بداية لابد من الأشارة بأن الخطط والبرامج التنموية قدتوقفت بالعراق منذ حرب الخليج الأولى( 1980 – 1988 ) و ( حرب الكويت في 1991) ، ثم جاءت ظروف الحصار الذي أوقف عجلة الحياة بالكامل ، وأوقف معها كل شيء ،ولكن أزدادت المشاكل والأزمات وتعقدت أكثر بعد الأحتلال!، وتعد مشكلة الخريجين وموضوع تعيينهم أحد أبرز تلك الأزمات وأصعب المشاكل المستعصي حلها!! . وفي الحقيقة أن المشكلة متشعبة وفيها أكثر من سبب وسببمنها ، (أولا) : كثرة الكليات الأهلية أضافة الى الحكومية ، حيث تقدر عدد الكليات الأهلية بحدود 80 كلية أهلية والعدد قابل للزيادة! ، (( ونقلا عن أساتذة وطلاب أن أقل عدد من الطلاب المقبولين في هذه الكليات يصل الى 25000 ألف طالب!)) ، فلا يوجد هناك حتى ولو فكرة لدى الحكومة ممثلة بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي ،لأيقاف منح أجازة فتح الكليات الأهلية! ، والسبب يعرفه الجميع؟! ، فأن فتح الكليات الأهلية هو للجدوى الأقتصاديةوالربح والمردود المادي أولا وأخيرا لمالكي وأصحاب تلك الكليات!! فهي أشبه بتبادل المنفعة بين الطالب والكلية الأهلية ، ((أدفع لي قسطا أمنحك شهادة البكلوريوس التي تريدها!!)) ، حيث يضمن الطالب في الكليات الأهلية النجاح في نهاية السنة الدراسية ، ومن ثم تخرجه وحصوله على شهادة البكالوريوس! ، حتى وأن حضر محاضرتين في العام الدراسي كله! ، وكثير ما نقلت الفضائيات أخبار عن حصول الكثير من الطلاب على شهادة البكالوريوس وهم لم يصلوا الكلية أصلا!، بل وصلتهم شهادات تخرجهم الى البيت!!، ومن المفيد أن نذكر هنا أن ( رئيس الحكومة السابق مصطفى الكاظمي ، تخرج من كلية التراث/ قسم القانون سنة 2012 ، قسم الدراسات المسائية كمثال على ذلك!! ، كما حصل الكثير من المسؤولين في الأحزاب السياسية وفي دوائر الدولة ووزاراتها ، على شهادة البكلوريوس من الكليات الأهلية بنفس الطريقة !! . (ثانيا):كثرة عدد الخريجين سنويا من الكليات الحكومية والأهلية ،حيث يصل العدد الى مئات اللألاف من الخريجين سنويا وفي مختلف التخصصات . (ثالثا): أنعدام وعدم وجود أية خطط وبرامج تنموية لدراسة المشاكل والأزمات والوقوف على أسبابها وبالتالي وضع الحلول لها ، من قبل الطبقة السياسية الحاكمة التي قادت البلاد من بعد الأحتلال ، أن كانت مشكلة الخريجين أو غيرها من المشاكل والأزمات ، حيث غياب التخطيط وأنعدامه بشكل كامل . (رابعا) :الترهل الوظيفي الموجود في كل دوائر الدولة ووزاراتها ومفاصلها (مدنية وعسكرية / جيش وشرطة) ، حيث تغصوتختنق دوائر الدولة بالموظفين العاطلين عن العمل ، حيث يعاني العراق من ( البطالة المقنعة بأبشع صورها!!) ، فلا يوجد مكان لكرسي أضافي لموظف جديد!؟ فأية دوائر ومؤوسسات حكومية ممكن أن تستوعب هذه الأعداد المرعبة من الخريجين!؟ . (خامسا) : القطاع الخاص بالعراق ليس كبيرا ، ومحصور في عدد من المصارف وعدد من الشركات العالمية والمحلية وبأعداد بسيطة! ، وهذه الشركات هي الأخرى تعاني من كثرة موظفيها!! ، (أما الشركات العالمية والتي تعمل في مجال النفط والغاز، فقد أعتمدت على كادر أجنبي غالبيته من جنسية الشركة نفسها ، والباقي من الهنود والباكستانيين والبنغلاديش ومن جنوب غرب أسيا ، للعمل لديها ، كمستخدمين أو عمال أو موظفين!) . وهنا لا بد من الأشارة أن السبب في عدم وجود قطاع خاص من الشركات الأجنبية وقلة فرص الأستثمار بالعراق ، يعود للأوضاع الأقتصادية والأمنية غير المطمئنة وغير المستقرة بالعراق! ، وكذلك بسبب بحرالفساد المرعب والرهيب الذي يغوص به العراق والذي يمنع هذه الشركات من القدوم للعمل والأستثمار بالعراق!؟ . نعود لتوضيح مشكلة خريجي ذوي المهن الصحية والطبية ( طب بشري ، صيدلة ، طب أسنان) والذين تظاهروا في الأسبوع الماضي ، فقد ذكرنا آنفا ، أن الكليات الحكومية والأهلية مستمرة بقبول الطلاب في أختصاصات ( الطب ، والصيدلة ، وطب الأسنان) ، دون توقف وبلا تحديد لمعرفة الحاجة الفعلية لهم ، بالمقابل عدم قيام الدولة ببناء المستشفيات والمراكز الطبية والمستوصفات لأستيعابهم ، حيث لم نسمع ومنذ 21 سنة أن الحكومات التي قادت العراق بعد الأحتلال قد بنت صرحا طبيا كبيرا ، أو قامت بأنشاء المستشفيات والمراكز الطبية والمستوصفات ، حتى أنها عجزت عن تأهيل القديم من هذه المستشفيات والمراكز الطبية!! ، وحتى ان أقدمت الحكومة على تعيين خريجي ( الطب ، وطب الأسنان ، والصيدلة ، للعام الدراسي 2022)، أين ستضعهم وأية مراكز ومستشفيات ستستوعبهم!؟ ، ثم متى يتم تعيين خريجي 2023 و 2024!؟ ، من جانب آخر ومن باب أحقاق الحق ، لا بد من الأشارة والتأكيد علىالمستوى المتدني للكثير من الخريجين تحديدا خريجي الكليات الأهلية! ، حيث الكثير منهم يخطأ في كتابة جملة بسيطة! ، وحتى البعض منهم يخطأ في كتابة أسمه!! ، وهم بالتالي يعتبرون خريجين في صورة المشهد التعليميكله! ، فقد تداخل الجيد بالرديء وأختلط الحابل بالنابل كما يقال . أرى ومن وجهة نظري وقد يتفق معي الكثيرين بأن المشكلة كبيرة وعويصة ولا أرى في الأفق أية حل لها!!؟، وكما يقال في أمثالنا الدارجة ، ( الفتك جبير والركعة زغيرة!!) ، ثم أن الدولة أن فكرت في معالجة الخطأفستعالجه بخطأ أكبر منه! . والشيء بالشيء يذكر، فأنمشكلة تعيين الخريجين شبيهة بمشكلة وأزمة المروربالعراق!! ، فبناء الجسور وتوسيع الشوارع ، بقرض الجزرات الوسطية لا يحل المشكلة؟! ، مادام أستيرادالسيارات مفتوح وبلا تحديد!؟ ، وعدم وجود تسقيط للسيارات القديمة كما هو معمول به في كل دول العالم! .أخيرا نقول : وليس من باب التشاؤم ، أن لا حل لأزمة الخريجين ولا لأية ازمة أو مشكلة بالعراق!!؟ ، بل سيزداد الوضع سوءً أكثر في قادم السنوات ، ليس لغياب التخطيطفحسب ، بل لأن الطبقة السياسية الحاكمة لا تأبه بكل ذلك، ولا يهمها من الأمر أي شيء مادامت مصالحها ومصالحأحزابها مؤمنة وبخير!!؟ ولله الأمر من قبل ومن بعد.