كنت من أوائل المعارضين لخصخصة قطاع الطاقة منذ بداية طرحه كمقترح ، ولمست الحكومة معارضة شديدة من خلال التظاهرات وغيرها ، لكنه فُرض علينا شئنا أم أبينا ، شأنه شأن كل القرارات المصيرية التي يتم تمريرها رغما عنا ، كان آخرها مهزلة الإنتخابات والمشاركة الجماهيرية الهزيلة للغاية ، واللغط المزعج لمدّعي الكتلة الأكبر ، لتبرز بالتالي نفس الوجوه التي كنا نطمح أن لا تبهرنا بطلعتها البهية إلى الأبد ، لكن الشعب يريد ، والمافيا السياسية تريد.
وعدتنا هذه الشركات بأن الطاقة ستكون مستمرة ، وسرعان ما وقعت في مأزق ، لأن إنتاج الطاقة أصلا لا يكفي لنصف إحتياجات البلد ، هذا يعني أن هذه الشركات إن أرادت أن تبر بوعدها ، فعليها أن تجهز الطاقة (للأحياء الغنية عادة) ، على حساب الأحياء الشعبية ، التي بدورها ستزداد لديها ساعات القطع المبرمج ، وهو ما حدث فعلا ، لكن الأغرب ظهور شركات للجباية في الأحياء الشعبية ، دون ظهور أي حدود دنيا من تحسن إنتاج الطاقة ، ولكن لإثبات (جدوى) هذه الشركات أمام المستهلك ، قامت في الشهور الأولى بإصدار قوائم بأجور زهيدة ، ووعدتنا بتحسين إنتاج الطاقة ، مما جعلنا نرفع كل أسلاك الإشتراك مع المولدات الأهلية الباهضة الثمن ، والممتدة لسنين عديدة ، ممنين النفس بالفرج والأفلات من إبتزازهم ، ومرت الشهور ، وساءت وضعية الطاقة في حر الصيف اللاهب ، مما أضطر الكثير من المشتركين إلى تملق أصحاب المولدات ، وتطييب خاطرهم ، والتوبة لكل من تسوّل له نفسه (بفسخ) أسلاكه معهم !.
في الشهور الأولى ، كانت الأجور زهيدة حقا ، لا تزيد عن 10 إلى 20 ألف دينار كل شهرين ، رغم أن الطاقة لا تزورنا إلا لأثنا عشر ساعة يوميا ! ، لكني فوجئت بقائمة ذات ربع مليون دينار ، وكالعادة إن أردتَ الشكوى ، فعليك المثول للمبدأ الشوفيني السمج (نفّذ ثم ناقش) ، أي إدفع ثم إشتكِ ! ، وبعد قرائتي للعداد ، إكتشفت إن العداد خاصتي قد أصابه الجنون ، وإني استهلكت أكثر من 5000 وحدة طاقة خلال شهرين ، وكأن منزلي قد تحوّل إلى معمل إنتاجي ! ، مع العلم إني لا أمتلك أكثر من (سبلت) واحد ، يكللني بالهواء البارد لنصف يوم فقط ! ، ورغم ذلك توجهت إلى إحدى هذه الشركات للإستفسار ، فقالوا لي إن إستهلاك أول 1000 وحدة طاقة سيكون سعر الوحدة 10 دنانير ، وعند بلوغ الألف الثاني ستزاد إلى أكثر من 30 دينار ، وستكون الزيادة دراماتيكية حتى بلوغ الأف الخامس ، عندها سيكون سعر الوحدة 100 دينار ، أي 10 أضعاف سعر الوحدة ! ، وأن أجور الوحدات المستهلكة لدي مطابق لمعاييرهم !.
إتضح إن المحصّل هو من سبب لي هذه الكارثة ، فلإمتصاص نقمة الناس وحساسيتهم من مبدأ الخصخصة ، كان المحصل يدرج تحت حقل (القراءة اللاحقة) ، رقما بحيث لا يعبر عتبة 1000 وحدة طاقة عن القراءة السابقة ، أي يغض النظر عن قراءة المقياس ، لكن المقياس لا يتوقف والشهور تتوالى ، والقراأت تتراكم ، حتى تغير المحصل وأخذ قراءة المقياس الحقيقية !.
ترى ما الذي جعل المحصل السابق ، يدرج قراءات طفيفة بغض النظر عن قراءة المقياس ، سوى أنه ينفّذ سياسة الشركة ، وهو ما جعلني أدفع المتراكمات بأضعاف مضاعفة ؟!، فمتى يتوقف مسلسل الفوضى والفشل والإهمال الذي طال كل قطاعات الحياة ، إبتداءٌ من الكهرباء ، مرورا بالتعليم وليس أنتهاءٌ بالصحة ؟!.