لا اشك في إن احد ما في العراق لا يقلقه الوضع الراهن حتى البسيط منا لأننا جميعا نشعر أننا في أزمات متداخلة اقتصادية وسياسية وثقافية وغيرها وصراع مرير على مكان في السلطة بين الكتل السياسية برمتها لما توفره من حصانة وأمان وحتى منطقة إقليم كردستان حيث كنا ننظر إليها على أنها منطقة مستقرة نسبيا باتت في صراع بيني من جهة وصراع مع الحكومة الاتحادية على حد تعبيرهم من جهة ثانية وطموحها بالانفصال عن العراق وما سيخلف من متاعب تعم كل دول المنطقة وتتعداها وكلنا نشعر إن هناك من يقود هذه الأزمات بالخفاء أو من خلف الكواليس لأننا جميعا ندرك إن خلف الصراع أطراف خارجية لها مصالح لما يجري في العراق تتحقق متى ما اختلفنا وهو بحق أكثر النقاط إضعافا لدولتنا حتى انتهينا إلى ما صار يعرف بالإصلاح التكنوقراطي ويزيد في الطين بله إن وسائل الإعلام هي أدوات الصراع التي يستعملها أطراف العملية السياسية للنيل من بعضهم فكل من يطل علينا يدعي النزاهة ويتهم غيره بسرقة المال العام وخيانة الوطن ويدعي إن لديه ما يثبت كلامه وحتى هيئات النزاهة تقول أنها حددت وأصدرت أوامر قبض بحق العشرات لا بل المئات من المسئولين لكننا لم نشهد محاكمة لأي واحد من السراق وأصبحنا أخيرا في أزمة اقتصادية نخوض في وحلها شلت حياتنا وهددت أرزاق عوائلنا ونحن كبلد في حالة حرب ضروس مع عصابة ظلامية دولية تهدد مقدساتنا وهدرت دمائنا وأنهكت قدراتنا جعلت من أرضنا ساحة لتصفية حسابات دولية لا ناقة لنا فيها ولا جمل فكلنا نعرف إن عصابة داعش هي وليد مسخ لتنظيمات القاعدة ونعرف من دعمها ونماها ولماذا الآن يريد التخلص منها وكيف تم نقل الصراع من أواسط آسيا إلى منطقتنا في هذا الوقت ولماذا وهذا محور يحتاج إلى شرح مفصل لسنا في صدده الآن رغم الصلة الوثيقة لها بجذور مشكلتنا التي نعاني منها.
مشكلتنا الاقتصادية الآن سببها اعتماد اقتصادنا الوطني على النفط الذي انحدرت أسعاره إلى مستوى متدني لن تعرفه منذ عقود وساعد فيها التحول الكبير في نمط حياتنا اليومية وانتقالنا من مجتمع منتج ككل مجتمعات العالم الصاعدة إلى مستهلك لكل شيء فقط وأصبحنا نعتمد بالمطلق على استيراد كل ما نحتاجه دون أن ننتج أي شيء فماذا حصل لنا لنصبح على هذا الحال ومن المسئول عن ذلك وكيف تتم معالجة حالتنا المرضية هذه ؟
إن أهم الأسباب في مشاكلنا هي نظرة الغرور والتعالي التي أصبح المسئول أي مسئول في أي موقع حتى دون القيادي وحتى الموظف البسيط إلى نفسه خصوصا عندما يجد نفسه محاط بهالة كبيرة من الأتباع والمؤيدين المنتفعين فيعتبر إن كل ما يصدر منه صوابا وانه إله منزه ومعصوم من أي خطأ وانه المنظر الأوحد والقائد الأعظم فلا يطيق أي نصيحة أو توجيه لا من كبير ولا من صديق أو حليف وان تجربة غيره مهما كان ناجحا هي دون مستوى تفكيره وان الكل أعدائه ويتصيدون هفواته ويتآمرون عليه لتسقيطه والإيقاع به والاستحواذ على كرسيه.
بعد عام 2003 تهيأت للعراقيين فرصة ذهبية وفتحت أبواب العراق على مصراعيها لحكم ديمقراطي وتجربة فريدة كنا نحلم بها وظهرت طبقة جديدة من السياسيين كانت تسمى قبل هذا التاريخ معارضة وتأسست أحزاب وكتل سياسية عديدة وهذه بحد ذاتها ظاهرة صحية من المؤكد أنها ترتقي بالبلد إذا أحسنت نواياها ووضعت نصب أعينها هدف بناء العراق وتجردت عن مصالحها الحزبية والفئوية والطائفية الضيقة بوجود ممارسة الانتخابات الحرة ولكن هذا مع الأسف الشديد لم يحصل فأصبح الكل يبحث عن المناصب وأصبح الحديث عن الطائفة أو الحزب هو الأساس وانشغل أصحاب السلطة في البحث عن طريقة لإطالة فترة البقاء فيها وضاع المواطن المحكوم الذي ينبغي على الجميع اعتباره الوسيلة والغاية ولم تتوحد قوانا حتى مع وجود عدو شرس فخسرنا جميعنا كل شيء وانتهينا إلى إننا حكام ومحكومين لا نؤمن على حياتنا ونرهب ما تحمله الأيام القادمة لنا.
الآن وبعد أن اتسعت الهوة بين الكتل السياسية مع بعضها وبينها مجتمعة مع الشعب شعر الجميع بخطورة المشكلة وارتفع صوت المواطن الجائع استدرك قادة الكتل فأصبحوا يتبنون صوته المطالب بتغير الفاسدين بخجل وعلى استحياء وتنصلت كل الكتل عن أخطائها ولكن لا احد إلى حد اللحظة وضع معيارا قياسيا لنجاح المسئول أو فشله وأصبحنا أمام مشكلة جديدة تضع السيد حيدر ألعبادي رئيس مجلس الوزراء في زاوية حرجة فإذا كانت وزارته قد حققت كما يقول هو بنفسه اغلب برنامجها في فترة هي اقل من نصف مدتها فلماذا يغيرها وما معنى ما وصلنا إليه وإذا كانت قد فشلت كما يعلن المتظاهرون فيجب محاسبة المسئول الفاسد أي بمعنى آخر إن كل مسئول بأي منصب ابتداءا من الوزير نزولا سيتم تغيره سيكون في موضع الفاسد والمسبب في ما وصل حال العراق وشعبه إليه وهذا سبب كافي لان يقدم إلى المحاكم ويدفع ثمن تقصيره وقد فعل السيد مقتدى الصدر عين الصواب حين احتجز السيد بهاء الاعرجي وأعلن للجميع إن كل من له حق عندنا ليراجع ويأخذ حقه فحقق السيد مقتدى نجاحين الأول انه اثبت حسن نيته في الإصلاح ومحاسبة المفسدين فإما أن يثبت إن السيد بهاء مدان فيأخذ جزاءه وإما أن تثبت براءته فتسكت جميع الأصوات التي تطالب بمحاسبته من جهة ومن جهة أخرى رفع الحرج عن السيد حيدر ألعبادي في محاسبة واحد من أركان حكومته وبذلك فان السيد الصدر أضاف نقطة لصالحة لا عند جمهوره فحسب بل لدى كل الشعب العراقي والأجدر بكل الكتل السياسية أن تحذو حذوه لتثبت حسن نواياها ومصداقيتها في الإصلاح الذي يجب أن يبدأ من الذات أولا .
إن ارض العراق محمية بإرادة الله وشعبه تعرض لظلم كبير وهو مجاهد وصبور ولابد أن ينصره الله وسيتجاوز هذه المحنة بنجاح عن قريب إن شاء الله .