من المهم جداً أن يكون للتظاهرات الأحتجاجية دورها وموقعها في الإنتخابات البرلمانية القادمة؛ لخلق ضمانات عملية لتحقيق مطاليبها الإصلاحية. ولكن لن تتمكن هذه الحركة من تحقيق أي موقع مستقبلي لها؛ لطالما لم تستطع إقناع الأغلبية الصامتة بكثير من الممارسات السلبية التي رافقت مسيرة الإحتجاج خلال الأشهر الأربعة الماضية.
بل أن من البديهي أن يفقد الحراك الأحتجاجي وهجه الشعبي وثقة الناس به؛ بل يصبح مرفوضاً شعبياً؛ إذا لم يجب على الأسئلة التي يطرحها الشعب بإلحاح وهو يتلمّس تلك الممارسات السلبية المرافقة. ومن أبرز هذه الأسئلة:
لماذا تدعم القنوات ووسائل الإعلام السنية الطائفية المشبوهة هذه التظاهرات دعماً مفتوحاً، وتحرِّضها على التصعيد وعلى حرق مدن الوسط والجنوب، وفي مقدمتها قنوات الشرقية ودجلة والرشيد والرافدين وغيرها؟ وما مصلحتها في ذلك؟ ولماذا لا تحرِّض هذه القنوات على التظاهر في محافظات كردستان والغربية ضد الأحزاب الحاكمة الكردية والسنية، وتقصر تحريضها على الأحزاب والشخصيات الشيعية؟ ولماذا لا تعلن قيادة التظاهرات براءتها من هذا الإعلام الطائفي التحريضي القاتل وتجهض مؤامراته الطائفية؟
لماذا يدعم حزب البعث التظاهرات دعماً سافراً قوياً من النواحي الإعلامية والسياسية والتنظيمية والمالية، ويعتبرها ثورة الشعب وثأر البعث وصدام؟ وما مصلحته في ذلك؟ ولماذا لاتطرد التظاهرات العناصر البعثية من ساحاتها؟
لماذا تدعم دول معادية للعراق هذه الاحتجاجات، دعماً صارخاً غريباً؛ كإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية والسعودية والإمارات، وتعمل على تنظيم صفوف التظاهرات، وتحرضها على التصعيد؛ عبر أجهزة مخابراتها وسفاراتها وقنواتها الفضائية، ولا سيما قنوات العربية والحدث والإخبارية السعودية وسكاي نيوز الإماراتية والحرة الامريكية؟ وما مصلحة هذه الدول في استمرار التظاهرات وتصعيدها؟ ولماذا لا تحرض هذه الدول على التظاهر والتمرد في محافظات كردستان والغربية ضد الأحزاب الحاكمة الكردية والسنية، وتقصر تحريضها على الأحزاب والشخصيات الشيعية؟ ولماذا لا تعلن التظاهرات براءتها من مؤامرات هذه الأنظمة ضد العراق ووحدته، وأمن وسطه وجنوبه؟
لماذا تقتصر قيادة التظاهرات على معارضة النفوذ الإيراني و شتم إيران والتحريض ضدها وحرق ممثلياتها والمطالبة بمقاطعتها، وتقف محايدة أمام الإحتلال الأمريكي الصارخ لأرض العراق وسمائه، وتدخله في تفاصيل حركة الدولة العراقية، وأمام التدخل السعودي السافر ومؤامرات السعودية المدمرة ضد الوسط والجنوب؟
لماذا لا تحرِّض قيادة التظاهرات على مشاركة الجماهير الكردية والسنية ضد أحزابها الحاكمة في مناطقها؟ أكرر بصيغة أخرى: لماذا تقتصر قيادة التظاهرات مطالبيها العملية على إسقاط الأحزاب والشخصيات الشيعية، وحرق مكاتبها وشتم رموزها، و تحصر تظاهراتها في محافظات الوسط والجنوب فقط، ولا تمد نشاطها الى محافظات الشمال والغربية ضد الأحزاب الكردية والسنية المشاركة في كل فساد وفشل شهده العراق؟
لماذا يتزامن حرق مدن الوسط والجنوب وتعطيل الحياة والدوائر والمدارس وقطع الطرق فيها، مع حملات إعمار وتشغيل العاطلين ودعم دوام المدارس في محافظات الشمال والغربية؟
لماذا يتزامن تسقيط الأحزاب والشخصيات الشيعية، مع تقوية الأحزاب والشخصيات السنية والكردية، ودعمها خليجياً وأمريكياً؟
لماذا لا تلتزم قيادة التظاهرات بإرشادات وتوجيهات المرجعية الدينية العليا، والتي طالبت بطرد المندسين والمخربين والفاسدين من التظاهرات، كما طالبت بعودة الحياة والدوام ورعاية مصالح الناس؛ بل رهنت المرجعية شرعية التظاهرات ودعمها لها بسلميتها وبتعاونها مع القوات الأمنية وبطردها للمخربين وقطاع الطرق ومانعي الدوام؟
لماذا تقف التظاهرات متفرجة على ما يقوم به المخربون والمندسون من أعمال عنف وقطع طرق وحرق وتعطيل للدوام وللحياة، ولا سيما المجموعات الدينية السياسية المعادية لمرجعية النجف، والمجموعات المرتبطة بالسفارات الغربية، وما عرف بعصابات الجوكر الأمريكي؟
من الذي يحدد مواعيد حركة التظاهر والتصعيد؟ ومن يحدد مطاليب التظاهرات وشعاراتها ومواقفها؟ ولماذا تستجيب قيادة التظاهرات الى توجيهات أشخاص وإعلاميين ومدونين مشبوهين وعملاء يقيمون في خارج العراق؟
لماذا تطرح قيادة التظاهرات أسماء جدلية أو مشبوهة أو مطلوبة قضائياً أو مرفوضة شعبياً؛ كخيارات لرئاسة الحكومة والوزارات؟
لماذا تستهدف قيادة التظاهرات وإعلامها فصائل الحشد الشعبي، وتعمل بشكل ممنهج على استعدائها وتحريك الناس ضدها، والإعتداء على شهادائها ورموزها؟
لماذا تمنح التظاهرات حق استثمارها لأحد الأحزاب الكبيرة المشاركة في السلطة؛ لحصد نتائج التظاهرات ميدانياً وسياسياً وانتخابياً، بينما يقوم بعض المتظاهرين بحرق مكاتب الأحزاب الشيعية الأخرى، وشتم رموزها، والمطالبة بإلغاء وجودها؟
لماذا بدأت التظاهرات برفع شعارات مطلبية طبيعية محقة، كالقضاء على البطالة وتوفير فرص العمل، وتوفير الخدمات العامة، والقضاء على نظام المحاصصة الحزبية التوافقية، والقضاء على الفساد والفشل، وجميعها مطاليب يؤيدها الشعب، لكنها تحوّلت بالتدريج الى رفع مطاليب سياسية وفكرية، وشعارات ايديولوجية لمصلحة التيارات السياسية المتغربة والعلمانية والشيوعية، وهي شعارت تتعارض دينياً وفكرياً وثقافياً مع معتقدات أكثرية الشعب العراقي.
لماذا باتت بعض ممارسات التظاهرات الوجه الآخر لمشروع كسر هيبة الدولة وقواتها المسلحة؛ لتنسجم بذلك مع بعض الأحزاب التي سبق أن بدأت بتنفيذ مشروع كسر هيبة الدولة؟
هذه الأسئلة الخمسة عشر لا يطرحها كاتبها بمفرده؛ بل هي أسئلة الشارع العراقي والبيوت والمجالس والمنتديات. ولو حصل الناس على إجابات تفصيلية واقعية مع أدلة ملموسة؛ لانخرطت الملايين في الإحتجاجات.
أعرف أن بعض الأحبة من المتظاهرين السلميين سيرفض هذه الإسئلة، كما سيعتبر أخرون أن الممارسات السلبية المذكورة مجرد ممارسات فردية، أو أنها ردود أفعال، أو أنها ضريبة لا بد منها أمام سمو المطاليب الكبرى للتظاهرات؛ بل سيقول بعضهم أنها من فعل الأحزاب الحاكمة.
لكن أؤكد لهؤلاء الأحبة بكل إخلاص أن هذه الإسئلة حقيقية، ولاعلاقة للأحزاب الحاكمة باختلاق موضوعاتها، وأن الناس في كل مكان يلهجون بها، ولاينتهي مفعولها بالإجابات العامة الثورية.
إن التعويل على قدرة التظاهرات على الإصلاح كبير جداً، و هي فرصة مهمة للعراق وشعبه ومستقبله. إلّا أن هذه الفرصة ستتبخر إذا لم تتخلص التظاهرات على الممارسات السلبية المرافقة، وتُقنع الشعب بذلك؛ لكي يكونوا الى جانب خيارات التظاهرات عند صناديق الإنتخابات القادمة.