18 ديسمبر، 2024 8:16 م

أزمة المجتمع العربي في اندماجه بالقديم‎

أزمة المجتمع العربي في اندماجه بالقديم‎

في طبيعة المجتمعات الساكنة شبه المخدرة هناك سلطة للضبط والهيمنة اللاهوتية فلا خوف ان تخترق نظريات المعرفة و مفاهيم التجديد طلائهم العام و لا خوف عليهم من أيدلوجيا الميول نحو فلسفة امانويل كانت او هوبز او جون لوك او ماركس.. بالتأكيد ستجد كل هذه المعارف مكانها النهائي في سلّة المهملات التي تعوّد المجتمع الجامد ان يسحقها بحوافر لا ترحم صوت الاستغاثة و لا تتريث عندما يصرخ العقل , كل من خالف الطريقة العامة للمجتمع او لم يسر وفق السياقات المعروفة سيكون تحت أقدام الفيلة . فيلة يرهبها صوت العقل و تخيفها الكلمة , كلمة وان كانت مقرونة بعطر الله لكنها ستشكل هيكلاً مخيفاً طالما فيها دعوة للتغيير او للمراجعة النقدية الحقيقية . سيرة المجتمعات عموماً تكاد تكون متشابهة في قابلياتها الادراكية في الرؤية الأحادية للأخر المختلف , فعادةً ما نسمع الكلام المحبوك بصياغة غير معرفية و بحروف تقطر غلّاً على المجتمع الاخر الذي يختلف عنّا في تفاصيل حياته و عيشه و سلوكه في التدين , ولذلك هو مختلف و لأننا لا نفهم طبيعة الاختلاف نتصور أن الاخر المختلف عنا هو ضدنا , لهذا السبب لم اسمع في مجتمعي من يثني على المجتمع الاخر المختلف , بل هناك دعوات متصاعدة للمجتمع الاخر ان يذوب بمجتمعنا بعاداتنا و تقاليدنا , لبسنا و بكيفية الاكل عندنا . هذه التجاذبات التي تزعم انها دائماً الأفضل و الأقرب الى الحقيقة , لا تحرك في طبيعة المجتمع الجامد لأنها صيحات خارج الاطار المعرفي للمجتمع الواحد وان كان لها تأثير فلا يعدو ان يكون نسبياً لا تستطيع الأرقام الحسابية من اكتشافه .المجتمعات الناهضة تشتغل من داخلها فتكرر افكارها ثم تحاول تطبيقها في الشارع العام .في المجتمع الاسلامي العربي بالتحديد هناك معوقات قاهرة يتطلب عبورها مجازفة ربما تودي الى الموت , هذه المعوقات للفكر و النهضة أحالت المجتمع الى شبه ميت و عادةً ما يتمسك اشباه الاموات بالاموات لذلك تمسك المسلمون بكل ماهو ميت و قديم .في كتابه تكوين العقل العربي يقول محمد عابد الجابري ( العقل العربي كان وما يزال عقلاً فقهياً عقل تكاد تقتصر عبقريته في البحث لكل فرع عن اصل لكل جديد عن قديم يقاس عليه و ذلك بالاعتماد على النصوص )هذا العقل الفقهي الذي يستمد صلاحيته من القديم غير المؤصل أصلاً , جعل الحاضر و المستقبل رهينٌ للماضي , فبدل ان نرحل نحو التقدم واذا بنا نهاجر نحو الماضي , نحو الاموات , باتجاه قال فلان عن فلان , وبهذه الطريقة التي ظاهرها التقرب الى الله انسحق المجتمع العربي الاسلامي . المغادرة نحو القديم في جميع الجزئيات حوّل البيئة الاسلامية كالذي يسير الى الامام لكن رأسه للخلف .
الدعوة للاندماج المطلق مع اي ثقافة خطأ، و الاندماج مع التأريخ خطأ أيضاً ،الحاصل في ثقافتنا ان الحاضر و المستقبل يجب ان يرحل نحو الماضي. انا ادعو للاستفادة من النهضة الغربية و لندع مزابل التاريخ لانها نتنة. انا ادعو لان تكون انت صديقي المقدس و المحترم و الذي يجب الحفاظ عليك و ليس نصوص تأتيني من عمق الماضي لتجعل حاجزا بيني و بينك ،  انا أؤمن بالانسان الفاضل فهو المقدس الوحيد في هذا الكون.مغادرة الماضي و الانعتاق من الاوبئة مرهون بوعي الجماعات المتطلعة نحو التقدم و ليس المنقادة خلف بعض رجال الدين الجهلاء او المستفيدين من الدين لتكريس الجهل . في طبيعة التقدم و النضج لا تكتفي الامم بشخص لكي يقود المرحلة, بل بتظافر الجهود و النزول من المثال الى الواقع , والواقع العربي يحتم علينا ان ننظر الى الامام لكي نستشرف المستقبل .