23 ديسمبر، 2024 10:00 ص

أسباب انهيار الدولة العراقية الحديثة  -٤ / الطائفية الكامنة والطائفية المعلنة

أسباب انهيار الدولة العراقية الحديثة  -٤ / الطائفية الكامنة والطائفية المعلنة

تعد الطائفية من بين اهم أسباب تدهور أوضاع الدولة العراقية خلال مايناهز اكثر من أربعة عقود مضت  ولغاية اليوم والتي سببت ولم تزل تفتيت بنية المجتمع العراقي وتمزيق نسيجه الاجتماعي وفقدان تماسكه عبر السنين ، كما يشخص  كأحد الأسباب الرئيسة الذي دفع بانهيار الدولة العراقية.
التوجهات الطائفية بدأت بشكل اكثر جلاءا  منذ تولي النظام السابق زمام السلطة ، ويخطىء ويجانب الحقيقة كثيراً من يدعي بأن النظام السابق لم يكن طائفيا ، فالطائفية آنذاك أستطيع ان اسميها بالكامنة ، لا يجري الحديث عنها امام العلن او يسمح بتداولها بين أبناء الشعب ، الا ان النظام لديه وسائل وطرق مختلفة في الكشف عن انتماء الأشخاص الى هذا المذهب او ذاك ، كذلك التحري عن القومية والدين من خلال وسائل مختلفة كطلب الاسم الرباعي ومكان سكن الجد وغير ذلك من معلومات في الغالب يتم الحصول عليها من خلال ما سماها العراقيون بالمستمسكات المقدسة الأربع  ، ومن ثم التعامل مع الأشخاص ليس حسب وطنيتهم وكفاءتهم  وغيرها من الميزات ، فالمناصب العليا والحساسة كانت في الأغلب تمنح لأبناء مكون واحد رغم انه ليس المكون الأكبر ، فتجد ان القيادات المدنية والأمنية في مناطق الجنوب والشمال الكوردي كان يتولاها أبناء هذا المكون وينظرون الى أبناء المكونات والقوميات الاخرى نظرة استعلائية ، والتشكيك بولاء الأشخاص للوطن يوجه الى من هم ليسوا من أبناء المكون القابض على السلطة ، والخدمات لا تقدم بشكلها المطلوب الى المناطق التي لا يقطنها أبناء هذا المكون مقارنة بتلك التي تقدم في مناطقهم . مع ان أبناء المكون الأكبر وبقية القوميات والطوائف كانت هي التي وقع عليها عبء الحروب والقتال في الجبهات الأمامية في كافة الحروب بدءا من حرب تشرين في  1973 ولغاية صد قوات التحالف لدى تقدمها نحو بغداد من جهة جنوب العراق مرورا بحرب ايران والكويت .
هذه السياسة أدت الى تراكمات سلبية بمرور السنين لدى أبناء المكونات والقوميات التي حوربت بالتوجيهات الطائفية المذهبية والعنصرية الأثنية وهي التي أدت الى انتفاضة الجنوب في عام 1991 كما ساعدت على شبه انفصال للشمال الكوردي  في نفس العام ، ودفعت بملايين من أبناء الطائفة الأكبر في العراق والقومية الثانية فيه الى مغادرة البلد والهجرة الى بلدان العالم المختلفة جراء الظلم والاستبداد والاضطهاد وفي مقدمته الطائفي ، فشكلوا احزاب وتجمعات سياسية معارضة ومناهضة للحكم الديكتاتوري الحاكم ، وان لم يكن لهذه الأحزاب تأثيرات واضحة في الداخل العراقي – فيما عدا القليل منها الذي كانت له قواعد دينية داخل العراق منذ زمن بعيد – مع ذلك كان هناك  دعم من المجتمع الدولي لهذه الأحزاب في ان تستلم منذ نهاية الثلث الاول من عام  2003.
 لذا فان التغيير الذي حدث وقلب موازين الحكم ، اجج روح الانتقام من السياسات الطائفية للنظام السابق ، وقد غذت ذلك الدول التي دعمت من جاؤوا  لقيادة دفة الحكم ممثلة  بالحاكم الأميركي بريمر ، فبدا المشهد  وكأن ثأرا وانتقاما ينبغي ان يتخذ تجاه  من انتهج وعمل بتلك السياسة طيلة ثلاثة عقود ونصف وبسياسة يمكن ان توصف بالطائفية المعلنة بدلا من تلك الكامنة التي كان ينتهجها النظام السابق ، فأصبح الحديث عن الطائفية لدى قادة الكتل وبقية السياسيين واغلب وسائل الإعلام ، بل وأغلبية أبناء الشعب العراقي معلنا دون اي قيد او حرج ، مع ان هذا التوجهات ليس صحيحة  في مقاييس العقلاء وأهل الحكمة والرشد ، فالانقسام بين العراقيين بدأ يأخذ اتجاهات شتى ، فمن المدن الكبرى والأقضية والنواحي بدأ العزل الطائفي  ولم ينته عند  مستوى المناطق والأزقة ، لا بل وفي داخل البيت الواحد حصلت حالات الاختلاف في الرؤى والتوجهات أدى عدد منها الى افتراق الزوجين وتشتت الاسرة .
وهكذا نرى ان الصراعات الاخيرة داخل البلد توصف بأنها طائفية اذ لم تبق ثقة لدى أبناء الشعب بسبب السياسات الطائفية السابقة والحالية ، وهو ما يهدد البلاد بالتقسيم الى أقاليم والتي بدأت بمحافظات جديدة تقوم على هذا الأساس الطائفي  .
هذه هي نتاجات السياسات الطائفية ، ليس أقلها الحروب الداخلية وتدمير البلد بكامله ان لم يتناهى ذوي الالباب والعقول النيرة وأصحاب الحكمة لكي يسارعوا بنزع  فتيل هذه السياسة الطائفية الممزوجة بروح الانتقام .
ان اخطر  تداعيات تلك السياسات الطائفية هو تأثيراتها النفسية التي  من السهل اقتلاعها ممن عانى منها من أبناء الشعب العراقي ، لذا فان العراق بحاجة اليوم الى ثقافة تعمل على توعية ضد الطائفية وسياسات مدروسة صادقة النوايا ، بل نحن بحاجة  الى مانديلا جديد يدفع بمصالحة وطنية حقيقية وليست صورية يتقاذفها السياسيون لكي يروج لها الاعلام فقط ، في حين انها  تلد حروبا ونزاعات وصراعات جديدة بين الفينة والأخرى ، نحن بحاجة ماسة الى وطن يضع خلف ظهره كل تداعيات الماضي والحاضر لكي تنعم أجياله  بمستقبل افضل .