23 ديسمبر، 2024 10:41 م

أسباب تنامي ظاهرة الإسلام السياسي

أسباب تنامي ظاهرة الإسلام السياسي

مرت على منطقتنا أدوارا سياسية كثيرة خصوصا بعد انهيار الدولة العثمانية ودخول الاستعمار إلى البلاد العربية مما سبب  بروز تنظيمات سياسية  متعددة الاتجاهات والميول والأفكار منها ما يؤمن بالقومية كركيزة أساسية لوحدة الشعوب في مواجهة المستعمر، ومنها ما هو يساري ومنها ما هو ليبرالي فضلا عن التيارات الإسلامية السياسية التي انطلقت نواة تكوينها بما يعرف بالإخوان المسلمين ، وهذا كله تناتج مع بداية الانفتاح والاحتكاك بالمستعمر كعوامل الهجرة والسفر ودخول الصحف وإرسال البعثات الدراسية ، كل هذه الأسباب مجتمعة أسهمت في بلورة شئ من الفكر العربي في مواجهة التحديات المحيطة به ، لكن ما يهمني هنا هو دراسة أسباب تنامي المد الإسلامي منذ منتصف القرن العشرين ومروره بدورات زمنية طغت عليها ملامح الملاحقة والاعتقالات والسجون والتغييب  ومنع ممارسة أية نشاطات من قبل السلطات والأنظمة السياسية الحاكمة في المنطقة والعراق في مقدمتها ومن هذه الأسباب ضعف الوعي الثقافي والاجتماعي في المجتمع مما هيأ لمناخ مزدهر لنمو الحركات الإسلامية التي تعتمد في خطابها على الغيبيات والروحانيات القريبة من مشاعر الفرد والتي تسهم بشكل خطير في دغدغة مشاعره واستمالتها  فضلا عن تعمق ظواهر التخلف والفقر والجهل في المجتمع  العربي عموما مما أسهم بشكل كبير في حيود تلك الشرائح باتجاه الخطاب الديني الذي يعتمد بالدرجة الأساس على العواطف وكيفية الاستثمار فيها. كما ساعدت الأحداث السياسية المتسارعة في المنطقة في فترة تصاعد ونمو المد القومي كالصدمة الكبيرة التي أحدثتها هزيمة 1967، والتي أفقدت أمل الجماهير في الخطاب القومي ، فوجدت أن النجاة والنصر في الخطاب الديني السياسي  باعتباره الملاذ الروحي الوحيد الموجود في  الساحة. ولا شك أن نجاح الثورة في إيران عام 1979  كان له  الأثر البالغ في تعزيز وانتشار ظاهرة الإسلام السياسي في كل من العراق ولبنان والبحرين وفلسطين والجزائر والسودان  فضلا عن مصر التي سبقت الجميع في هذا الانتشار من خلال تنظيم الأخوان المسلمين وهذا كله كان نتيجة حتمية للظروف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي كانت تعاني منها المجتمعات العربية . فلسوء الأوضاع المعيشية وزيادة نسبة الفقر ونسبة العاطلين عن العمل أدى إلى رفع شعارات دينية- سياسية مختلفة من قبل مروجي ودعاة الإسلام السياسي، يدّعون  فيه أن لديهم الحلول الناجعة لكل هذه المشاكل العالقة وعلى رأسها المشكلة الاقتصادية.  وأخيراً، فإن الموقف الغربي من القضية الفلسطينية وعذابات شعبها في المخيمات لمدة تزيد على ستة عقود من الزمن  أقنع الشارع العربي قناعة تامة بأن موقف حركات الإسلام السياسي من السياسة الغربية بشكل عام موقف صحيح وسليم، ومن الواجب دعمه، مما أعطى هذا الموقف زخما  أضافيا لديمومة ظاهرة الإسلام السياسي و انتعاشها في العالم العربي . وبقي أن نقول إن ما قامت به أمريكا في العراق وأفغانستان قد أعطى مسوغا واضحا وكبيرا للحركات الإسلامية في أن تعتبر إن ما حصل يدخل ضمن خانة الحملات الصليبية ضد الإسلام، كما زعم الإخوان المسلمون وكافة الأصوليين والسلفيين المتشددين. وهذه الحملات شحنت الشارع العربي بالكراهية والعداء للغرب عامة ولأمريكا بشكل خاص . وها هي الحركات الإسلامية اليوم تسيطر على زمام الأمور في أغلب البلدان العربية متصدية للسلطة بمباركة غربية ، واضعة إياها على المحك الواقعي في كيفية التعاطي مع مجريات الأحداث والأمور واختبار قدراتها السياسية في حل المشاكل المستعصية وعلينا كليبراليون عقلاء أن نُسعد لنجاح الحركات الإسلامية المتربعة على عروش السلطة  إن كان المهم في نهاية المطاف مصلحة الوطن والمواطنين، بغض النظر عن مصدر هذه المصلحة.