في البدء أقول ، هذه ليست حربنا لا من قريب ولا من بعيد ، وأكثر مايؤلمني فيها ، القتلى المدنيون ، ومشاهد النازحون وقد سالت من أعينهم دموع الذل والتشرد ، وكل العراقيون يتقمّصون ذلك الشعور دون عناء ، لأنهم مروا به أكثر من مرّة ، على يد راعية حقوق الإنسان أمريكا ، وتيقنتُ أن أول مَن سيتأثر بهذه الحرب ، ربما حتى قبل الأطراف المتحاربة ، هو العراق بسبب عدم وجود حكومة فيه ، إنما زمرة متسلطة على الرقاب ، تنخر فيها السرقات وخرق القانون والفساد من رأسها (إن كان لها رأس) حتى (مخالب) قدميها ، قابعة في (خندق أمريكي بإمتياز) هو المنطقة الخضراء ! ، وقد عاثت تلك الزمرة فسادا ونهبا وتدميرا وبيعا للبلد دون رقيب وحسيب ، وضعتْ ما تبقى من اقتصاده ، تحت رحمة سعر برميل النفط وشايلوك العصر الذي يسمونه صندوق الهدم الدولي ، وربطت البلد بإتفاقيات سرية تدميرية ، رهنت ماضيه وحاضره ومستقبله ، لأطراف لا تفكر مطلقا بمصلحة البلد ، كل ذلك ولا يستحون من إطلاق مصطلح (الشفافية) الذي طالما لهجت به ألسنتهم النتنة ! ، جعلوا من البلد ساحة سهلة منتهَكة لجميع الصراعات الدولية وتصفية الحسابات ، تآمروا على وحدة أراضيه ، جعلوا من مجتمعنا إستهلاكيا بإمتياز ، فحرقوا المحاصيل ، وخنقوا الزراعة ودمروا الصناعة ، أفقروا البلد ، وحاربوا المواطن حتى بلقمة عيشه .
ولكوني لا أحمل سوى أضعف الإيمان للإحتجاج على هذه الحرب لا بيدي ولا بلساني ، أنزويتُ في زاويتي متابعا أخبار تلك الحرب ، وكل الحروب ملعونة ، تسقط فيها كل الإتفاقيات ، وتتساقط أمامها بسهولة ، كل بنود حقوق الإنساد بندا بندا حتى تحترق كل اللائحة التي وضعها “الراعون جدا” لحقوق الإنسان ، لكن هذه الحرب أسقطت عنهم كل أوراق التوت التي كانوا يتسترون بها وكل الأقنعة ، فبانت عنصرية الغرب الصارخة ، وكيلهم للأمم بمكيالين ، بالمقارنة المعروفة وفق عشرات التقارير التي تقارن بين النازحين الأوكرانيين ، وغيرهم من شعوب الشرق الأوسط التي إبتلت بآفة النزوح والحروب ، كالعراق وسوريا وأفغانستان ، فسارعوا إلى نجدتهم ببذل الأموال وصنوف الأسلحة لنصرة هذا البلد السلافي (القريب من أوربا) ! ، لكن هذا الغرب ، سارع إلى تشكيل تحالف مع أمريكا (ومنها أوكرانيا) ، لضرب البلد وتدمير بنيته التحتية التي لم تتعافى لحد الآن ولن تتعافى ، طالما بقيت شلّة الكذابون والمتخلفون والنصّابون الذين لا يتقنون غير علوم السرقة والجريمة ، وقبل ذلك فرضوا حصارا مجرما لأكثر من العقد من الزمن ، مات بسببه مليون طفل عراقي بسبب سوء التغذية وإنعدام الدواء ، تبع ذلك مليون طفل آخر مصاب بالسرطان بسبب إستخدامهم اليورانيوم المنضّب لتدمير الدروع ، كل ذلك بسبب “إعتقاد” أن البلد يحوي أسلحة دمار شامل ، دون ان يتحرك لسان أحدهم لأدانة هذه الجرائم ، ليظهر السافل (بلير) ليقول (أنا آسف) بكل بساطة ! ، دون أن يتلقى ضربة على حلقه من قبل “الراعون” لحقوق الإنسان ، ودون مقاضاة جميع مهندسي الإحتلال والدمار ومنهم بوش الأب والإبن وديك تشيني ورامسفيد ورايس وغيرهم ، دون أن يجدوا أسلحة الدمار الشامل ، لقد كانوا هم أسلحة للدمار الشامل !.
وإذا كانت هذه الحرب غير عادلة عسكريا ، فهي غير محايدة إعلاميا ، فقد تم طرد المئات من المراسلين الروس من أراضي أوربا وأمريكا ، وجميع منابر العالم (ومنها عربية) ، قد تستضيف محللا روسيا واحدا أزاء العشرات من المعارضين لروسيا ، حتى صار الإعلام من طرف واحد ، وعندما قامت روسيا بحظر (الفيس بوك) ، قامت دنيا “العالم الحَر” ولم تقعد ! ، وضربت حصارا على الرياضيين الروس ، ونفسهم يقولون (لا علاقة للحرب بالرياضة) ! ، وإذا أردنا مقارنة الفساد في بلدنا ، ففاسدينا تتلمذوا على يد أمريكا في فنون الفساد إلى درجة تفوّق التلميذ على أستاذه ، وأنتقَتْ بعناية ، كل خائن وفاسد ونصّاب دولي ومن ذوو العُقَدْ ، وأمريكا نفسها وظّفت شركات من المرتزقة وعلى رأسها (بلاك ووتر) للخدمات الخاصة السيئة الصيت ، بتكاليف تصل لمليارت الدولارات ! ، ولا أدري مَنْ دفع لهم(!!) ، تلك الشركة التي وظّفت مجموعة من المجرمين وأرباب السوابق والسلوك العنيف والمدانين الخطرين وكأن هذه الصفات مشرّفة ومطلوبة في سِيَرَهَم الذاتية ليُقبَلوا بهذه الشركات ! ، تدافع هؤلاء بشكل يشبه حمّى البحث عن الذهب (وهم محقون في ذلك) ! ، مسلحين بأسلحة بعيدة عن المسائلة والقانون ، يتقاضون عشرة أضعاف ما يتقاضاه العسكري النظامي ! ، حتى هذه الشركات لها نظامها الطبقي العنصري ، فوظفت جماعات من النيبال وسيراليونيون في الطبقات السفلى ، ولطالما إرتكبت هذه الشركات جرائم ضد المدنيين ، أحدها مذبحة بحق 14 مواطن ومنهم طفلان في ساحة النسور ببغداد عام 2007 ، أدين على أثرها إربعة من القتلة وسُجنوا ما بين المؤبد و 30 عام ، ليعفوا عنهم (ترامب) عام 2020 ، لهذا الحد وصل الإستخفاف بأرواح العراقيين ، جاء الغزاة ومعهم شركات أخرى مثل KBR الخاصة بإعادة الإعمار (!!) ولا أدري أي إعمار هذا ! ، تلك الشركة التي يلعب بخيوطها (ديك تشيني) ! ، فهل عرفتم أساتذة الفساد بعد ؟! ، فأمريكا ورئيسها الخَرِفْ بحاجة إلى لكمة تدمي أنفها حتى أقول في قرارة نفسي (اللهم كُلي شماتة) ، فمنْ نحن ؟ ، ببشرتنا التي بلون قرص الخبز ، وعيوننا البنّية السوداء كزَبَد القهوة ، أزاء ذوو البشرة البيضاء ، والعيون الزرقاء !؟