20 مايو، 2024 9:56 ص
Search
Close this search box.

أزمة الهاشمي .. الأخطاء والتداعيات

Facebook
Twitter
LinkedIn

 على أثر صدورأمر قضائي بألقاء القبض على طارق الهاشمي نائب رئيس الجمهورية في العراق، بتهمة إرتكابه وأفراد من حمايته جرائم مصنفة على الأرهاب، طالب أئتلاف (العراقية) السني للفور بسحب الثقة عن نوري المالكي رئيس الحكومة العراقية الحالية والبحث عن من يخلفه في الحكم، وكأني بلسان حاله يقول، ان من يخلفه سيكون خير خلف لشر سلف! وغاب عنه، تشكي الكرد المتكرر قبل (7) سنوات، من ممارسات حكومة د.ابراهيم الجعفري التي كادت ان تدفع بالكرد الى الأنسحاب من تلك الحكومة والعملية السياسية برمتها. لكنهم سرعان ما تداركوا الخطأ وعدلوا عن فكرة الأنسحاب بعد أن علموا، ان مشكلتهم ليست مع فرد بقدر ماهي مع منظومة سياسية واجتماعية ضخمة (الشيعة) مع إحتمال دخولهم في عزلة جراء الانسحاب قد تأتي على مكاسب كثيرة لهم. وفيما بعد ثبتت وجاهة عدولهم حين أوحى المالكي لهم من خلال سلسلة مواقف استفزازية له من الحق الكردي، والتي ما زالت تتواصل، بأنه نسخة طبق الاصل من الجعفري، بشكل يسري بحقه القول (شرخلف لشرسلف). عليه لوكان ائتلاف (العراقية) مستوعباً للدرس الكردي لما كان يقاطع البرلمان والحكومة احتجاجاً على الأمر القضائي المذكور، اذاً، أولستم معي إذا قلت ان الائتلاف السني تقدم بمعالجة لأزمة الهاشمي محكوم عليها مسبقاً بالعقم والفشل، وهو القائل اكثر من مرة في السابق بعدم انسحابه من العملية السياسية مهما ازدادت الضغوط عليه؟.
  ولم يكن خطأ القيادة الكردية بأحتضانها للهاشمي بأقل من خطأ (العراقية) ذاك عندما استقبلت الاخير ومعلنة على رؤوس الأشهاد بانها لن تسلمه الى بغداد مهما كلف الأمر، من غير أن تدرك انها بموقفها هذا، تكون قد تحولت الى جزء من المشكلة بعد ان كانت تفخر في الماضي بأنها جزء من الحل، أوكما كان يصفها بعضهم ببيضة القبان ومن دون أن تعي، أنه بأصرار بغداد على مطالبتها بتسليم الهاشمي، فأنها، القيادة الكردية، تكون قد تسببت في إيصال العلاقة بينها وبين بغداد الى نقطة اللاعودة عن التصادم الذي بات حتمياً بينهما. اذا سارت الأمور بالشكل الذي نراه.
  ونجم عن هذا الخطأ حصول اخطاء اخرى تلقائيا، مثل السماح للهاشمي باطلاق تصريحات ضد حكومة المالكي واتخاذ اقليم كردستان قاعدة لنشاطاته ضدها. وفي حال ثبت تورط الهاشمي في الأرهاب، فأن حكومة كردستان ستتهم بالتورط في الأرهاب ايضاً، وهي المعروفة بتخندقها في الخط الأمامي ضد الأرهاب، وهو كذلك. واذا مضت قدماً في حماية الهاشمي وتواصلت ضغوط المالكي عليها، أنذاك لابد أن تجد نفسها بين ضغطين شبيهين بحجري الرحى، الأول تركي في مطالبته حكومة كردستان بمحاربة العمال الكردستاني pkk وطرده من الأقليم، والثاني الضغط الذي تمارسه بغداد على اربيل لأجل تسليم الهاشمي الى القضاء العراقي، ومع الفارق بين pkk والهاشمي طبعاً، فالهاشمي ضيف غير مرغوب فيه لدى الكرد، على خلفية مواقفه السابقة والحالية الرافضة للمطاليب القومية الكردية، منها على سبيل المثال أعتراضه على تولي الطالباني لرئاسة الجمهورية والزيباري لوزارة الخارجية. ومن تداعيات الخطأ الكردي، انه من الأن، فأن أية مبادرة كردية لاصلاح ذات البين بين الشيعة والسنة، لن تجد أذاناً صائغة لدى بغداد، والسبب واضح، دع جانباً القول من أن اية مبادرة كردية من شأنها ان تثير سؤالاً تهكمياً، وهو أليس من الأجدى بالكرد، ان ينصرفوا قبل كل شيء الى ترتيب البيت الكردي الذي يعاني منذ فترة تمزقاً وتداعياً خطيراً يتمثل في اشكال من الخلافات الكردية – الكردية؟. على الكرد ان يرتبوا بيتهم من قبل أن تطفوا على السطح خلافات اخرى بينهم، وهنا لايسعنا إلا التساؤل: ترى هل اثمرت المساعي الحميدة سواء من البارزاني او الطالباني والكثيرتها من التقريب بين الشيعة والسنة؟.
 على الضد من ذلك، انه بموازاة تلك المساعي، فأن الخلاف بينهما ظل يتنامى ويستفحل الى ان وصل ال ماوصل اليه الأن، ولم تنفع معه المساعي الحميدة تلك ولن تنفع لا الأن ولا في المستقبل أيضاً.
  لا يؤخذ على المالكي سعيه لمقاضاة الهاشمي، فالقضاء العراقي شهد مثول العديد من القادة العراقيين أمامه بعضهم كان اوسع شهرة من الهاشمي وأرفع منه رتبة، لكن الذي يؤخذ على المالكي، تهديده بالدعوة الى حكم الأغلبية فرفضه لنظام اقلمة المحافظات الدستوري وحربه غير المعلتة على الكرد وعلى اكثر من صعيد فدخوله في حلف طائفي مع ايران وسوريا.. الخ من السياسات المدانة، والذي في معظمه جاء متزامناً مع ملاحقته للهاشمي، ما أفاد ان الملاحقة ماهي الا إيذان بصعود الدكتاتورية.
  أحياناً لايقل خطر خطأ المظلوم عن خطر طغيان ألظالم، وقد يكون خطأ المظلوم اكثر ايذاءً له من ظلم الظالم، ففي الأعوام الماضية كان التوافق بين سياسات الشيعة والسنة محل استغراب المهتمين بالشأن العراقي مثل التوافق في: المطالبة بأنسحاب الاميركان، ورفض الفيدرالية، والعداء للكويت ومناهضة الكرد في قضية المناطق المتنازع عليها.. الخ من السياسات اللاعقلانية بالنسبة الى السنة والعاقلة بالنسبة الى الشيعة وحكومة المالكي التي استغادت من المشتركات بينها وبين السنة، يذكر ان السنة حيال معظم فقرات التوافق اعلاه، كانوا أشد تحمساً من الشيعة في الالتزام بها، ومازالت اجنحة للسنة لاتحيد عن النهج عينه، فسياسة هيئة علماء المسلمين مثلاً ازاء الامريكان والفيدرالية و اقلمة المحافظات.. الخ من الصعب تمييزها عن سياسات اشد التيارات الشيعية تطرفاً كالتيار الصدري مثلاً. الى جانب ذلك فان مواقف (العراققية) اتسمت بتقديم التنازلات تلو التنازلات للمالكي وعلى طول الخط، ليس هذا فحسب بل ان لجوء فصائل سنية الى المقاومة المسلحة. كان ومايزال يشكل خدمة لاتقدر بثمن تقدم الى المالكي، أخرها تلك التي قدمتها له يوم 22-12-2011 وراح ضحيتها اكثر من 70 قتيل والعشرات من الجرحى في بغداد.
 ليست السياسات السنية تلك وحدها التي قوت من سلطة المالكي، بل دخولهم في صراع ضدها دون عدة، فكلمتهم ما برحت مشتتة، والانقسام بينهم مشروع دائم، ففي قضية الهاشمي مثلاً، بدت التيارات الشيعية كالبنيان المرصوص وبلغ الأمر أشده بالقاء (عصائب اهل الحق) وحزب الله العراقي المتشددان الشيعيان للسلاح والانضمام الى العملية السياسية وحكومة المالكي. في وقت يظهر السنة التذمر من عدم انسحاب النجيفي من البرلمان اسوة ببقية البرلمانيين السنة، والشكوك من بقاء اياد علاوي بمنأى عن اي شكل من اشكال الملاحقات .
 ويتحمل الاحتلال الامريكي للعراق بدوره، قسطاً كبيراً من ما ال اليه العراق من تدهور وتداع، لعزوفه عن ايجاد حل جذري للمشكلات العراقية، وكان بامكان ايجاده، مثلما رسخت السياسات والاعمال المتشخبة للسنة من نفوذ المالكي، فان سياسات الاحتلال أدت الدور نفسه، ويلاحظ انه بالرغم من ضغوط المالكي لأرغام الامريكان على الانسحاب من العراق، نجد واشنطن بمثابة عرض دائم للخدمات الى المالكي سواء من حيث الاستعداد لتدريب القوات العراقية او تزويدها باحدث الاسلحة، وخدمات اخرى لاتحصى.
  لما مر وفي معرض التقييم لأزمة الهاشمي، ما على العرب السنة الا ان يعوا التغييرات التي طرأت على السياسة الامريكية في المنطقة والتي تقف على مسافة واحدة من العلمانيين والاسلاميين على مسافة واحدة ولكن مع ميل الى الثاني، بعد ان كانت ميالة بوضوح الى العلمانيين في الماضي، ولما كانت الهوية العلمانية هي الغالبة على السنة العراقيين فعليهم إدراك فقدانهم لذلك الميل الأمريكي، ومثلما لم تتورع اميركا في التخلي عن حلفائها في الهند الصينية عام 1975 وترك السلطة لألد اعدائها (الشيوعيين) هناك، ومثلما لم تتورع عن التخلي عن حلفائها العلمانيين في اقطار (الربيع العربي) وساعدت الد اعدائها (الاسلاميين) لتسلم السلطة في تلك الأقطار، فأن بوادر مغازلتها للمالكي بادية للعيان لقاء الأبقاء على الحد الأدنى من المصالح الامريكية في المنطقة.
 لن تكون أزمة الهاشمي الأخيرة في مسلسل الأزمات العراقية، وسيبقى المشهد العراقي مفتوحاً امام أزمات اخرى مقبلة لاشك، ويظل الحل بعيد المنال، ما لم يتم الفصل بين المكونات الاجتماعية العراقية الشيعية والسنية والكردية
* رئيس تحرير صحيفة (راية الموصل)- العراق

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب