23 ديسمبر، 2024 10:05 ص

أزمة رواتب أم أزمة إقتصاد ؟

أزمة رواتب أم أزمة إقتصاد ؟

إختزل المفهوم الحكومي للأزمة المالية التي تمر بها البلاد، بمنح تعهدات بضمان إستمرار صرف الرواتب للموظفين والمتقاعدين ورواتب الخدمة الإجتماعية، وكأن دور الحكومة ينحصر في تأمين النفقات التشغيلية، إضافة الى الإستمرار في توفير درجات وظيفية، برغم التخمة التي تعانيها مؤسسات الدولة والتي باتت تشكل في غالبيتها ترهلاً واضحاً، وبطالة مقنعة على مستوى كبير.
وتكاد الحكومة بعنوانها الإقتصادي تغفل لطبيعة الإجراءات التي ينبغي أن تتخذها ليس على فكرة المعالجة الطارئة، وإنما على أساس خطط بعيدة المدى للنهوض بالواقع الإقتصادي، لذا تبدو الحلول التي تطرحها ساذجة وغير معبرة عن تخطيط مناسب للأزمة، فهي تتوقع أن الأزمة آنية، ولا تفترض حتى أن تستمر لسنة أخرى، وتراهن على صعود أسعار النفط الى المستويات التي بنت نظامها الإقتصادي على أساسها، مع إن الإرتفاع الذي وصل اليه سعر برميل النفط في السنوات الماضية إستثناء، بل وهمي وغير واقعي، وكان الأولى بالحكومة إستثمار الواردات الإنفجارية التي حققها النفط لتشغيل القطاعات الإقتصادية الأخرى، وفي المقدمة من ذلك قطاعي الزراعة والصناعة، لكن إرتفاع أسعار النفط في السنوات الماضية أغرى الحكومة للإعتماد كلية على النفط، والحكم بالإعدام على القطاعات الأخرى.
ومن خلال الرؤية القاصرة، والرهان على حصان طروادة النفط، تبقى الإجراءات الحكومية تراوح في حدود الحصول على أموال لتدوير نفقاتها والإبقاء على الهيكل العام من الإنهيار، من خلال بيع القصور الرئاسية، والإقتراض الخارجي والداخلي، من دون أن تفكر ماذا لو ظلت أسعار النفط في معدلاتها الحالية، لسنوات مقبلة، وحتى لو توقعنا إرتفاعاً للأسعار فهو بالتأكيد لن يصل الى المعدل السابق، إضافة الى أنه سيكون سداداً للقروض التي أخذتها الدولة، ليس في مجال الإستثمار وإنما الإنفاق.
لاشك أن أسعار النفط تخضع لقرارات سياسية، أكثر من مفهوم الوفرة، ونظرية العرض والطلب، لذا نحتاج الى تحريك النشاطات الإقتصادية الأخرى ( الزراعة والصناعة) التي بإمكانها أن تشكل موارد مهمة للموازنة العامة، إضافة الى إيقاف الهدر أو تقنينه للعملة الصعبة، وفرض إجراءات حمائية للمنتوجات الوطنية، من خلال منع إستيراد المواد التي تنتج محلياً، الى جانب حصر الإستيراد بالمواد الإساسية.
ولا يخفى أهمية تفعيل دور القطاع الخاص من أجل أن يكون حاضنة مهمة للأيدي العاملة، بما يخفف عن الدولة أعباء التشغيل ونفقاتها غير المبررة.
الحكومة مطالبة بالإلتزام بتوفير الرواتب لموظفيها، لكنها مطالبة أيضاً بتوفير الموارد التي لاتعرض موازناتها لهزات إقتصادية.