رغم إن النتائج الأولية والنهائية للانتخابات لم تعلنها المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بشكل رسمي , إلا إن النتائج الحقيقية للانتخابات يعرفها اغلب المرشحين كما تعرفها الكتل والكيانات التي دخلت للمنافسة في الانتخابات , ومن خلال وكلائهم الذين تواجدوا في مراكز ومحطات الاقتراع , فقد جندوا الآلاف لهذه المهمة فنقلوا أخبار ماحصلوا عليه من أصوات , وإعادة العد والفرز ماهي إلا حلقة زائدة وتمثل إضاعة للوقت , ومن هذا المنطلق فان المرشحين الفائزين بأصواتهم الحقيقية يعرفون النتيجة بالضبط ولهذا نشاهدهم في نشوة انتصارهم عند ظهورهم في الفضائيات , أما الآخرون فإنهم يتوزعون بين يائسين وبين معولين على رحمة كتلهم لكي يتسلقوا إلى مجلس النواب من أصوات الآخرين وهم يقولون ( رحمة الله على والديك ) .
ومن الأمور المهمة التي أفرزتها نتائج انتخابات 2014 هو حصول تغير كبير في عدد الفائزين بأصواتهم الحقيقية , ففي انتخابات 2010كان عدد الفائزين الحقيقيين 17 فقط وقد ارتفع العدد في الانتخابات الحالية لضعفين ليكون أكثر من 50 مرشح من الفائزين بأصواتهم الحقيقية , كما إن الانتخابات أفرزت فجوة بين الفائز الأول والثاني , ففي انتخابات 2010فازت كتلة أياد علاوي ب91 مقعد وكتلة المالكي ب89 مقعد أي إن الفرق مقعدين , بينما في انتخابات 2014 فازت دولة القانون والمتحالفين معها بالمركز الأول ولكن بفارق كبير عن الفائز الثاني , وهو ما سيمنح الفائز الأول الفرصة في ممارسة دورين احدهما السعي لتشكيل الحكومة القادمة والأخر لعب دور الثلث المعطل , سيما ما يتعلق باختيار رئيس الجمهورية لأنه يتطلب موافقة الثلثين .
لقد حملت الدعايات الانتخابية شعارات توحدت بقاسم مشترك هو التغيير , ولكن هذه الكلمة غير معرفة كم هي كلمة ( إرهاب ) التي باتت تقبل الاجتهاد في مغزاها عالميا , فالغالبية تتحدث عن التغيير دون أن نفهم جميعا ماذا يقصدون بالتغيير, فهل يعني إن الشيعي سينتخب السني وبالعكس أم تغيير وجوه أعضاء مجلس النواب بدورته التي لم تنته بعد أم تغيير نوري المالكي لكي لايكون في ولايته الثالثة , وقد أثبتت نتائج الانتخابات على وفق هذه التصورات عدم حصول تغيير , فالطائفية والعرقية والحزبية حافظت على تواجدها في صناديق الاقتراع , وأكثر من 40% من الأعضاء الحاليين لمجلس النواب سيكررون في الدورة المقبلة والمالكي ربما سيبقى رئيسا لمجلس الوزراء إلا إذا تنازل هو بإرادته عن هذا المنصب .
ومن حقنا كشعب أن نعرف لماذا لم يحصل التغيير كما إن من حقنا أن ندرك لماذا يتم اختيار 328 نائبا رغم أن معظمهم لايحظون بقبول شعبي منظور , علما بان عدد المرشحين كان أكثر من تسعة آلاف , ومن وجهة النظر السائدة فان هناك العديد من الأسباب يمكن أن تفسر جزءا مهما لما حصل , أولها إن الانتخابات قد جرت في ظروف ليست مثالية وثانيها إن الدعايات الانتخابية ركزت على التسقيط أكثر من التعريف وثالثها إن السلطة والمال لعبا أدوارا في الترويج والترغيب والترهيب ورابعها إن الأحزاب أخذت تحتل مساحات مهمة من التأثير في الوسط العراقي رغم قلة نسبة المنتمين لها إلى عدد السكان وخامسها إن المرشحين الجدد من غير الفائزين قد خاضوا الانتخابات بحياء وفقر لأنهم لايمتلكون المتطلبات الضرورية للظهور والتأثير عدا بعض الاستثناءات وسادسها الدور الذي لعبته وسائل الإعلام فاغلبها تسير باتجاهات محددة وقليل منها التزم العدالة والمساواة مع جميع المرشحين .
ولعل الأهم من ذلك كله , إن هناك من يعتقد بان التغيير لايمكن إن يحصل بضوء استشراء الفساد والتغلغل الإقليمي وغير الإقليمي في الشأن العراقي وحالة اليأس السائدة متعددة أو مجهولة الأسباب , ويستطيع أيا منا أن يسال اقرب الناس إليه من ( العموم ) من انتخب ولماذا , وسوف لا نفاجأ بوجود إجابات عديدة تشير إلى سوء الاختيار القائم على أساس العاطفة وليس رجاحة العقل , فأما أن يكون الاختيار على قاعدة ( الشين ألتعرفه أحسن من الزين اللي متعرفة ) أو على أساس المذهب أو القومية أو على أساس موقف محدد بمعزل عن التفاصيل أو لإغراض النكاية بالآخرين أو بناءا على دفع وتشجيع من الغير أو بقناعة مبنية على حسن الاختيار , وكثيرا من العراقيين استيقظوا من نومهم صباح يوم 30/4 وهم يتساءلون من ننتخب ومن يستحق صوتنا , وفي يوم الانتخابات أيضا وجد الناخبون قائمة وعريضة لكتل وكيانات وأسماء اغلبهم لم يعرفوا عنهم الشيء الكثير وحقهم يتركز في اختيار واحد لاغير .
وسواء قبلنا أو لم نقبل , فان القادمين إلى مجلس النواب لهم كامل الغطاء القانوني و يستحال استبدالهم بسبب سوء الاختيار من قبل البعض إلا بعد مرور أربعة سنوات , وهي سنوات يتمنى فيها الناخبون أن لا تكون كحالها من الماضيات, وإذا نجح سيناريو تشكيل حكومة الأغلبية فإننا سنخوض غمار تجربة جديدة , ولكن ما يحتاج للتطمين هو عدم هيمنة الأغلبية على القرارات في مجلس الوزراء بما يؤدي إلى التصويت على مشاريع قوانينه في مجلس النواب رغم اعتراض المعارضين , باعتباره المصدر الوحيد لاقتراح القوانين بعد إن عطلت المحكمة الاتحادية إمكانيات أعضاء مجلس النواب في اقتراح القوانين , وهناك من يعتقد إن حكومة الأغلبية قد تكون لها فوائد , ولكنها ربما تعبد الطرق لتجدها سالكة في الانتخابات القادمة ( لسنة 2018) بغض النظر عن الفشل والنجاح باعتبار إنها تمتلك مفاتيح التأثير , وإذا حصل ذلك (لاسامح الله ) سيضطر بعض الناخبين لان يرددوا مرات ومرات كلمات مفادها أسأنا التعبير فخسرنا التغيير .