22 مايو، 2024 8:52 م
Search
Close this search box.

أساطير ألتكوين

Facebook
Twitter
LinkedIn

لم يدرك مؤلف ألقرآن أنّ ألآية – 7 من سورة هود (( وهو ألذي خلق ألسموات وألأرض في ستة أيام وكان عرشه على ألماء )) تتناقض مع ألمطلق ولا ألمحدود وألألوهية، فوجود ألعرش هي ميزة مترادفة مع ألملوك ووجود ألماء قبل خلق ألكون يتعارض مع ألخلق من ألعدم.

إنّ ألعبارة ألقرآنية (( وكان عرشه على ألماء )) مقتبسة من عبارة في ألتوراة ((وألظلمات تغطي ألغمر وروح ألله ترفرف على ألمياه))، وعبارة ألتوراة مقتبسة من أساطير ألخلق ألسومرية وألبابلية، فمن ألمعلوم أنّ ألتوراة دونت وأخذت شكلها ألنهائي من قبل ألكاهن أليهودي عزرا أثناء ألسبي ألبابلي.

سنتناول في هذه ألمقالة جذور هذه ألأسطورة وإليكم ألتفاصيل:

ألتوراة مشكّلة من نصوص ألعصر وألتوجهات ألمختلفة ألممثلة لتقاليد شفهية قديمة جدا، ولكنها معاد تفسيرها، ومصححة ومسجلة خلال عدة قرون وفي أوساط مختلفة.

إنّ ألمؤلفين ألمحدثون يبدأون تأريخ ديانة إسرائيل بإبراهيم. وعليه وتبعا للتقاليد فإنّه هو ألذي أختير من قبل ألرب ليصبح جد ألشعب ألإسرائيلي وليأخذ مُلك كنعان. غير أنّ ألإحدى عشر فصلا من ألتكوين تروي ألأحداث ألخرافية ألتي سبقت أختيار إبراهيم منذ ألخليقة حتى ألطوفان وبرج بابل.

إنّ تحرير هذه ألفصول، كما هو معلوم، أكثر حداثة من كثير من نصوص ألأسفار ألخمسة ألأخرى. من جهة أخرى، فإنّ بعض ألكتّاب، أكدوا بأنّ ألنشكونية وأساطير ألأصل (خلق ألإنسان وأصل ألموت…ألخ) قد لعب دورا ثانويا في ألوعي ألديني لإسرائيل.

إنّ سفر ألتكوين يفتتح بهذا ألمدخل ألشهير: (( في ألبدء، خلق ألرب ألسماء وألأرض. وكانت ألأرض خالية وخاوية، وألظلمات تغطي ألغمر وروح ألله ترفرف على ألمياه )).

إنّ ألصورة للمحيط ألأولي ألذي يرفرف فوقه إله خالق، هي صورة قديمة جدا وفي ألعديد من ألتقاليد، إنّ ألخالق قد تم  تخيله بشكل طائر، إلّا أنّه يتوجب تصليب ألرمز ألأصلي:

ألروح ألإلاهي تفارق ألكتلة ألمائية، إنّه حر لأن يتحرك، وبألنتيجة يطير كعصفور، ولنتذكر أنّ ألطائر هو إحدى ألصور ألقديمة للنفس.

مع ذلك فإنّ فكرة ألإله ألطائر فوق ألهوة ألمائية (ألغمر) لم تتأكد في ألنشكونيات ألميزوبوتامية، مع أنّ ألأسطورة ألمروية في (ألإينوماإيليش) ألبابلية كانت على ألأغلب مألوفة لدى كاتب ألنص ألتوراتي، وفي ألواقع، أنّ ألمحيط ألأولي يشار إليه بألعبرية (تيها آم)، وهو تعبير متوافق أشتقاقا من ألبابلي (تيامات).

إنّ ألخلق بمعنى ألكلمة في ألتوراة يعني تنظيم ألعماء وقد حصل بقدرة كلمة ألإله، فألعماء ألمائي ليس مشخصا كتيامات ألبابلية وبألنتيجة إنّه لم يتم ألتغلب عليه في معركة نشكونية.

في أسطورة بابلية نقرأ: ((في تلك ألأزمان ألأولى. لم يكن سوى المياه)). وحسب ألأسطورة يقوم الإله مردوخ بشطر جسد الإله تعامة (المياه الاولى) الى نصفين، فيرفع الاول سماء، ويبسط الثاني ارضا، وفي الأسطورة ألتوراتية، يقوم إله العبرانيين يهوه أيضا، بفصل ألمياه ألأولى إلى شطرين، رفع ألأول إلى ألسماء وبسط ألثاني ألذي تجمّع مياهه في جانب، وبرزت منه أليابسة في جانب آخر- سفر التكوين- الاصحاح الاول.

وفي ألقرآن نجد واقعة فصل السماء عن الارض ( أو لم ير ألذين كفروا أنّ ألسموات وألأرض كانتا رتقا ففتقناهما )- سورة ألأنبياء- ألآية 30.

إنّ القصة أليهودية ألأخرى (5:2) هي أكثر قدما وتختلف بوضوح عن نص كهنوتي فلا يوجد هنالك مسألة خلق ألسماء وألأرض، وإنّما عن صحراء حوّلها ألرب يهوه لأرض خصبة بمياه أرتفعت من ألثرى. ولقد قولب يهوه ألإنسان من ألصلصال وأحياه بألنفخ (نسمة ألحياة في أنفه) وبعد أن ألقى عليه ألنوم، أخذ يهوه أحد أضلاعه وصنع أمرأة تلّقت أسم حواء وهي كلمة مرتبطة إشتقاقا بعبارة تعني ألحياة.

وقد لاحظ شرّاح ألكتاب ألمقدّس أنّ ألقصة أليهوية تقاوم ليس ألعماء ألمائي لعالم ألأشكال، وإنّما ألصحراء وألجفاف للحياة وللنبات، ويبدو من ألمعقول إذن، أنّ هذه ألأسطورة حول ألأصل قد تولدت في إقليم صحراوي.

أمّا بألنسبة لخلق ألرجل ألأول من ألغضار( تُرابٌ طينىٌّ دقيق الحبيبات ، كثيرُ الاندماج والصلابة )، فإنّ ألفكرة كانت معلومة لمؤلفي ألتوراة منذ أساطير سومرِ:

أي بني، انهض من مضجعك انهض من (….)

واصنع امرا حكيما

اجعل للآلهة خدما، يصنعون (لهم معاشهم)

فتأمل انكي مليا في الامر، ثم دعا الصناع الاهليين المهرة وقال لامّه نمو:

إنّ الكائنات التي ارتأيت خلقها، ستظهر للوجود

ولسوف نعلق عليها صورة الآلهة

امزجي حفنة من الطين، من فوق مياه الاعماق

وسيقوم الصناع الالهيون المهرة بتكثيف الطين (وعجنه)

ثم كوّني انتِ له اعضائه

وستعمل معك ننماخ (آلهة الأمومة) يدا بيد

ولسوف تقدرين للمولود الجديد، يا اماه مصيره

وتعلّق ننماخ عليه صور الآلهة  (….) في هيئة ألإنسان (….).

 (تعليق صور الآلهة على ألإنسان يُعنى به جعل ألإنسان ألمخلوق على صورة ألآلهة)

وثمة أساطير مشابهة قد تأكدت تقريبا في أمكنة عديدة من ألعالم، بدءا من مصر ألقديمة وأليونان حتى ألشعوب ألبدائية. فألفكرة ألأساسية تبدو نفسها:

ألإنسان تشكّل من مادة أولية ( أرض،خشب،عظم ) وأنّه أعطي ألحياة بنفس ألخالق وفي ألعديد من ألحالات، أنّ شكله هو ذات شكل خالقه،  كما جاء في ألأسطورة ألسومرية.

وحسب ألتوراة فإنّ ألإنسان بشكله وبحياته يشاطر بنوع ما شرط ألخالق. ولا ينتمي إلى ألمادة سوى جسده، وإنّ خلق ألمرأة من ضلع أستلّ من آدم يمكن تفسيره كدليل على خنثوية ألرجل ألأول، وهذا ما يؤكده وجود ألأثداء وألحلمات في ألذكور، وربّما أوحت ملاحظة وجود هذه ألأعضاء في ألذكر إلى مؤلفي أسطورة خلق حواء من ضلع آدم بهذه ألفكرة.

إنّ ألمفاهيم ألمماثلة تأكد في تقاليد أخرى، بما في ذلك ألتقاليد ألمنقولة من قبل ألميدراشيم ( الشروحات والمقالات التي ألَّفت على أسفار أو موضوعات الكتاب المقدس وألتي عثر عليها في وادي ألقمران، والميدراشيم  يُشبه سفر اليوبيل في شرحه الإجمالي للنص ).

 

وأنّ أسطورة ألخنثى تبرز معتقدا منتشرا جدا فكمال ألبشرية ألمتماهية في ألجد ألأسطوري تستوجب وحدة وهي في ذات ألوقت جماعية.

إنّ ألخنثى ألبشرية كمثال ألثنائية ألجنسية ألإلاهية لها وجود في بعض ألنظرات ألغنوصية وألهرمسية، وهو مفهوم تتقاسمه ثقافات عديدة.

إنّ ثنائية ألجنس ألإلاهي واحدة من صيغ متعددة من ألكلية ألتي تعني بإتحاد، أزواج، متعارفة: نسوي – ذكوري، مرئي – غير مرئي، سماء – أرض، ضوء – ظلام، وايضا، طيبة – خبث، خلق – تدمير … إلى آخره من ألثنائيات.

أنّ ألتأمل لهذه ألأزواج ألمتعارضة، قاد في أديان مختلفة إلى نتائج جريئة تتعلق أيضا بألشروط ألظاهرة ألتناقض للألوهة أكثر مما بإعادة ألتقييم للشرط ألإنساني.

قامت مدرسة التحليل النفسي بتفسير نظرية الميلاد المائي على أنّها انعكاس لذكرى كامنة في لاشعور الانسان عن حالة الجنين في رحم الام، حيث كان محاطا بالماء من جميع الجهات، وأنبثاقه من ثمّ عن ذلك الوسط الى العالم الجاف الخارجي، كما أنّ المدرسة تستخدم اساطير فصل السماء عن الارض لتوكيد وجهة نظرها في سيطرة عقدة اوديب، التي تشغل حيزا كبيرا من نظرية سيجموند فرويد، فالرغبة المكبوتة في لاشعور الطفل والمتعلقة بابعاد الاب والإستئثار بالام، تجد متنفسا لها في عالم الاسطورة، حيث يقوم البطل بإبعاد السماء (ألاب) والبقاء في الارض (ألأم).

ختاما فإنّ ألإله لم يخلق ألإنسان على صورته بل ألإنسان خلق ألإله على صورته.

 مصادر البحث:

تأريخ ألمعتقدات وألأفكار ألدينية…… ميرسيا إلياد

مغامرة العقل ألأولى…… فراس السوّاح

ألتوراة

ألقرآن

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب