في الصيف فقط يصادفني العقال العربي وهو يتجول في سوق دوسلدورف. عندما يأتي أبناء الخليج سياحا الى المدينة وقتها يشدك الحنين الى عقال ابيك وتلك الأناقة الفقيرة التي يعدل فيها هندامه يوم يهم فيها للخروج الى الرزق وقد تعود أن يرتدي ( البالطو ) الجاكيت الطويل في الشتاء ، وحجته ان تعرف الناس ان ما في الهندام قد لا يكشف ما في الخفاء من حاجة الروح والجسد الى مال يرفع فيه من مستوى احلامنا ويوفر فيها ثيابا جديدة للعيد القادم.
أظن أن كلمة بالطو ليست عربية واقرب الظن انها تركية اتت الينا يوم دخلت موضة ملابس الافندية بين الموظفين في الدوائر الرسمية ، او أن العثمانيين الزموا جميع الموظفين في ولاياتهم ان يرتدوا البالطو والطربوش ، غير اني كنت انتبه الى حراس شوارع المدينة كانوا يرتدونه مثل ابي مع العقال.
صورة البالطو ، واستدارة العقال كما تلك الحلقة التي تدور حول كوكب زحل . هي من بعض نوافذنا ارواحنا ، وكم كانت تلك الشتاءات جميلة وساحرة حين يجيء تلامذة مدارسنا وهم يحتمون من لسعة برد شتاء صباح الأهوار بذلك البالطو الذي توزعه المديرية التربية كمعونة شتاء للأطفال الفقراء ، ولأن نسب الفقر في القرية تكاد تكون متساوية فكانت القرعة هي الحل الاسلم لم نوزع ( البالوطات ).
وبالرغم أن البالطو هو القبوط ( المعطف ) إلا أنه بسبب حجمه الجاكيت الكبير كنا نوزعه على تلاميذ قصار القامه فكانوا يطلقون على الجاكيت أسم بالطو.
لذلك الزي أساطير حلوة ، يوم سعى المعلمون بعد ان شعروا بقسوة البرد الشتاتي في ايام ( جويريد ) وهو ينهش في عظام المعدان واصرارهم ليتحدوا الرجفة وينتظروا جواميسهم عند حافات الماء ولا يذهبوا معها لبرودة الماء وعدم تحمل اقدامهم العارية هذا البرد سعوا الى اقناع البعض بشراء البالطو من محلات البالات او من الشرطة الخيالة الذين يتقاعدون ويبقون معاطفهم الخاكية معهم وتكون ثقيلة وقماشها من الوبر الشعري.
بدأ البالطو يغزوا اجساد اهل القرية ،وفي عام ما اكتمل نصاب جميع ابناء القرية في ارتداءهم هذا المعطف ، وتحول الجميع في اول الصباح الى فصيل من جند انكشارية او خيالة في مخفر ( وانه ) الذي يقع على الحدود البرية الجنوبية لأهوار الجبايش ، فنسجل منظرا جديدا في حياة هؤلاء الناس وهم يقون شتاءهم بتلك المعاطف الطويلة التي يرتدونها فوق دشاديش ثقيلة ، ومن فرط تعلقهم بها صار البعض يستعيض عنها باللحاف في نومه ،ويهجعوا معها بعد ان يتمددوا ليغفوا نائمين فيما المواقد تخفت رويدا رويدا.
الليلة تقيم دار أزياء في شارع الملك في مدينة دوسلدورف عرض أزياء بيار كردان بعنوان ( معاطف ليلنا الطويل ) .
لن احضره فبطاقة الدخول غالية جدا ، ولكني حتما سأتابعه على قناة ( فيوشون شو ) فقط لأستعيد متعة صباحات البالطو الذي يأتي من معامل نسيج اوربا واسطنبول ومخازن ميرة الشرطة الخيالة ليشتريه اهل قريتنا ليهزوا البرد ويظلوا يتمتعون بلذة جلوسهم امام النار وهم يتكورون معها بسعادة حتى لحظة النعاس……!