التدهور الخطير والمقلق في أسعار النفط العالمية في الأشهر الأخيرة أصبح يهدّد اقتصادات معظم الدول المنتجة للنفط ورَفع من نِسب العجز في ميزانياتها الى أرقام مخيفة, وارتفعت مخاوف معظم دول العالم من حالة كساد اقتصادي سيعمّ جميع أرجاء العالم خاصة أن تنبؤات الخبراء الإقتصاديين والمراكز الإقتصادية تشير الى احتمال هبوط الأسعار سريعاً في الأشهر القادمة ومن المحتمل أن تنخفض الى مايقارب الخمسة عشرة دولاراً للبرميل مما زاد من التوقعات باحتمال خروج كثير من الدول المنتجة للنفط من نادي المصدرين وذلك لارتفاع كلف الانتاج فيها مايجعلها خارج اللعبة ويوصل اقتصاداتها الى حالة لاتحسد عليها ومثال على ذلك بريطانيا التي تبلغ كلفة انتاج البرميل فيها اثنان وخمسون دولاراً ونصف وكذلك البرازيل الدولة التاسعة في انتاج النفط عالمياً والتي يبلغ سعر تكلفة انتاج البرميل فيها مايقارب من التسعة وأربعين دولاراً وكذلك كندا التي تعد سادس منتج للنفط في العالم والتي يبلغ كلفة انتاج البرميل فيها حوالي واحد وأربعون دولاراً.
ألقضية خطيرة وعامة وتمس الإقتصاد العالمي برمتّه ولابد من بحث الأسباب الحقيقية التي أدت الى هذا الانهيار الغير طبيعي في أسعار النفط في الأسواق العالمية ومن الصعب تحديد الأسباب بدقة متناهية فهي كثيرة ولكن حسب اعتقادي هناك أسباب رئيسية كان لها الدور الأساس بهذا الانهيار وهي :
1. الولايات المتحدة الامريكية: لايخفى على أحد مواقف السياسة الأمريكية في جميع المواقف في العالم حيث تسعى دائماً لتحقيق مصالحها وبسط نفوذها وسيطرتها على العالم بغض النظر عن تأثير تلك القرارات على باقي الدول واذا ما أخذنا بنظر الاعتبار ارتفاع إنتاج النفط الخام في الولايات المتحدة تدريجياً والتوقعات بأن تتجاوز الولايات المتحدة بحلول عام 2017 المملكة العربية السعودية، لتصبح أكبر منتج للنفط في العالم ماحدا ببعض المحللين الإقتصاديين بإطلاق اسم (أمريكا السعودية)عليها لأنه حسب توقعاتهم بأنها ستكون هي المسيطرة على تجارة النفط في العالم في المستقبل القريب, وان الخطوة التي قامت بها أمريكا في الأشهر الأخيرة باصدارها قراراً سمحت بموجبه للشركات النفطية الأمريكية بالتصدير للخارج حيث قامت هذه الشركات على سبيل المثال في شهر تشرين الأول من عام 2015 بتصدير حوالي تسعة مليون ونصف برميل يومياً خلال هذا الشهر ما تسبب من زيادة المعروض في الأسواق العالمية والذي يعاني أساساً من تخمة في المعروض بحوالي مليونين برميل يومياً ما أدى ذلك بالنتيجة الطبيعية الى انخفاض أسعار النفط وذلك لزيادة العرض على الطلب.
2. ألصـيــن: تعتبر الصين حسب المؤشرات الإقتصادية العالمية ثاني أكبر مستهلك للنفط في العالم وان أي تغير في الاقتصاد الصيني يؤثر بشكل مباشر على أسعار النفط عالمياً,
ولايخفى على الجميع حالة التباطؤ في نمو الاقتصاد التي شهدها الاقتصاد الصيني في الفترة الماضية والتي أثرّت بشكل مباشر على جميع الأسواق العالمية, والإجراءات السريعة التي أقدمت عليها الحكومة الصينية لمعالجة هذه المشكلة الاقتصادية وخاصة في رفع معدلات النموفي الناتج المحلي من خلال زيادة مستويات الانفاق في الاقتصاد وصولاً لرفع قيمة الأصول المالية, وهذه الإجراءات أطلق عليها بعض الإقتصاديين(باقتصاد الفقاعة) والتي سرعان مابدأت نتائجها بالتباطؤ والإنكماش ليعود الاقتصاد الصيني الى حجمه الطبيعي وبالنتيجة الطبيعية انخفضت معدلات طلبه على النفط العالمي وبالتالي أثرّ سلباً على أسعاره في الأسواق العالمية.
3. موقف منظمة الأوبك والانقسامات فيها: ان الدول المنضوية تحت راية هذه المنظمة العالمية تنتج ثلث احتياجات العالم من النفط وهي تعاني في أروقتها من عدم توّحد الرؤى والإنقسامات بين أعضائها ماجعل قراراتها ضعيفة ومتخبطة, وهذه الحالة التي آلت اليها هذه المنظمة العريقة دفعت بعض الخبراء والمحللين بالتنبؤ بانهيارها قريباً مالم تلملم صفوفها وتوّحد رؤاها وتسارع باتخاذ قرارات حاسمة في معالجة الأزمة الخطيرة التي تشهدها أسواق النفط العالمية وان أكبر تحدي أمامها هو القرار الذي يتم مناقشته حالياً على طاولتها وهو ضرورة خفض سقف انتاج أعضائها للوصول الى إيقاف التدهور الكبير والمتسارع في أسعار النفط العالمية حيث هناك انقساماً كبيراً بين الأعضاء حول هذا القرار بين مؤيدٍ ورافضٍ وأكبر الرافضين هي السعودية صاحبة الانتاج الأكبر بين أعضاء المنظمة.
4. ألسعـوديــــة: كما معلوم ان المملكة العربية السعودية تعتبر أكبرموّرد للنفط في منظمة الأوبك وتكاليف الانتاج فيها من أخفض الدول في العالم حيث يبلغ تكلفة استخراج برميل النفط فيها أقل من عشرة دولار إضافة الى ان احتياطياتها من النفط وحسب الخبراء لن تنفذ قبل 75 عاماً لو استمرت على معدل انتاج ثلاثون برميلاً يومياً إضافة الى ضخامة احتياطياتها النقدية التي تمتلكها, وان موقف المملكة الغريب داخل منظمة أوبك بإصرارها على عدم الموافقة على تخفيض سقف الانتاج وتذرعها بحجج واهية لم تتمكن من إقناع شركائها بها, ومن تلك الحجج رغبتها بالحفاظ على الحصص السوقية للدول المنتجة ورغبتها بإخراج بعض منتجي النفط الصخري من حلبة الصراع ولكن جميع الدلائل على الواقع تثبت بشكل يومي خطأ هذه المبررات وعدم جدواها بل على العكس ان الاستمرار في التزمت برفض تخفيض سقف الانتاج تؤثر بشكل مباشر على تدهور أسعار النفط وستوصل جميع الدول النفطية الى كارثة إقتصادية لايحمد عقباها.
هل ستتمكن منظمة الأوبك وأعضاؤها من ثني المملكة العربية السعودية وبعض الدول الأخرى الرافضة لقرارها بتخفيض سقف الإنتاج؟ وهل ستتمكن من تجاوز هذه الأزمة العالمية الخطيرة ؟ وهل ستتمكن من تجنب الكارثة الكبيرة التي تحدق في الأفق؟ كل هذه التساؤلات ستجيبنا عليها الأسابيع والشهور القادمة بما تخبئوه لنا من المفاجئات إن كان لنا ولكم نصيباً في الحياة لنرى النتائج.