10 أبريل، 2024 1:19 م
Search
Close this search box.

أسباب انهيار الدولة العراقية الحديثة/ 6

Facebook
Twitter
LinkedIn

التدخلات الدولية والإقليمية
لم يبدأ التدخل الدولي او الإقليمي في العراق مع الدخول الأميركي المدعوم بالتحالف الدولي في 2003  ، سواء كان من ايران او تركيا او غيرهما، بل اننا يجب ان نعود عدة عقود الى الوراء ، من اجل رؤية  كيف أن الاميركان تدخلوا في تغيير مسار العملية السياسية في العراق من خلال دعم رئيس النظام السابق وأعوانه في إحداث إنقلاب عام1968 ، ويمكن الرجوع بهذا الصدد الى ما ذكره خالد جمال عبد الناصرفي مذكراته من أن رئيس النظام  كان يتردد على السفارة الأميركية في القاهرة عندما لجأ اليها منتصف الستينيات وقبل سنوات من قيام الانقلاب.وهو ما أيده في الثمانينات ( ماينز كوبلاند) الرجل المخابراتي الأميركي المخضرم صاحب الكتاب الشهير “لعبة الأمم” بتصريحه ان ال    كانت تدعم التنظيمات البعثية في تلك الفترة.CIA 

أعقب ذلك دفعالولايات المتحدة النظام السابق بالدخول في حرب طويلة مع ايران ودعمته بالمعلومات الاستخباراتية والتجسسية ، وهو ما صرح به العديد من المسؤولين الاميركان وكتبت عنه الصحافة العالمية  – كشفت عن ذلك مثلاً مجلة فورين بوليسي الامريكية في أغسطس 2013 –  بالإشارة الى ان هذه المعلومات هي التي دفعت الى انهاء الحرب الطويلة بشكل عاجل وخلال أشهر معدودة في منتصف أغسطس 1988. كما ان دفع الغرب ، ولا سيما اميركا للكويت بالتجاوز على النفط العراقي  في الأراضي على الحدود المشتركة ومن ثم استفزاز العراق هو الذي دفع الى تهور النظام السابق بشن هجومه على الكويت وبتوريط أميركي من خلال إجابة السفيرة الأمريكية ببغداد آنذاك أبريل جلاسبي، لدى لقائها في يوم 25 يوليو 1990 ، أي قبل الغزو العراقي للكويت بـ 8 أيام فقط برئيس النظام السابق ، بأن التدخل العراقي في الكويت – إن حدث- فهو شأن عربي خاص لاعلاقة للولايات المتحدة به.

وبعد إجبار الجيش العراقي على الخروجمن الكويت ، وقيام انتفاضة الجنوب بعدها مباشرة ، تدخلت اميركا بدعم النظام العراقي في قمع هذه الانتفاضة حفاظاً على مصالحها من جهةوبتوصيات خليجية تتعلق بالتخوف من تغيير بنية النظام المذهبية من جهة أخرى.

وعلى الرغم من هذا التدخل شمل منع الطيران العراقي ضمن خطوط طول وعرض محددة ، وضمن تصورات أميركية لتحقيق ستراتيجيتها المستقبلية  في التدخل بالشأن العراقي. وقد كانت هذه التدخلات التي مهدت لها السياسات الفاشلة والرعناء للنظام السابق أثرها الكبير في تحقيق بدايات إنهيار الدولة العراقية ومؤسساتها.

كان التدخل الدولي في العراق ، بل ويمكن تسميتها بالسيطرة الأميركية ، أكثر جرأة ووضوحاً وبشكلٍ مباشر وليس بالنيابة  بدءً من مارس 2003 وبحشد دولي لم يسبق له مثيل. فكانت قرارات الحاكم المدني الأميركي بريمر ومن سبقهممن نصبتهم الإدارة الأميركية من عساكرها ، في حل الجيش العراقي وبقية المنظومة الأمنية في العراق ، كذلك شمول وزارات ومؤسسات مدنيةمثل وزارة الاعلام وغيرها ، إن أدى الى انهيار كبير للقوات الأمنية العراقية وللقطاع المؤسساتي في العراق بشكل عام ،  وهو الذي يعتبر مثالاً يحتذى به في المنطقة حيث تم تأسيسه من قبل الإنكليز لدى دخولهم العراق من منفذ الفاو عام 1914، والذي أعقبه دخولهم بغداد عام 1917.

تزامن مع هذه السيطرة الأميركية تدخل إيراني واسع من خلال البوابة الطائفية المذهبية ولا سيما في بغداد ومدن الجنوب العراقي ، وبترحيب من أغلبية الحكام الجدد من الشيعة. وهو ما دفع المكونات الأخرى الى الاستنجاد بدول إقليمية مجاورة من اجل التدخل لاعادة التوازن فدخلت تركيا والسعودية وقطر والامارات العربية وغيرها من الدول التي غالبا ما تحدثت عن توجهاتها بالتخوف من التمدد الشيعي وفي نفس الوقت الحديث عن نصرة اهل السنة في العراق ، وهو ما غذى النزعات الطائفية التي استيقظت ونشطت كثيراً في هذه الفترات نتيجة للتدخلات الدولية والإقليمية.

استمرت سياسة التدخلات والسيطرة  الأميركيةفي إدارة العراق ومسك زمام الامور العسكرية والأمنية حتى قلت وطأتها مع انسحاب القوات الاميركية عام 2011 ، الا انها استبدلت بالمناداة بمشروع  تقسيم العراق يسيء الصيت والذي يعمل على تفتيت الدولة العراقية الى ولايات كما كانت في العهد العثماني وقبل نيل العراق استقلاله في مطلع الثلاثينيات من القرن الماضي . في نفس الوقت تعمق التدخل والتغلغل الإيراني في السنوات التي سبقت هذا الانسحاب وازدادت الهيمنة بعد ذلك في مسعىً لأن تحل ايران بدلاً من الولايات المتحدة في إدارة مقاليد البلاد وتسيير سياساتها.    

ان توسع التغول الإيراني في العراقي جعل الولايات المتحدة تعلن عن أسفها في قرارهابالانسحاب من العراق وهو الذي يمثل الثقل الاستراتيجي والجغرافي الأهم في المنطقة ، فعملت على محاولة العودة الى الساحة العراقية ولكن بطريقة مغايرة هذه المرة ، وذلك باعتماد سياسة الترهيب من خلال نشر الجماعات الإرهابية (داعش) في اكثر من ثلث أراضي البلد ، واتباع سياسة الإمتصاص الاقتصادي ومن ذلك العمل على خفض أسعار النفط العالمية في وقت يعتمد العراق في موازنته المالية على ما يقارب من 95%من إيرادات النفط، من اجل اضعاف قوة الدولة العراقية وجعلها تلهث خلف الدول الكبرى لغرض الحصول على الدعم المالي والاقتصادي.

ان الانتشار الواسع والسريع للجماعات الإرهابية في العراق وسوريا جعل من التدخلات الدولية والاقليمية اكثر نفاذاً في المنطقة ، حيث أفصحت ايران عن مشاركتها في الحرب ضد داعش في هذين البلدين بشكل علني في السنتين الأخيرتين ، كما تدخلت فرنسا وبريطانيا ودول أخرى في الضربات الجوية ضد الاجماعات الإرهابية ، وتم الإعلان خلال الأيام القليلة الماضية عن وجود اكثر من 5000 آلاف مستشار امني أجنبي في العراق وهو ما يبين حجم التدخلات الدولية والإقليمية في العراق حالياً والذي من المتوقع ان يزداد في المرحلة المقبلة .

عودة الاميركان بتعزيز جديد للتدخل العسكري في العراق مرة أخرى ، كان بالإعلان عن نشر وحدات عسكرية في أطراف مدينة الموصل الشمالية والشرقية  في الأسابيع القليلة الماضية ، وبحجة المشاركة في دعم عملية مرتقبة لتحرير هذه المدينة من الاحتلال الداعشي .

 أما التدخل الروسي من خلال التحالف الرباعي  الذي ضمها مع ايران والعراق وسوريا ، فقد كان بمثابة محاولة إحداث توازن إزاء التدخل الأميركي الذي لم يحدث آثاراً إيجابية واضحة في ضرب الجماعات الإرهابية بحسب ما تحدثت عنه الدول المشاركة في التحالف الرباعي.

ان ما وصلت اليه هذه التدخلات الدولية والإقليمية في العراق في الوقت الحاضر ، من خلال التواجد الأميركي والروسي والإيراني ودول أخرى كبرى مساندة عسكرياً أرضاً أوجواً ، يجعلمن التنازع الخطير المرتقب بين الأطراف المتدخلة أن يدفع بالدولة العراقية الى الانهيار والسير نحو شفير الهاوية ، والتي أقلها تقسيمه ونهب وتقاسم ثرواته ، من خلال معاهدة جديدة يتوقع إقرارها لتحل محل معاهدة سايكس بيكو ، يكون للاميركان والروس الحصة الاكبر فيها بدلاً من بريطانيا وفرنسا التي إستاثرت بحصة الأسد آنذاك. 

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب