتها، الحلال والحرام منها.

من هنا عندما اضطروا للقبول بالديمقراطية في العراق مثلا، حاولوا وضع ضوابط، بوضع شرط عدم تعارض القوانين ومزاولة الحقوق والحريات مع ما يسمونه بالآداب العامة، ليستطيعوا متى ما استطاعوا أن يفسروا الآداب العامة على ضوء فهمهم الديني، وكذلك ما أدرج في المادة الثانية سيئة الصيت من الدستور العراقي، بأن «لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام»، مصرين آنذاك في لجنة كتابة الدستور على أمرين، أحدهما إدراج مفردة «أحكام»، ورفض إدراج «المجمع عليها»، كما كان في قانون إدارة الدولة. فإنه لو أبقي على النص الذي كان في قانون إدارة الدولة، كما كنت أدعو إليه في لجنة كتابة الدستور، بعدم إدراج كلمة «أحكام»، والإبقاء على عبارة «المجمع عليها»، لكانت المادة غير ملغومة بلغم إسلاموي، يبرر كما المحاولات الأخيرة بتعديل قانون الأحوال الشخصية لعام 1959، لأنه «يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام»، فلو لم تكن كلمة «أحكام»، لكان بالإمكان تفسير المادة أنها تعني فقط «ثوابت قيم الإسلام»، ولو أبقي على «المجمع عليها» لوجدنا من الفقهاء من يقول بعدم التعارض.

أما أسباب قولهم للديمقراطية اضطرارا، ثم ركوبهم موجتها استغلالا، فهي كالآتي:

بعد عدم إمكان إسقاط النظام بواسطة إيران خلال الحرب العراقية الإيرانية، حيث كان الإسلاميون الشيعة العراقيون الذين كانوا يقاتلون إلى جانب قوات (الجمهورية الإسلامية) بقيادة الولي الفقيه الخميني واجبة الطاعة، بهدف الدفاع عن (دولة الإسلام المباركة) – حسب مصطلهم – آنذاك في حربها ضد قوى الكفر، وإسقاط نظام (صدام الكافر) – أيضا حسب مصطلهم آنذاك – لتأسيس جمهورية إسلامية في العراق، مستقلة شكليا، ولكن خاضعة شرعيا بشكل كلي لأوامر الولي الفقيه، وكذلك بعد عدم نجاح انتفاضة ربيع 1991، واضطرارهم التنسيق مع الأحزاب العلمانية (الشيوعي العراقي، البعث اليساري، الوفاق الوطني، الحزبان الكرديان …)، وبضغط من أمريكا وحثٍّ من إيران على وجوب الالتحاق بالمؤتمر الوطني العراقي الموحد، كان لا بد منهم أن يقبلوا بإدراج الديمقراطية في برنامج المعارضة العراقية. أما عندما دخلوا العراق، بعدما مهدت أمريكا الطريق لهم إلى السلطة، اكتشفوا مع الوقت كيف يمكن ركوب موجة الديمقراطية (المحرمة بالعنوان الأولى والمحللة أو الواجبة بالعنوان الثانوي)، ليستفيدوا منها، ابتداءً لصالح مشروعهم الإسلاموي، ثم وجدوها لاحقا فرصة ذهبية عندما جربوا مذاق السلطة والثروة، اللتين أصبح حرامهما حلالا، والتهامهما، حتى لو لم تكونا مُذَكّاتَين، أي مذبوحتين على الطريقة الإسلامية. وما بين القبول بالديمقراطية اضطرارا ثم ركوب موجتها استغلالا، كيفوها لما فيه مصلحة الدين والمذهب، قبل أن يتحولا إلى مطيتين للسلطة والثروة، ثم لاحقا لخدمة مصالحهم (الدنيوية)، بعدما كان عندهم «حب الدنيا رأس كل خطيئة»، وكانت عملية التكييف بأن اختزلوا الديمقراطية بمفهوم (حكم الأكثرية)، ثم بعدما حوروا مفهوم (الأكثرية) إلى (الأكثرية المكوناتية) وبالتالي (الطائفية)، بدلا من (الأكثرية السياسية)، حيث لم تكن أحزابهم أحزابا سياسية، بل أحزاب إسلام سياسي، وأحزابا شيعية. وكان خطأ المكونين الآخرين (السنة العرب والكرد)، بأن دعمت الأحزاب الكردية الطائفية السياسية التي أرادها الشيعة، لأنهم (حلفائهم الاستراتيجيون)، ولأنها لا تضرهم في الإقليم، أما السنة العرب، فبدلا من أن يسحبوا البساط من تحت أقدام القوى السياسية الشيعية، بطرح مشروع وطني غير إسلامي وغير طائفي وعابر للطوائف، كي يسقطوا مبرر (حكم الأكثرية الشيعية)، راحوا هم أيضا ليكرسوا الطائفية السياسية، إما إيمانا منهم بها، أو اضطرارا، بخطأ أنها الوسيلة الوحيدة التي تحميهم من الإقصاء والتهميش، وكان الشيعة الإسلاميون مضطرين لإرضاء السنة والكرد، بابتداع بدعة المحاصصة، التي لم تقتصر على تحاصص المناصب السياسية، لكل حسب نسبته، بل من أجل التحاصص في الفساد المالي، وسرقة المال العام، والذي نتج عنه عقد غير مكتوب، وهو التستر المتبادل. والضحية هو الشعب العراق، والثروة الوطنية، وعملية التحول الديمقراطي، بعدما نزعوا عن الديمقراطية ضروراتها التي لا بد منها، والتي لا تكون بغيرها ديمقراطية حقيقية، ألا هي الفصل بين الدين والسياسة، والليبرالية فيما هي الحريات، والفكر والثقافة والاجتماع، وكذلك الفيدرالية الحقيقية، وليست الفيدرالية بالطريقة الأربيلية ولا بالطريقة البغدادية، ومبدأ المواطنة بدلا من الطائفية والعرقية.

فهل هناك أمل في إصلاح مسار العملية السياسية؟ عسى ولعل.
ملاحظة: كنت قد كتبت هذه المقالة، ولكن غير مكتملة في 15/03/2016، ووجدت أن أكملها وأنشرها اليوم.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب