أصبحت البيئة الجيوسياسية في الشرق الأوسط أكثر تعقيدا بعد اندلاع ثورة الربيع العربي والاضطرابات في المنطقة، إذ كان ميزان القوى في الشرق الأوسط قبل ذلك يتمثل في محورين رئيسيين؛ الأول محور التحالف المصري والسعودي الذي ينظر إليه محور الاعتدال، والثاني إيران وسوريا الذي ينظر إليه محور الراديكالية، وتعتمد حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) وحزب الله اللبناني على المحور الثاني.
وبعد الاضطرابات في المنطقة العربية تعزز نفوذ الدول التي شهدت تغيير نظامها الحاكم، ولاسيما مصر، وكذلك بعض دول مجلس التعاون الخليجي مثل السعودية والإمارات وقطر والبحرين بدرجة كبيرة، كما برز التأثير الدبلوماسي التركي بشكل كبير، وفي نفس الوقت تضاعف دور إيران وسوريا وحزب الله اللبناني والحوثيين في اليمن.
كان المتوقع من الدول التي نشأت فيها أنظمة حكم جديدة أن توفر درجة من الاستقرار للمنطقة، بما فيها ليبيا ومصر واليمن، وفي الوقت نفسه كان من الممكن أن نتوقع السياسات المستقبلية، ولكن الآن ظهرت متغيرات جديدة كثيرة، إن الذي حدث هو ظهور نظام جديد على غرار النظام السابق (في بعض هذه الدول)، فما زالت التوجهات وأساليب القيادة والسياسات الأساسية متشابهة على الرغم من تغير القادة، أما على الجانب الآخر فربما تظهر تغيرات راديكالية وتقوم أنظمة إسلامية، وحركات مسلحة في هذه الدول، مما قد يقود هذه الأنظمة إلى الاستعانة بالغرب والدول العربية الموالية للغرب مثل السعودية والإمارات والمغرب والأردن مرة أخرى، وهذا ماحدث فعلا إذ أعلنت السعودية الحرب على اليمن، واعلان تحالف عربي يضم الى جانب السعودية كلا من الامارات وقطر والبحرين والكويت والاردن والمغرب ومصر والسودان، بعد فرار الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى عمان، وتقدم الحوثيين نحو عدن ودخولها، والسيطرة على مضيق باب المندب، إذ طلب الرئيس اليمني هادي خلال القمة العربية المنعقدة بشرم الشيخ المصرية قوات عربية من اجل اعادة ما اسماه الشرعية لليمن.
وكلنا يعرف قصة جزيرة تيران وصنافير، وهي جزر سعودية أجرتها الى مصر ابان حرب 1967، الا انها تحت سيطرة إسرائيل في حرب عام 1967، التي قامت بها إسرائيل ضد الدول العربية، وبعد خسارة هذه الدول الحرب تم احتلال الكثير من المناطق ومن بينها هاتين الجزيرتين، ولكن الأمر نوعاً ما معتم عليه إعلامياً، اذ كان من الاولى على السعودية ان تحرر ارضها المحتلة من قبل اسرائيل قبل اعادة الشرعية لليمن، الا ان هدف السعودية هو ليس الشرعية كما تدعي بل اهداف اخرى، وهي مناهضة كل حركة تريد التغيير في الدول العربية وذلك لحماية النظام السعودي، كذلك جعل هذه العملية سابقة في التعامل مع الحركات الثورية في المنطقة، ومجابهة أي خطر يهدد هذه الانظمة، ومواجهة المد الايراني ومنعه من الوصول الى جنوب السعودية او السيطرة على مضيق باب المندب، ولاننسى الهدف الاهم للسعودية وهو منع أي مد شيعي في المنطقة، خوفا من امتداده الى شرق السعودية والبحرين التي تعاني من اضطرابات منذ عدة سنوات.
كذلك مشاركة السودان في الحرب، فهذه الدولة التي فقدت اكثر من ثلث مساحتها في عام 2011، واعلان دولة جنوب السودان، وذلك بسبب السياسات الهوجاء وغير المدروسة التي اوصلت السودان الى التقسيم والفقر والفوضى، كذلك العمليات المسلحة في دارفور والمجازر التي ترتكب ضد سكانها، والتي قادت الى احالة ملف ضد الرئيس عمر البشير في محكمة الجنايات الدولية، لارتكابه مجازر حرب ضد المدنيين، لذلك جاءت مشاركة السودان في الحرب ضد اليمن بعد الحصول على وعد من الملك سلمان بأن السعودية سوف تعمل على رفع العقوبات ضد السودان وضد الرئيس السوداني، ليعود السودان الى وضعه الطبيعي في علاقاته الدولية، وامر صناديق التمويل والاستثمار في المملكة بان تزيد من حجم الاستثمار في السودان خلال هذه المرحلة، خاصة بعد لقاء الرئيس السوداني بوزير الدفاع السعودي الامير محمد بن سلمان، الذي وعد بمساعدة السودان بمشروعات سياسية واقتصادية ضخمة وتنمية شاملة، ونهضة في السودان، لذلك يحاول الرئيس السوداني ان يتمسك، بشعرة ال سعود عسى ولعل ان تنقذ ماتبقى من ماء وجهه، امام الرأي العام العالمي والشعبي، خاصة وان امور السودان تتدهور يوما بعد يوم، ولا اعتقد بان هذه العملية سوف تنقذه من مأزقه الذي حشر نفسه به، خاصة وان هناك الكثير من الحكام العرب من العملاء للغرب، قد تم التخلص منهم ورميهم خارجا.
كذلك نرى في مشاركة المغرب في الحرب ضد اليمن امر مستغرب اخر، وما مدينة سبتة ومليلة ببعيدة عنا، اذ هي ارض مغربية محتلة من قبل اسبانيا، فاليمن يبعد اكثر من خمسة الاف كيلو متر عن المغرب، وهو دولة عربية، ولم يقف يوما ضد المغرب في صراع الصحراء الغربية، فكان من الاجدر بالمغرب ان يحرر اراضيه من اسبانيا، كذلك عليه ان يحل مشكلة الصحراء الغربية، ويذكر أن المغرب تواجه أزمة شرعية حقيقية في منطقة الإقليم الصحراوي، على نحو يجعل المشاركة المغربية في تلك الحرب باعتبارها جزءا من حرب الدول في مواجهة الجماعات المسلحة، في ظل الثورات والانتفاضات والاحتجاجات العربية التي تشهدها المنطقة، وفي المغرب أيضاً تعد حركة العدل والإحسان الإسلامية السنية أبرز فصائل المعارضة، والتي ترفض بشكل قاطع حدوث أي تمدد شيعي ليس في المغرب فحسب، وإنما في المنطقة بأسرها.
أما تأييد ومشاركة مصر في العمليات العسكرية ضد اليمن فقد كان له ثمنه ايضا، فثمن مشاركة مصر في الحرب اليمنية بطلب سعودي وخليجي فهو معلوم، وربما يكون مبلغ الـ 12 مليار دولار الذي تعهدت دول الخليج بدفعها لمصر أموال واستثمارات في قمة شرم الشيخ جزء من هذه الصفقة، حيث سيدور هذا “الثمن الايجابي” الذي سيحصل عليه السيسي لو كان دُعي بالفعل للمشاركة رسميا حول: عدم الضغط عليه بمصالحة فورية مع الإخوان –ان أموال شرم الشيخ جزء من الصفقة في اليمن– أن التدخل المصري لاحقا في اليمن سيكون بري ما يعني دعم سعودي اكبر ماليا لحكم السيسي – دور مصري إقليمي أكبر من الدور الايراني في المنطقة الخليجية وربما تمدد إلي باب المندب الذي يعتبر تأمينه مستقبلا هام جدا لمستقبل مصر مع قرب افتتاح التوسعة الجديدة لقناة السويس في أغسطس المقبل (ونذكر هنا ان السعودية لن تعطي مصر هذا الدور، فخلال تدخل مصر في اليمن في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، والذي قوبل برفض سعودي شديد، ودعم للقبائل ضد التدخل المصري الذي ادى لاحقا الى سحب الجيش المصري من اليمن وتكبده خسائر جسيمة)، وقد تكون مشاركة مصر في العمليات العسكرية مفتاحا لاتخاذ إجراءات عسكرية مماثلة في ليبيا، وبمباركة خليجية، خاصة وان بعض دول الخليج رفضت الضربة المصرية ضد مجموعات داعش الارهابية في سرت الليبية والتي اعدمت 21 مصريا، لذلك يحاول السيسي ان يحصل على الضوء الاخضر والمساعدة الخليجية، في عمليات مستقبلية مشابهة لما يجري في اليمن في ليبيا ايضا، ومن أجل الحفاظ على تدفق الأموال السعودية إلى مصر، يحتاج السيسى إلى تقديم سياسات جديدة للمملكة تحت قيادة العاهل السعودي الجديد سلمان بن عبد العزيز، خاصة وان المملكة “السنية” مهددة من الحوثيين الشيعة على الحدود مع جارتها اليمن، والذي تعتبره السعودية كجزء من هيمنة وتوغل إيران المتزايدين، وبهذا فان الاموال الخليجية، والبحث عن دور في المنطقة هو العامل الرئيس لمشاركة مصر في الحرب ضد اليمن.
ولم تكن دول مجلس التعاون الخليجي ترغب في المضي في هذا المسار، لكنّها استدرجت عن قصد أو غير قصد، إلى هذا الخيار الذي بات لا بد منه بعدما لامس الخطر العسكري والسياسي حدودها، ووجدت أن السكوت عليه قد يؤدي إلى تهديد هذه المنظومة، أمام طموح الحوثيين الذين جاهروا بالكثير من نواياهم في منطقة دول المجلس، وبحسب الدول الخليجية المشاركة في الحملة، فإنها تريد ان يكون حال اليمن أفضل من الليلة التي سبقت الضربة العسكرية، التي تقودها المملكة العربية السعودية إلى جانب 4 دول في مجلس التعاون، هي الكويت والإمارات وقطر والبحرين، اما مشاركة دول الخليج الاخرى في التحالف الذي تقوده السعودية ضد اليمن فهو معروف الاهداف والنتائج، اولا مناصرة حليف كبير وقوي في منطقتهم، كذلك الطلب جاء بمباركة امريكية بريطانية، وهذه الدول هي حلفاء ومنفذين للسياسة الامريكية في المنطقة، وتعتقد هذه الدول ان سيطرة الحوثيين على اليمن وباب المندب يعني وضع تجارة النفط من الخليج الى العالم على المحك، وان هذه السيطرة تعني بالنتيجة وصول ايران الى جنوب الجزيرة العربية، وبناء قواعد لها مما قد يدفع الجالية الشيعية في السعودية والبحرين والامارات والكويت الى المطالبة بحقوقها السياسية، وبدفع من ايران، لذلك تحاول هذه الدول ان تدفع الخطر عنها قبل ان يكون على ابوابها.
في ظل هذه الخيارات، تدور تساؤلات حول مكانة سلطنة عمان، الدولة العضو في منظومة مجلس التعاون الخليجي، في هذا التحالف. في الواقع، فإن عدم مشاركة مسقط، لا يعني أنّها خارج منظومة دول المجلس، بل هي ضمن مساره، ويبدو أن هناك تفاهمات حصلت بين مسقط والرياض وبعض عواصم دول المجلس خلال الأسابيع الماضية، وحتى الساعات القليلة التي سبقت الضربة الجوية لصنعاء حول هذه العملية، ورأت عمان أن تكون خارجها لأسباب عدّة وهي: فضلت الاعتصام بسياسة النأي بالنفس التي اعتمدتها دوماً، ولم تخلُ أسباب عدم مشاركتها بالحملة، من رغبة خليجية لإبقائها باباً لأي مفاوضات محتملة، مع عدم استبعاد سبب علاقاتها الودية بإيران.
كما أعلنت الأردن مشاركتها في التحالف المشترك الذي تقوده المملكة العربية السعودية في “عاصفة الحزم”، التي شنها التحالف على جماعة الحوثيين المسلحة في اليمن، وتشارك الأردن بحوالي 6 مقاتلات فقط، من طراز F16، ويذكر أيضا انها شاركت بنفس عدد المقاتلات في الحرب ضد تنظم “داعش” المتطرف في سوريا والعراق، ويرجع العدد القليل من المقاتلات التي تشارك بها الأردن إلى وجود دلالة رمزية للمشاركة دون التورط بشكل كبير في الصراع، إذ يمكن أن تحقق الاردن عددا من المكاسب من جراء المشاركة، دون أن تخلو من إمكانية حدوث عدة تداعيات سلبية وخسائر محدودة النطاق، ومكاسب الاردن من المشاركة هي: تأكيد الشراكة الاستراتيجية مع دول الخليج، وتوطيد علاقتهما بدول مجلس التعاون الخليجي، خاصة وان هناك اقتراح بضم الاردن لمجلس التعاون الخليجي، وذلك بعد ثورات الربيع العربي عام 2011، وصدر عن الجهات الرسمية في الأردن بيانات تؤكد أن المشاركة جاءت بهدف حماية أمن دول الخليج بخاصة المملكة العربية السعودية، وتحاول الاردن توسيع إطار الدور والنفوذ الإقليمي لها، وحماية النظم الحاكمة ذاتها، فقد اكد الاردن ان مشاركته هي دعم الرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي، وهو ما يمكن اعتباره حصن أمان لهم في حالة مواجهة معارضة داخلية، استغلال الحدث للتهدئة مع المعارضة الإسلامية في الداخل، وهو ما سيساهم في تهدئة الأجواء ولو نسبياً داخل الاردن، وسيخلق مساحة وسيطة بين النظم الحاكمة والمعارضة الإسلامية يمكن اعتبارها نواة لمزيد من التفاهمات في المرحلة المقبلة.
وفي الختام، نلاحظ ان المصالح هي اهم الاسباب التي جمعت الدول العربية في تحالفها مع السعودية في عدوانها ضد اليمن، وخاصة المصالح الاقتصادية، فاغلب الدول المشاركة هي دول فقيرة ومحتاجة للمساعدات المالية من السعودية، وبعضها يحاول ان يبحث عن دور اقليمي في المنطقة، لكن المصالح لا يمكن ان تدوم، فهي متغيرة بتغير الظروف، لذلك على كل الدول المشاركة في العدوان على اليمن ان تعي الحقيقة، وان ما كان محظورا اليوم قد يكون مباحا غدا، وقد تدور الدائرة يوما ما على هذه الدول.