عندما تحاول أن تجد مقارنة بين شعوب متطورة وأخرى نامية، تجد أن الفرق الوحيد بينهما، هو نسبة الوعي.. فالإدراك الكلي لجزيئات الأمور، هو الحد الفاصل بين أن تكون أو لا تكون..
العراق خاض التجربة الديمقراطية، بصبغة مراهقة جداً في أول إنتخابات عام ٢٠٠٦، وكان قرار الأختيار ضمن هامش العقول، أقرب إلى الطائفي من كونه قرارا مصيريا لتحديد مسار البلد، من هاوية الدكتاتورية الفاشلة إلى ديمقراطية ناجحة، وكل التجارب تكون بداياتها غير صحيحة تماما، والتغير دائماً يكون في الثانية منها.
نظم السياسيون أوراقهم على مدى أربعة سنوات، ليخوضوا إنتخابات ٢٠١٠ كلٌ على حدة، وفق جمهورهم، فالعملية الديمقراطية تكفل للجميع تكوين أحزاب وتيارات، ليخوضوا بها غمار العمل السياسي، وكان جمهور الأحزاب يختلف من جهة إلى أخرى، بين الولائي الجاهل إلى المثقف المنفتح، رغم قلة الأخير..
كانت إنتخابات ٢٠١٠ حسب التوجه والأنتماء السياسي حصراً، فأنتجت بودقة مغلقة من سياسي الصدفة، فأصحبت دهاليز السياسة حكراً عليهم، وأمسى شعبنا مؤدلج التوجه، ويسير خلف أبواق الإعلام الممول، وينفذ حسب أوامر تصدر في مجموعات الواتساب أو التلكرام، كل حسب تنظيم تياره أو حزبه!
دخلنا إنتخابات ٢٠١٤ تحت سطوة الأحزاب الحاكمة، فكانت الأبواق تنادي بإنتخاب نفس الوجوه، وأصوات ضعيفة جداً، تنادي بالتغيير بسبب فشلهم في إدارة الدولة ووارداتها.
الأغلبية الصامتة مازالت لم تنطق بحرف، وانزوت في زاوية مظلمة، ولم تحرك أصبعاً في الأنتخاب، فكانت النتيجة للمرة الثالثة لصالح الأحزاب.. فأنتجت صراعا كبير بين رؤس الحكومة، مما أدخل العراق في معركة داعش الغبراء، التي أخذت مأخذها من دماء أبناء الوطن، وسببت نكسة كبيرة في الإقتصاد العراقي، مازلنا نعاني منها لحين اللحظة، لكن الغريب ماحدث في إنتخابات ٢٠١٨، التي زادت من نفوذ الأحزاب بسبب قلة مشاركة الشعب في عملية الأصابع البنفسجية.
تظاهرات ٢٠١٨ التي شاركت بها الطبقة الكادحة والمتضرر، وتوغلت بها جماهير الأحزاب لتشويهها، تنقلت بين المد والجزر بين العنف والسلمية، فكان الحد الفاصل فيها للتغير هم المتظاهرين والمرجعية، التي دائماً ما تحدد المسار الصحيح للتظاهر كلما حرفها المندسين..
الأحتجاجات أتت بإيجابيات عديد، منها الغاء إمتيازات المسوؤلين، وكذلك عدم ترشيح مزدوجي الجنسية، ولكن أهم إنجاز كان قانون الأنتخاب، الذي تشوبه العديد من الأخطاء، لكن يمكن أن يعتبر نجاح لإرادة الشعب، الذي صمد لمدة شهرين في سوح الأحتجاج.
الكرة الآن لا في ملعب الأحزاب فحسب، ولكنها أيضاً ليست في أحضان الشعب، فقانون الأنتخاب الجديد يعتمد بالصورة الأساس على نسبة الوعي لدى الشعب، في أن يكون أو لا يكون..
إذاً لن يتغير الحال إلا بقدر يسير، إذا ما تنتهي كل من الأنتخاب العاطفي، والسلاح المنفلت، ونظام المحاصصة.. التي سببها أننا نتعايش مع أزمة وعي، فالعملية هنا طردية، كلما زادت نسبة الوعي لدى الفرد، كلما أزداد نسبة صعود الأفضل والنزيه.