11 أبريل، 2024 6:05 ص
Search
Close this search box.

أسئلة وتساؤلات حول نقاط جوهرية لا يمكن التغاضي عنها في ضوء أستخدام العقل والمنطق وليس العاطفة والمعلومات المتوارثة

Facebook
Twitter
LinkedIn

السؤال الأول والأزلي وعبر العصور هو كيف ولماذا خُلق الكون وبالتالي الأنسان: هل هو الله عز وجل؟ أم هي الطبيعة والصدفة: ونذهب الى أن الكون كان في الأصل كتلة هائلة في الحجم وتعرضت الى أنفجار هائل وتشظّت وتشتت الى أجزاء وكتل متناثرة من النجوم والشموس والكواكب وتباعدت على شكل مجرات والمجرات داخلها أنظمة هائلة من المجموعات الشمسية والنجوم تربطها قوة هائلة من الجاذبية تتحكم في حركتها الدائرية حول نفسها وحول نُظم كونية أخرى ضمن المجرة الواحدة. لذا تبقى هذه النُظم الكونية من النجوم والشموس والكواكب والأقمار مترابطة مع بعضها البعض ضمن المجرة الواحدة كوحدة واحدة ولكنها بشكل عام تتباعد عن بعضها مع الزمن بشكل منتظم بقوانيين فيزيائية محكمة .. وهنا نتسائل إذا كان هذا النظام قد نشأ منذ البدء بالأنفجار العظيم فمن هو موجد وخالق هذه النجمة الهائلة بالكتلة والحجم والطاقة وبالتالي في حالة أنفجارها وتشظيها وتشتتها من المستحيل أن تتناثر بهذا النظام المتقن بقوة الجاذبية والقوى الفيزيائية الهائلة الأخرى .. والمتشابهة بالنظام والقوانين الفيزيائية والعلمية بمليارات المليارات من المرات .. ولأن الصدفة لا تتكرر فلابد من وجود قوة أعظم قدرة وذكاءاً تتحكم بكل هذه العملية وهو ما نعرفه اليوم بخلق الكون وأن تشابه الأشتراك بمادة الكون وخضوعها لنفس القوانيين العلمية والفيزيائية من الكواركات والبروتونات والنترونات والألكترونات بتحكمها بتكوين النواة لذرة المادة وبأختلافها بالعدد تتغير طبيعة المادة وبالتالي تتشكل عناصر المادة المختلفة أبتداءاً من الهدريوجين والهليوم وغيرها من العناصر الخفيفة وأنتهاءاً بالعناصر الثقيلة كاليورانيوم عبر تشكيل النواة وحركة الألكترونات حولها وأنتهاءاً بالشموس وحركة الكواكب والأقمار العائدة لها ضمن قوة الجاذبية من حركة الأجسام الصغيرة ودورانها. وهكذا المجموعات الشمسية بدورانها ضمن المجرة الواحدة وحركتها ضمن الكون المتسارع بأتساعه هنالك بصمات مشتركة لقوة عظمى عاقلة هائلة بالقدرة والطاقة مسيطرة على كل هذه العملية بأدق حكمة وأحكام نحن نسميه الله عز وجل وليدعوه الآخرين بأي أسم آخر شاؤوا. ولكنه بالنهاية المثال بالعلم والقدرة والتحكم والعقل والعدل الخ… ولهذا عندما نأخذ الأيمان بنظرية الله الواحد الأحد وهو الخالق لهذا الكون هو المثال في كل شئ في العلم والقوة والحكمة والعدل. نعم نحن نعرفه ونؤمن به معرفة إقرار وليس إحاطة لأننا نستطيع أن نرى ونعقل عظمة خلقه وصنعه ولكننا حتى الآن لم نصل الى مستوى الذكاء الكافي لمعرفته كإحاطة لأننا بذكائنا المنطقي نقيس على الأشياء التي نراها ونتحسس بها، أما الذات الآلهية فلم ولن نستطع أن نراها بل نلمس ونتحسس عظيم صُنعها وأبداعها.
وصدق الله العلي العظيم وهو القائل في كتابه الكريم .. ( وليس كمثله شىء ) وبالتالي لا نستطيع تشخيصه وتخيله بل نؤمن به من خلال عظيم خلقه وعدم وجود أي شريك له في هذا الخلق، وهنا نأتي الى:
السؤال الآخر وهو لماذا خلق الله الكون وبالتالي الأنسان الذي هو أعظم ما فيه ليس من حيث الشكل والحجم بل من خلال العقل والذكاء المنطقي، نحن عندما نمرض نذهب الى الصيدلية لشراء الدواء وعندما نحتاج الى جهاز ألكتروني كالهاتف والحاسوب نذهب لشرائه من محل بيعه. بالتالي نستطيع أن نستفيد منه فالدواء للعلاج والتقنية للعمل والتطور ولكن ماهو أصل الدواء والتقنية؟ بالأصل هو العلم الذي أكتشفه ولكن هذا العلم لو بقي في عقل العالم المخترع ولم يتحول من عقله الى معادلات على الورق وبعدها الى التصنيع والأنتاج وحتى وصلت الينا هل هنالك اي قيمة وفائدة لهذا العلم إذا لم يصبح ذو فائدة وحالة إيجابية : بالتأكيد لا قيمة لهذا العلم إذا لم ينتهي أن يكون نافعاً وأيجابياً وعملاً للخير. وهكذا الله عز جلاله وهو المثال في كل شىء من العلم والحكمة .. ولكنه عز وجل أراد أن يحوّل علمه الى حالة نافعة وإيجابية ومفيدة للخير. لذا شاء أن يخلق الكون بهذا الأتقان والعظمة وأن يكون أعظم ما فيه هو الأنسان ليس بشكله ولونه بل بعقله وذكائه المنطقي الذي لا يضاهيه شىء في خلقه لغاية بعينها وهي أن يكون خليفته في الأرض في البناء والعمل الصالح. وهذا ما حدث من حوار مابين الملائكة التي خلقها الله كمثال لعدم المعصية وعندما أستفسروا من الله لماذا تخلق الأنسان وهو قد يرتكب المعصية والخطأ وسفك الدماء ونحن لا نفعل ذلك فكان الرد بأني أعلم ما لا تعلمون. لأن الله خلق الملائكة على هذه الطبيعة بالنظام الذي لا يعمل الخطأ وليس لهم أختيار في ذلك وبالتالي لا فضل لهم على الأنسان، بينما الأنسان خلقه الله ووهبه العقل والذكاء المنطقي في التفكير والأستنتاج ووهبه مقدرة الأختيار.. وشفعه بأعطائه العلم والواجب وهو لابد له ان يعمل الخير وليس الشر وأن يبني ولا يهدم وهو مسؤول عن عمله واختياره، فأن هو أحسن الأختيار كانت مكافأته الجنة والنعيم بالحياة الأبدية وأن أساء الأختيار رغم علمه بأن هذا العمل خاطئ يستحق العقاب في النهاية بجهنم وبئس المصير. إذاً الله خلق الأنسان وأعطاه العلم والواجب بأن يكون خليفته في العمل الصالح والخير والبناء وليس الشر والهدم وكان هذا العلم كدرس للأنسان يذكّره به الأنبياء والرسل من سيدنا آدم وحتى نبينا محمد “صلى”. المبدأ واحد لم يتغير هو عمل الخير لا الشر، البناء لا الهدم ولكن كلما تقدم الزمن ومنذ الأنسان الأول وهو يزداد ذكاءاً ومعرفة وتجربة وحاجاته متغيرة والأحكام تتطور بالمتطلبات مثل الملابس ووسائل المعيشة وظروفها كالطعام وأدوات الحصول عليه وتطوره من الصيد الى الزراعة والصناعة وهكذا.. ولكن لم يتغير المبدأ بعمل الخير لا الشر والبناء لا الهدم… وهذا المبدأ واحد لكل بني البشر مهما تغيرت معتقداتهم الدينية والأجتماعية والتي تم بلورتها في الكتب السماوية بالوصايا العشر من المحرمات ونأخذ هنا مثالاً لنا كمسلمين كهوية يحددها لنا أيماننا بأربعة أصول أن آمنا بها كان لنا هذه الهوية والتي ترتكز على:
لابد من أيماننا بالله الواحد وهو خالق كل شئ في الكون ولا شريك له في ذلك وأن الأنسان من أعظم ما خلقه الله بعقله وجعله خليفة له في الأرض.
الله علّم الأنسان العلم والواجب في هذه الحياة والخلافة وهي عمل الخير لا الشر والبناء لا الهدم من خلال كل الأنبياء والرسل أبتداءاً بسيدنا النبي آدم ويقول اليهود بأن النبي موسى هو أخرهم فيما يقول المسيحيون من أن النبي عيسى هو أخرهم ونحن المسلمون نقول بأن النبي محمد هو خاتم الرسل… ولكن المهم هو المبدأ بأن الله هو الخالق الذي أتفق عليه الجميع.
لابد أن نؤمن بأننا عندما نموت ونصبح تراباً وعدماً لم تنتهي مهمتنا بعد بل ينتهي زمن الأمتحان في الأرض ويأتي يوم الحساب على المبدأ الأساسي في خلق الأنسان والواجب المُلقى عليه بالخير والبناء وليس الشر والهدم.
العدل أيماناً وعملاً وهو المعيار الوحيد لصدق الأنسان بأيمانه بالأصول الثلاثة الأولى التي سبق ذكرها، حيث أن عدم الألتزام به وتطبيقه في حياتنا فكراً وممارسة يكون هذا الأنسان كاذباً ومنافقاً وغير مؤمن بالأصول الثلاثة الأولى وهنا تكمن المشكلة.

وهنا يأتي السؤال ونحن نقول بأننا مسلمون مؤمنون ولدينا ما لدينا من قيم وأخلاق ومبادئ .. فلماذا واقع حالنا اليوم هو الأسوأ بين أمم الأرض؟
في البدء من الثوابت أن المقدس فقط هو الله وكتابه الكريم وللرسول محمد “ص” منزلة خاصة لأختياره من قبل الله كرسول له لصفة تميّز بها عن غيره بكونه المثال في الصدق والأمانة وبالتالي كلّفه بحمل هذه الأمانة والرسالة النبوية من الله عز وجل… ولكنه في النهاية هو بشر… فما بالك بالآخرين مهما كانوا قريبون منه من أصحاب .. فهم بشر أيضآ لهم مالهم وعليهم ما عليهم ولكل فرد ما عمل فنحن نميّز منهم الخلفاء الراشدين حيث أجتهدوا بحسن نية أصابوا وأخطأوا ولكن لهم ميزة أخرى وهي المحافظة على أربعة مبادئ وخصال كانوا أمينين ومخلصين لها طيلة حكمهم وهي :
عدم توريث الحُكم للأبناء والعائلة.
المال العام هو مال عام للأمة والمسلمين وليس لهم. بل ماهم الأ حُرّاس له وعليه لإيصاله الى الأمة بأمانة وعدل. وهذا ما أفتقدته الأمة من فساد مالي بعدهم.
الجيش هو مُلك ودرع للأمة فقط وليس لحمايتهم الشخصية وتنفيذ رغباتهم ومآربهم الشخصية.
العدل: حيث أجتهدوا بحسن نية كلٌ حسب علمه وخلفيته وتجربته أصابوا وأخطأوا ولكن بحُسن نية.

أذاً ماهي المشكلة والمعضلة في واقع حال الأمة اليوم؟! المشكلة بدأت بشكلها الخطير هي في الحاكم الخامس عندما غيّر وألغى المبادئ الأربعة التي سار عليها الخلفاء الراشدين الأربعة. حيث نسفها تماماً وغيّر أتجاهها 180 درجة من أقصى اليسار الى اليمين:
فرض نظام الوراثة بالحكم وحصرها به وولده وعائلته وأسس دولة بأسمها من دون كفاءة وشورى للمسلمين.
المال العام للأمة والمسلمين أصبح مالاً خاصاً له ولعائلته وأتباعه يتصرفون به كما شاءوا
جيش الدولة والأمة الأسلامية أصبح من درع للأمة الى جيش شخصي له يأتمر برغباته ونزواته وحمايته وليس للأمة.
ألغائه للعدل تماماً فأصبحت رغباته ونزواته أوامر وهي القانون المفروض على الأمة ومقدراتها ومستقبلها.
وهنا هذا التغيير الجذري بالأتجاه من أقصى اليسار لليمين وبزاوية 180 درجة عن حكم الخلفاء الراشدين كيف له أن يستطيع بفرضه على الأمة وهم لا زالوا حديثي العهد بالسيرة النبوية والتي سارعلى خطاها الخلفاء الراشدين وبألغائه القيم الأربعة التي ساروا عليها لذا كان لابد له من آلية تساعده لتمرير هذا الأنحراف بأختلاق سند شرعي له فلم يكن أمامه سوى طريقين: أما أن يحرّف القرآن وهذا لايمكن لآن القرآن قد كُتب ووُزع وأصبح في متناول الجميع. فكان لابد له من الآلية الأخرى وهي صناعة الحديث الذي لم يُكتب بناءاً على رغبة الرسول في حياته… ليس لضعف في حديثه معاذ الله ولكن الرسول كان يتعامل مع مستوى من البشر حديثوا العلم بالأسلام وقيمه… ولمّا كان كلام الله والأسلام ولازال لكل زمان ومكان لذا كان حديثه فيه أحيانآ بعض التبسيط لتسهيل الفهم والأدراك للمسلم الأول ونقله من حال الجاهلية الأولى الى حالة جديدة من العلم والتنوّر فكان كأي علم عندما يخاطب به جاهلاً لابد في البدء الأنطلاق معه من نقطة الصفر والتبسّط حتى يسهل أدراكه وفهمه وتعلمه… كالوضوء والنظافة قبل الصلاة وغيرها. وأننا نعلم ونؤمن أن الله قادر على إعلام النبي بأن النظافة هي قتل الجراثيم والمكروبات ولكن أدراك المسلم الأول في ذلك الزمان لا يمكن أن يصل الى هذه المرحلة الأ عبر الزمن. ولكن بالتأكيد كانت ولازالت الأحاديث الأخلاقية وذات القيم لها أحترامها ومكانتها هذا من جهة ومن جهة أخرى ما كان الرسول الأ مفسراً لكتاب الله .. لذا أراد أن يحمي المسلم الأول من عدم الخلط بين كلام الله وكلام الرسول وهو عكس ما عمل الخامس في صناعة الحديث والأفتراء على الرسول بأحاديث كاذبة وضعيفة وصلت الى مرحلة بأنها أقوى من النص الألهي وقادرة على ألغائه وتعطيله.
نعم هذه المعضلة التي نغرق فيها اليوم كانت صنيعة أمكر دهاة العرب في ذلك الزمان من خلال صناعة الحديث وفقآ لأهوائه ورغباته ونزواته وسنّها كقوانين مُلزمة من خلال أختلاقه النظرية الجبرية والتي لعب بها بالمشاعر منذ المسلم الأول وحتى اليوم بأن كل شئ وكل عمل هو من أرادة الله ومشيئته. أي أن الأنسان مجبور على أعماله وليس مخيراً فيها أي أن السارق والقاتل والمجرم هو مجبور على عمله لأن الله خلقه هكذا وبالتالي يريد أن يوصل المسلم الى الإعتقاد بأنه حاكمه وخليفته لأن الله خلقه ليكون الحاكم والخليفة فبالتالي ليس من حق أي مسلم أن يعترض على مشيئة الله وقدره.
في حين أن هذه النظرية الجبرية تنقضها النظرية القدرية (من القدرة) بأن الله خلقه قادراً على أتخاذ قراره من خلال تحكيم العقل والمنطق وبالتالي فهو مخيّر وليس مسيّر وذلك لأن الله خلقه كورقة بيضاء وأعطاه العلم والواجب ليعمل الخير وليس الشر، البناء وليس الهدم، إضافة الى أيماننا بالأصل الثالث وهو يوم الحساب وأن الله سوف يحاسبنا فرادى بالعدل وسؤالنا عن أعمالنا في الدنيا في محاكمة عادلة وفق مبدأ خلق الأنسان وواجبه. فعندما يسأل الله ذو الجلالة السارق والقاتل والمجرم عن أفعالهم فمن حق السارق والقاتل والمجرم وهو أمام أعدل قاضي بأن يقول له أنت خلقتني هكذا، فهل نرى أن الله وهو مثال العدل سوف يحاسبه ويعاقبه على أثمه وجرائمه التي هو أجبره وخلقها عليها … حاشى لله ذلك أنه لم ولن يخلقه سارقاً وقاتلاً ومجرماً … بل خلقه كورقة بيضاء وأعطاه العلم والواجب بعمل الخير والبناء لا الشر والهدم وقال له إن ألتزمت بها لك الجنة وأن أخطأت بها عقابك جهنم وهو لم يخلق الجنة والنار للعبث وكأنها مسرحية هزلية ووضع البشر كشخوص وممثلين لكل منهم له دوره للتسلية. لا وألف لا حاشى لله ذلك وهو العليم البصير العادل الحق. هو أختيار الأنسان بأن يكون صالحاً أو طالحاً وبأن يستخدم عقله للخير أو الشر وبالتالي يتحمل نتيجة عمله.
نعم نحن منذ الحاكم الخامس بعد الرسول والأول في انشاء الدولة الأموية وحتى اليوم يتولى علينا حكاماً يتاجرون بنا وبالنظرية الجبرية وأنه يجب علينا ألغاء العقل ومنطقه والقبول بما يُملى علينا من رغبات ونزوات الحاكم وزبانيته .. لأنها حسب أفكهم بأنها إرادة الله ولا أعتراض عليها حاشى لله ذلك وهذا هو ما ندفعه اليوم من خراب الأنسان والمجتمع وأنحراف الفهم الخاطئ للدين والعلم لا ولن تكن لنا قائمة ونكون كباقي البشر الا عند الرجوع الى الأصل الذي خلقنا به الله في أستخدام المنطق العقلي وحرية الأختيار الأيجابي في عمل الخير لا الشر والبناء لا الهدم. ولابد لنا أن نعود لفهم أن الأوطان تعتمد في بنائها على الشعوب والمجتمعات وأن الوطن هو كالبيت الذي أساس بناءه يتكون من أصغر قطعة حجر أو بلاطة والتي تُرّص مع بعضها البعض وفوق بعض وبالتالي يكون أعتماد مادة البناء على صلابة الحجر ونقاء مادته فإذا كانت صلبة أصبح البناء والأساس صلب للبناء والأرتفاع إما إذا كانت رخوة ومليئة بالأملاح فكانت هشة لا تتحمل الأرتفاع في البناء. وهكذا هو مثل المواطن هو الحجر والبلاطة والمادة الأساس التي يتم بها بناء المجتمعات والأوطان فإذا كان نقياً صلباً كان البناء قوياً صلباً وبالتالي المجتمع والوطن، إما إذا كان العكس من الضعف والهشاشة فلم ولن يتم التعمير والإدامة والأصلاح.. إذ لابد منذ البداية أن نرى ما هي مواصفات هذا المواطن الذي تكالبت عليه الظروف والأحداث ومن عوامل التعرية وفقدان المناعة عبر مئات السنين من بطش الحاكم وزبانيته ومرتزقته مستعيناً بوعاظ السلاطين والشعراء الباغون وهم اليوم تجار الدين والأعلام ومرتزقة السياسة أبتدأوا بالحَجِرِ على هذا المواطن وبألغاء عقله عبر أدوات خطرة من وعاظ وتجار الدين والسياسة والأعلام في الأمس واليوم وعبر السيطرة على قنوات الدولة والدين والتعليم والأعلام وأخيراً رغيف الخبز والصحة ..وتم أختراق مناعة هذا الأنسان وتشويه عقله وأحكامه وأولوياته وقراءته الصحيحة للدين والقيم والأخلاق …وهكذا شيئاً فشيئاً يفقد المناعة ويصبح الجسد موبوءاً بأمراض عدة ومخترقاً ومدمناً بأمراض أخلاقية وأجتماعية، الخ. إذاً لابد من الأنطلاق من نقطة الصفر وفيما يجب أن يتحلى به هذا المواطن الصالح وما يجب الأبتعاد عنه ومنها أستخدام عقله بمنطق سليم وبأنه أنسان مسؤول عن أعماله وليس حيواناً همّه فقط الأكل والشرب والجنس، خُلق لعمل الخير والبناء والأنحياز للحق والعدل والمبادئ والقيم والأخلاق والأخلاص وحب التعاون ومساعدة الأخر للنجاح والكفاح والتألق المشترك عبر الكرم والشجاعة والطيبة والتسامح والصدق والتواضع والحنان والقناعة والمحبة الأنسانية للجميع والسمو والأبتعاد عن الكذب والحقد والحسد والغيبة والتملق واللعن والجُبن والغش والسرقة والفساد وبالتالي عمل الشر والهدم.
هذا قطر من غيث من صفات يجب أن يتربى عليها الفرد الصالح منذ المهد والرضاعة الأولى من الأم لكي يشب عليها ويشيب وهو صلد غير قابل للأختراق وضُعف المناعة من أي عامل خارجي وهكذا المواطن الصالح سوف يبني مجتمعاً سليماً وصالحاً ووطناً قوياً وبالتالي سوف يفرز قيادات وخيارات سليمة ضمن هذه المواصفات. يجب التمييز ما بين العقائد والأيمان بها وهي حالة فردية بين الفرد وخالقه يترجمها من خلال السلوك السليم مع الأخر والذي يربطه معه في الأنسانية وبحسن التعامل والألتزام بالقانون والقيم والمبادئ الأخلاقية والمدنية، أما ما يبقى من ألتزام وأيمان في العقائد الروحية فهي بين الفرد وخالقه لأن لله وحده حرية الحكم والمحاسبة عليها لأنه هو الخالق وهو المسؤول عن الحساب في اليوم الأخر وليس من حق أياً كان أن يأخذ صلاحيات الذات الألهية ويتحول الى رب وآله في الأرض. نعم لابد من التمييز ما بين حسن التعامل مع الأخر وفق القانون والشرائع الأخلاقية وما بين الحرية الشخصية في المعتقد والمسؤول عنها الله وحده.
وعندما نصل لهكذا أنسان ومواطن ومجتمع ووطن صالح سوف يكون من الصعب أختراقه وتعطيل آلية الحياة السليمة لديه وبالتالي نستطيع أن نضمن العدل والمساواة للجميع بما ينضح على الجميع الخير والعزة.
أما ما نراه اليوم ومع شديد الأسف لدى نسبة كبيرة من أفراد المجتمع بأنقيادهم وأدمانهم على أحكام العاطفة بجذورها الجاهلية والقبلية المتوارثة وفق مقولة أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً وبتغييب العقل والعدل وتغليب المصالح المادية والدنيوية عليها فنرى الظلم والفساد والأنهيار قد حل بالأنسان والمجتمع فلا نكون كما أراد الله وأوصانا بأن نكون مع الحق وعمل الخير والبناء والضمير والأخلاق مع المظلوم ضد الظالم بالعدل وهكذا ومع كل الأسف نرى الباطل والخطأ والظلم ونغمض أعيننا عنه بل ماهو أبشع من ذلك بأن نكون في الجانب الأخر ونبرر له وندافع عنه بل نقاتل تحت رايته وهذا ما نراه اليوم عند نسبة كبيرة من أبناء جلدتنا وهو السبب الرئيسي في هذا الواقع المر الذي نعيشه اليوم. ولم ولن تقوم لنا قائمة ألا إذا ما أفقنا من غفلتنا هذه والرجوع الى أنسانيتنا والمبادئ والقيم والأخلاق والواجب الذي خلقنا الله من أجله. ونقول الحمدلله على كل شيء وهو دائماً يرسل لنا الرسائل لكي نصحو من غفلتنا بالأمس من خلال الأنبياء والرسل واليوم عبر الكوارث والنكبات المرضية والحروب عسى أن يتعظ هذا الأنسان الضعيف الذي ينسى نفسه ويُصاب الغرور وغيره من أمراض يُغلّب فيها عواطفه وغرائزه الحيوانية على عقله وأنسانيته وواجبه الأبدي، وحتى لا يتمادى في ذلك يرسل الله جل جلاله إشارات تصعقنا وتهزّنا أحياناً لكي نعيد التفكير بأنسانيتنا وما قد أهملناه وتغافلنا عنه عبر الزمن والأيام. ولهذا عندما نرجع الى التاريخ وسلّم الحضارة منذ تطورها وأزدهارها لأي أمة ما أو إضمحلالها وغروبها عنها نرى أن أساس أي أمة هو الفرد الذي تتمركز طاقته من خلال يديه الأثنين تمثّل أحداها الأخلاق والمبادئ والقيم والفكر والعقل أما الأخرى فتمثّل الطاقة والقوة والفعل والحركة. فمتى ما كان هنالك توازن بأستعمال كلتا اليدين كان هذا الأنسان سليماً ومعافى ومتطور أما إذا كان العكس وفقد التوازن بأستخدامهما معاً وبتغليب أحداهما على الأخرى أو الأستغناء عن أحدهما كانت الكارثة، فإن هو تمسّك بيد القيم والمبادئ فقط بدون يد القوة التي تنفّذ هذه القيم وتدافع فقد المحافظة عليها وبالعكس إن هو أستخدم يد القوة فقط بدون يد الأخلاق والقيم فقد البوصلة وتحوّل من حال الأنسانية الى حالة أخرى من تغليب غرور العاطفة والغرائز الحيوانية وفي النهاية خسر نفسه. وهكذا حضارات الأمم التي أساسها هذا المواطن أو ذاك فالأمة إن أحسنت أستخدام ذراعيها بالقيم والمبادئ والأخلاق والأخرى بالقوة فهي تكون رائدة ومزدهرة ومنتجة لها وللأخرين وإن هي حدث لها هذا الخلل في تغليب إحدى اليدين على الأخرى خسرت البوصلة وذهبت منها هذه الريادة الى أمم أخرى اكثر كفاءة في أستخدام التوازن بالذراعين. نعم هذا ما حدث للحضارات والأمم القديمة منذ حضارة وادي الرافدين في سومر وبابل وأشور وأنتقالها الى الحضارة المصرية القديمة وبعدها بأنتقالها الى الحضارة الأغريقية واليونانية ومن ثم الى الرومان وبعدها أنتقالها الى الشرق في بلاد فارس والهند والصين ورجوعها بعد ذلك الى بغداد في عهد الدولة العباسية الأولى في زمن المأمون من خلال رعايته للعام والفلسفة ومنها مدرسة الأعتزال وأنتقالها مجدداً الى أمم أخرى وصولاً الى يومنا هذا نرى ومع الأسف أن الأمم صاحبة الحضارات لا تتعلم وتتقن الدرس وكما قال الشاعر أحمد شوقي، “إنمـا الأمـم الأخلاق مـا بقيـت فإن هم ذهبت أخلاقـهم ذهبــواً”. ورُبّ ضارة نافعة عندما نرى اليوم كارثة أنتشار وباء الكورونا فهو درس للأنسان الفرد وللدول والقوى العظمى التي أغترت بأمتلاكها لكل وسائل القوى العسكرية والنووية وغيرها من وسائل السيطرة مثل الأقتصاد والأعلام وأحتكارها للمعرفة، الخ. ولكنها ومع الأسف أُصيبت بعدوى الغرور وبأستخدامها ليد القوة فقط متجاهلة اليد الأخرى من القيم والمبادئ والأخلاق وهي تخصص المليارات من أجل التسابق في التسلّح وغزو الفضاء وبأقمار التجسس وحرب النجوم ولكنها أهملت اليد الأخرى من القيم والأخلاق والمبادئ والعدالة، وحتى القوانين التي سنتّها في الأمم المتحدة عند تعارضها مع مصالحها. فيأتي الرد من عدو لا يُرى بالعين المجردة من فيروس كورونا اليوم وغيره غداً جاعلةً هذه الدول والحضارات خاوية وفاقدة للمناعة لأنها ركّزت فقط على القوة العسكرية الذاتية مهملةً الجانب الأخر من الأخلاق والمبادئ والقيم الأنسانية، ولأننا كبشر نعيش في قارب واحد إن غرق غرق الجميع في عصر العولمة. وهذا أحد الدروس المستفادة من الحروب والنكبات عسى ولعل أن يتعلّم فيها الأنسان الدرس ليستطيع أن يعيش بسلام وبتطور ولينير الطريق الى الأجيال القادمة للمزيد من التطور ضمن الواجب والأصل الأول المُلقى على عاتقنا بخلافة الأرض وإعمارها بعمل الخير والبناء لا الشر والهدم. نحن اليوم نموذجين نموذج نفتخر به كبشر من رجال ونساء يكافحون المرض ليلاً ونهاراً في المستشفيات والمؤسسات الصحية والمختبرات في جميع أنحاء العالم وكذلك المتطوعين للمساعدة الأنسانية للمرضى وكبار السن والمحتاجين وحالات سلبية أخرى في التسابق بنهم في إفراغ الأسواق من الأحتياجات الضرورية بأكثر من حاجتهم أو ربما للمتاجرة بها لاحقاً بل الأسوأ منها حتى التسابق على شراء السلاح وذخيرته! ونرى دولاً مركزية جندت نفسها لدعم المواطن في هذه الظروف الصعبة شرقية وغربية ودول أخرى سلّمت رقاب مواطنيها الى شركات الأحتكار بل تتسابق لإحتكار العقار والعلاج للتحكم بالأخر. أنه صراع أزلي بين الخير والشر بين الغالبية العظمى من البشر بما جُبلوا عليه من فطرة وقيم أنسانية وبين حثالة بشرية تجردت من قيمها وليس العيب أن يخطئ البعض ولكن العيب كل العيب أن لا يتعلم من الخطأ بل ويكرره ولا تشفع له حُسن النية في عدم إستخدامه للعقل والقيم الأخلاقية التي جبلها الله في الأنسان فبالتالي هذا الخطاب الى من يستخدم عقله الذي وهبه الله والى الذين يعرفون ويعون معنى القيم والمبادئ والأخلاق وهم الغالبية وليس الى تلك النسبة التي أدمنت الشر وتلبدت لديهم هذه القيم ولا يتعاملون معها الا من خلال المتاجرة بها وتظليل الأخرين وهم بالتأكيد مهما ظنوا أنفسهم أذكياء والرابحون في هذه التجارة الفاسدة ولكنهم بالنهاية لا ينتمون الى صنف الأنسانية التي جبلها الله فينا وعلّمنا بها واجبنا بعمل الخير والبناء لا الشر والهدم. فبالتالي حبل الكذب لقصير في الدنيا والخسارة الأكيدة في الأخرة التي هم لا يؤمنون بها أصلاً. وهذا ما نراه اليوم عند نسبة ليست قليلة من أبناء جلدتنا ومع الأسف الشديد وهو السبب الرئيسي الى هذا الواقع المر الذي نعيشه اليوم …ولم ولن تقوم لنا قائمة الا إذا ما أفقنا من غفوتنا هذه والرجوع الى أنسانيتنا والمبادئ والقيم والخلاق والعدل والواجب الذي خلقنا الله من أجله. وفي التاريخ هنالك الكثير من الأمم والشعوب التي أنقرضت وأندرست وأصبحت ذكرى لمن يتعظ، أنها صورة يحتاج الأنسان فيها للتأمل والتفكير بها ملياً عسى أن يفيق من غفل عنها يوماً ما.
وشكراً

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب