خلق تأخر توزيع الرواتب الشهر الماضي حالة من الإرباك بين الموظفين، فيما إنتشرت الإشاعات كالنار في الهشيم، في وقت إلتزمت الحكومة الصمت، تاركة الموظف من ذوي ” البايات” عفواً أقصد من ذوي درجات السلم الوظيفي ” يضرب أخماساً بأسداس” وهو يعيد ترتيبات ميزانيته الخاوية أصلاً، بين الإيجار، ونفقات الأولاد المدرسية، وأبو المولدة، والديون الشهرية المسجلة عليه من البقال والخضري لإشباع أفواه أرانبه المفتوحة، في حين تطارده تلك الأشباح من ” المتحجين” الذين يضفون هالات من المصداقية على نقولاتهم ” مسؤول أكد”، و” قيادي قال”، و” الأخبار نقلت عن مصدر رفيع المستوى رفض ذكر إسمه”: أن الميزانية ” تصوصي”، وعندما تحاول أن تستوثق من حقيقة قوله هذه المفردة ” تصوصي”، يقول لك : لا، وإنما أقصدالمعنى، وشبح آخر يدلي بدلوه في هذا الموضوع لينقل عن ثقة أن الجيش والحشد إستحوذا على رواتب الموظفين، لإنفاقها على المقاتلين في جبهات الموصل، وثالث الأثافي أن ميزانية العراق أصبحت تحت سيطرة البنك الدولي، وصندوق النقد، وأقوال أخرى متضاربة تزيد من أزمة الموظف، ولاسيما أنه هذه المرة إزاء مواجهة تهدد مصدر رزقه الوحيد.
بعض القراءات لما حصل من إضطراب نتيجة التلكؤ في توزيع الرواتب، ترى أن ما يجري بمثابة بالون إختبار تطلقه الحكومة لقياس مستويات ردود الفعل، فيما تذهب قراءة أخرى الى أبعد من ذلك من أنها محاولة تدريجية لتأهيل الموظفين لقبول حالة العمل بـ ” السخرة”، أي ” وظيفة” من دون ” معاش”، وكلنا ” فداء للوطن المعطاء”، وتأتي قراءة أخرى للترويض والتي من خلالها يقبل الموظف بفرض إستقطاعات جديدة مقابل إستمرار الراتب.
وبعيداً عن كل القراءات، ووجهات النظر، وحتى الإشاعات، أو التسريبات الحكومية لقياس الرأي العام، تبدو التجربة التي مرت على الموظف الشهر الماضي صعبة جداً، الى الحد أن بعض الموظفين رضي بفكرة ” ماكو راتب الشهور المقبلة” مقابل تسلم راتب شهر تشرين الأول فقط على قاعدة ” شبعني اليوم وجوعني باجر”، لكن لماذا صمتت الحكومة كل هذا الصمت وتركت للأقاويل تنتشر في الشارع؟.
أعتقد أن جميع الموظفين تسلموا رواتبهم أخيراً، بتوقيتات مختلفة، لكن أهي مقدمات لإعلان الإفلاس، أم مجرد ترتيب جديد لتوزيع الرواتب؟، وحتى لايبقى الموظف حائراً ، ومصيره مجهولاً ، قولواالذي عندكم ياحكومة بصراحة، ومن غير مستحى، و”ميصير أكثر من اللي صار”.