منذ ان انحرف الدين عن مساره السماوي الى العمق الارضي حيث التأريخ و الموت وانعطف الى حيث اللارجعة تشكلت وفق هذه الانعطافات الخطيرة محطات ايدلوجية تعتقد انها هي الدين الصحيح و تنتهج نهجاً مغايراً تماماً لما يريده الله و الانسانية .
اصبح الدين مزاجياً بامتياز و الفتاوى مجانية بدون ضمير و الحركة الفعلية لرجال الدين هي المصلحة النفعية او البراجماتية الذرائعية , وفق هذا الانحدار المؤسف و الوعي المفتَت انبثق الخطاب الوعظي عند المسلمين فهو لا يمارس الفعل و لا يعتمد الحقيقة بل يركن الى حيث ارادة الوعي البيئي , معتمداً هذا الخطاب على نقطتين هامتين في بقائه و ديمومته :
1- اللعب على عواطف الجماهير غير الواعية فهو (اي الخطاب الوعظي) يركز على العاطفة ولا يقترب من العقل و يستخدم آليات صدئة في نقل المعلومة الى العوام ويختنق الواعظ عندما تريد ان تناقشه وفق سياق العقل و المعرفة فهو سوف يحاول ان يسحبك الى مياهه الأسنة ويدفع بك الى حيث التأريخ النازف او يعزف لك جنجلوتيته من الروايات المزيفة و الاحاديث الملفقة .
2-
يعتمدهذا الخطاب على حفظ المأثور من الاحاديث و الاقوال التي رويت عن الرسول او اهل بيته او اصحابه , هذه المأثورات مرتفعة من حيث العمل و الخلق و الايثار لكنها تفتقر الى حيث التطبيق . قبل فترة وانا اسمع الى رجل منتحل صفة الدين روزخون ( قارئ تعزية ) وهو يخطب في الناس ويقول لهم الكلمة المعروفة عن الامام علي بن ابي طالب ( رقعت مدرعتي حتى استحييت من راقعها ) فنظرت اليه وقلت في نفسي أما يستحي هذا الرجل الذي لم ارى الترقيع في ملابسه او سيارته او بيته او ثروته , لكني اعترف انني وجدت الكثير من الترقيع في كلامه و طريقته و طرحه لموضوعه وافتقاره الى الثقافة بشكل عام .
مارس الخطاب الوعظي سلطة قاهرة فهو بين الخروج عن الواقع في حباكته و احداثه وبين عدم تقبله الى ارشادات الواعين و الناضجين وبين طرحه الهلامي لأحداث لم تتحقق من حيث الفعل الا في شعارت ليس فيها اي معنى الا ملء الفراغ الزمني فهم يقولون ما لا يطبقون ويطبقون عكس ما يقولون .
تعج ولاية مشغن الامريكية بالكثير من هؤلاء الوعاظ فهم يمارسون الوعظ و الخطابة للرزق و جلب المال و ليس للإصلاح و المنفعة ولذلك لم يغيروا بالواقع شيئاً فهم يتاجرون بالاقوال و الشعارات و لا يمارسون الفعل . إكتشفت عن طريق احد المتخصصين ان اغلب رجال الدين او الواعظين متقاعد بسبب حالته النفسية ( مجنون ) فتاكدت من ان سبب الفشل في المؤسسة الدينية عموما ان القائمين عليها يأمرون الناس بالبر و ينسون انفسهم . فهم يمسرحون انفسهم امام المسؤول في دائرة ( السوشل سكيورتي ) و يلبسوا الثياب الرثة و الحركات الموحية للجنون و احياناً يتكؤون على عصى مسمومة بسم الغش و الخيانة لكي يوهموا المسؤول بهبلهم و جنونهم , نفسهم هؤلاء من يقود حركة الوعي و الدين و الاخلاق في شارعنا العام !! يا الله ما هذه المهزلة التي ترتكب بأسمك ؟
فكيف نأمل من هؤلاء ان يقدموا لنا خطاباً واعياً ؟ او فعلاً نبيلاً او حركةً تقود الى التغيير ؟ لا يستطيع هؤلاء ان يغيروا مسار حركة الوعي ولا لمس جدار الصدق و الايمان و الاخلاص الذي جسدته رسالة الله .
ان سبب تأخر الامة التي ننتمي لها بالفطرة هم أولئك الذين تصدروا المشهد العام و تسيدوا على منابر المسلمين و بثوا حقدهم من خلال كلامهم و فتاواهم المحرضة على الكره .
لاشك اننا نحتاج الى خطاب واعي يدرس حالة الامة كل الامة و ينقب عن مكامن الخلل و النقص و يتحمل النقد ويرحب به لا ان يضيق بالنقد الى حيث التكفير و الاقصاء , و لاشك اننا نحتاج الى اناس صادقين في حركتهم وافعالهم و ثقافتهم لكي يدفعوا دفة المسار الاعوج الى حيث الاستقامة .