18 ديسمبر، 2024 5:21 م

أزمة الواقع أم النخب

أزمة الواقع أم النخب

مقارنة بسيطة بين ما كان عليه الواقع الاجتماعي والسياسي بالنسبة إلى المرأة العربية قبل نصف قرن على سبيل المثال، وما هي عليه الآن، يظهر حجم المفارقة المخيفة.

على مدى العقود الماضية شاع مصطلح الأزمة في حياتنا الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتربوية، حتى تفوق في استخدامه وشيوعه على أي مصطلح آخر. الواقع الذي راكم هذه الأزمات جعلها تتحول إلى جزء من الواقع.

إلى جانب سلطة الاستبداد والفساد لعبت النخب الثقافية دورا مهما في التعمية على ذلك. بعض الكتاب والمعنيين بدراسة هذه الأزمات المتفاقمة، يرد أسبابها إلى معاندة الواقع ومقاومته للتغيير. في هذا التبرير يخلي هؤلاء الكتاب مسؤولية النخب السياسية، أنظمةً وأحزابا ويحيلونها على فاعل مجهول.

مدة لا تقل عن نصف قرن مرت على مرحلة ما سمي بعهد الاستقلال الوطني. أيديولوجيات وانقلابات وقادة ملهمون، والواقع المأزوم لا يتغير. المشكلة الكبرى أن هذا الواقع لم يكن يقاوم التغيير وفق مصطلح هؤلاء الدارسين، بل كان يتقهقر بطريقة عجيبة، وما كنا نظن أننا قد تجاوزناه خسرنا رهاننا عليه في الحياة السياسية، كما في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.

مقارنة بسيطة بين ما كان عليه الواقع الاجتماعي والسياسي بالنسبة إلى المرأة العربية قبل نصف قرن على سبيل المثال، وما هي عليه الآن، يظهر حجم المفارقة المخيفة. التنمية المزعومة والتحديث والتطوير مصطلحات كانت تتعايش مع مصطلح الأزمة. كانت الأزمة تأكل من رصيد هذه الشعارات عمليا بصورة مضطردة، بينما كان المثقف يتواطأ مع الحاكم في تبرير هذا.

تنضاف هنا أزمة الوعي أو أزمة الضمير الأخلاقي للمثقف إلى ما سبق من أزمات. الخطورة في هذا الدور أن الفاعل المعلوم ممثلا بسلطة الاستبداد والفساد يجري تعويمه بينما يتم تأثيم الواقع. هذا الواقع لم يكن في ستينات القرن الماضي يعاند التغيير، فكيف يعانده في القرن الحادي والعشرين؟

بدأ النظام العربي بشعارات الوحدة العربية، ثم تحول إلى التضامن العربي، والآن الواقع العربي كله في مهب الأطماع الدولية والإقليمية. العواصم الثقافية العربية المركزية التي قادت مشروع التنوير الثقافي استقالت من وظيفتها، ودخلت في دوامة الأزمات الطاحنة. المثقف العربي الذي كان يعتبر نفسه جزءا من مشروع التغيير والتحديث، أفلس مع إفلاس أحزابه. انتفاضات الربيع العربي كشفت مدى الخذلان الذي أظهرته مواقف هذه النخب المتكلسة، حليفة الاستبداد وسلطة إنتاج الأزمات. المسؤول عن صعود التطرف وقوى الإسلام السياسي هو السلطة التي راكمت هذه الأزمات وقادت الواقع إلى الإفلاس.

المشكلة لم تعد تتمثل في عدم الاعتراف بالمسؤولية عن هذه المآلات المرعبة، المشكلة في دفاع هؤلاء المثقفين عن استمرار أسبابها، واتهام أصحاب المصلحة في التغيير بالمسؤولية عن انهيار الكيانات الواهية وصعود التطرف.
نقلا عن العرب