18 ديسمبر، 2024 8:52 م

أزمة القيادة وأثرها على واقع الأمة اليوم

أزمة القيادة وأثرها على واقع الأمة اليوم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله الأطهار المنتجبين وصحابته الغر الميامين,

أما بعد ..

فأنه لا يخفى على ذوي الاختصاص بان الأمة في كل بلدانها وأقطارها تعاني اليوم من مشاكل جمة و معقدة في الوقت ذاته,

و في كل المجالات و الصُعد, سواءا ً كانت سياسية أم اقتصادية أم اجتماعية أم غيرها من المشاكل,

كما لا يخفى على كل أريبً و مُتَبَصِّر بأن جُل هذه المشاكل التي تعانيها الأمة وشعوبها هي بسبب سوء القيــادة,

على اختلاف مراتبها و عناوينها و اختلاف أهميتها,

و نستطيع الجزم بأن أزمة القيادة في الأمة تكاد تكون أهم واخطر العوائق التي تقف بوجه تطور الأمة وشعوبها,

و تقف بوجه اعتلاءها مراتب الرقي والتقدم في سلم الحضارة الإنسانية,

لما للقيادة من التأثر المباشر و الهام على كل جوانب ومجالات الحياة,

فبدون قيادة كفوءة,

لا يمكن لأي عمل أن يُكتب له النجاح في أي مجال واختصاص وكذا يتسلسل الأمر على نطاق قيادة المجتمع و قيادة الدولة و قيادة الأمة,

بحيث يكون لهذه القيادة القدرة على إدارة أي من الأعمال المناطة بها او المسؤولة عنها ووفق الاختصاص,

ولها القدرة على تحريك الإفراد أو المجتمع ككل باتجاه محدد ومخطط له بما يتوافق مع الأهداف المطلوبة ,

و تحفيزهم على إنجاز العمل المطلوب بشكل طوعي و بالاتجاه الذي يحقق مصالح الفرد والمجتمع ككل على المدى القريب و البعيد على حد سواء,

و لها القدرة على التعامل مع الأزمات حسب أنوعها و تأثيرها,

ولها القدرة على مجارات التطور و التعامل بما هو ممكن,

لتوظيف كل الإمكانيات للإرتقاء بالأداء نحوا الأفضل سواء كان الأداء سياسيا ام اقتصاديا ام اجتماعيا ام في اي مجال آخر,

وحتى على أدنى مستويات الحياة والمعاش ومراتب القيادة و المسؤولية كالأسرة مثلاً,

لتحقيق الأهداف والغايات المرجوة للفرد والمجتمع والدولة والأمة,

وانه من الإجحاف بمكان ان يُطلق على اي من متصدري المنابر او الصفوف او من انيطت بهم المسؤولية في اي مجال او اختصاص بأنهم “قادة” ما لم تتوفر لديهم ما ذكرناه من مواصفات وإمكانيات ,

بل و أكثر من ذلك!

فوجب على من تناط به مسؤولية القيادة أن تتحقق فيه مواصفات أخرى ,

ليكون كُفْءً للقيادة وأهلاً لها,

ليصوغ الرؤى للمستقبل آخذاً في الاعتبار مصالح الفرد والمجتمع والدولة والأمة و لجميع الأطراف المكونة للأمة.

و له القدرة على أن يضع الاستراتيجيات الناجحة لتحقيق تلك الأهداف والرؤى,

وهذا ما ينعته أهل الاختصاص بالقيادة الفذة الخلاقة,

وما أحوج الأمة اليوم لمثل هذه القيادات,

بعد أن وصلت الأمة أفرادا وجماعات الى حالة من اليأس والإحباط وانعدام الأمل بأي تغيير لواقع الأمة!

ولقد عاصرنا خلال العقود الماضية الكثير من الدول ,

من التي كانت الى وقت متأخر في مصافي الدول المتخلفة او المنهارة,

وكيف تحولت خلال سنوات قليلة لتقفز الى الصدارة,

وقد حققت مكانة متقدمة ومتميزة بين الأمم ,

و من هذه الدول من لا يتوفر لديها أصلا الثروات الطبيعية او الإمكانيات الاقتصادية التي قد يُعول عليها لاكتساب التطور المطلوب,

مقارنة بالعديد من بلدان الأمة اليوم التي تمتلك من الثروات الطبيعية ما يؤهلها في ان تتصدر قوائم الدول الأكثر تقدما ً ورقي,

في حال تم استثمار تلك الإمكانيات والثروات وفق ما هو ملائم ومناسب ووفق رؤية إستراتيجية حقة وعمل دؤوب,

وهذا ما لا يمكن تحقيقة إلا بوجود قيادات فذة وخلاقة.

ولكن كان لدى هذه الدول الثروة الحقيقية التي حققوا من خلالها التقدم والرقي المنشود وعلى كل الاصعدة وفي مقدمتها الاقتصادية,

وتجاوزوا من خلالها الكثير من العوائق,

وهذه الثروة كانت وببساطة القيادة الكفوءة القادرة على تجاوز العقبات,

والقيادة الخلاقة التي ليس في قواميسها مصطلحات العجز أو الاستكانة,

وعندما نطلق العنان لمعالجة أزمة القيادة في الأمة,

وجب علينا أن نكون دقيقين وبارعين في تحديد مكامن الخلل حتى يكون بالإمكان وصف الحلول والعلاجات المناسبة لها ,

لذلك فأنه من الإنصاف ان نذكر بان أزمة القيادة في الأمة ليست وليدة هذه الايام..

بل من الممكن ان نقول بانها متوارثة على مدى اجيال,

و أجيال تعاقبت و تقاعست عن مباشرة اهم الضروريات والتي تمس مصير الأمة و مكانتها وهويتها,

حتى الفتها شعوب الأمة وباتت من المَسلمَات في عقول أبنائها!

و في كل المجالات والاختصاصات,

كما لا يمكن لنا ان نجمل من خلال هذا المقال او البحث الموجز كل انواع المشاكل المترتبة من ازمة القيادة او الأثمان الباهضة التي دفعتها وتدفعها الأمة منذ أجيال و حتى يومنا,

بسبب سوء القيادة وفشلها في مجالات الحياة المختلفة والتي عانت منها شعوب الأمة على مدى أجيال مضت تعاني منها حتى يومنا,

لكننا سنحاول الإسهام في تحديد مكامن الضعف و الخلل التي كانت السبب بأن تراجعت الأمة بشكل عام ,

و انكفأت عن أداء دورها الحضاري والإنساني في قيادة الأمم,

والذي ترتب عليه انحسار القيم الأخلاقية والروحية و الحضارية للبشرية جمعاء بسبب انحسار دور الأمة صاحبة الرسالة السماوية,

مقارنة بما قدمته خلال قرون خلت للبشرية,

و بمقابل ما كانت عليه عندما كانت تحتل مرتبة الصدارة بين الأمم في امتلاك ناصية العلم والمعرفة والقدرة في كل مجالات الحياة,

لذلك فأننا نوجز أهم المحن التي تعاني منها القيادة في مجتمعات الأمة,

و على اختلاف مراتبها و عناوينها وخصوصياتها,

و التي ترتبت بسببها على أمتنا إن تذيلت قائمة الأمم و انحسرت قيمتها الدينية والتاريخية و الأخلاقية والروحية حتى وصلت الى ما وصلت إليه اليوم ,

أولا : غياب الولاء ,

سواء كان الولاء لله ورسوله وما يترتب عليه من ولاء لدين الله الإسلام وما يُـلزم به الإسلام بعدها على الفرد والمجتمع ككل من قواعد الولاء للأمة و الانتماء لها و لهويتها و للمسائل الاخرى من الولاء ,

والتي تعد من أهم الركائز والمبادئ التي ترتكز عليها القيادة في تحقيق الأهداف والغايات المطلوبة,

فبدون ولاء للأمة وعقيدتها وهويتها لا يمكن أن يتحقق شيء,

خصوصا اذا كان الأمر يمس الأمة في صميمها!

وكذا الأمر يتطابق اذا كان ولاء الأفراد لعمل ما او لمنظمة يعملون لصالحها,

فبدون ولاء العاملين للعمل او لتلك المنظمة التي يعملون لصالحها,

لا يمكن لها من تحقيق أهدافها المطلوبة,

وهذه المسألة تشمل الجميع سواءا كان قائِداً او مَقُوداً او حَاكِماً او محكوماً,

فكم من متصدر للصفوف وقد انيطت به مسؤولية القيادة بمختلف مراتب ودرجات القيادة في الأمة و ليس له من الولاء شيء؟

وكم من قيادات تصدرت الصفوف وهي تدين بالولاء الى أعداء الأمة؟!

ولذلك كان للقيادة و كفاءتها وولاءها للقضية مرتبة الصدارة في المسائل التي تؤثر على تقدم الأمم,

بل أنها من الخطورة البالغة تهدد وجود الأمم ومصيرها اذا لم يكن لتلك القيادة الولاء المطلوب وفق معايير الولاء وحسب مراتبها ودرجاتها وخصوصيتها.

ثانيا : غياب الأهداف,

و الأهداف هنا لا تقتصر و تتحدد على فهم الفرد الذي انيطت به مهام القيادة لما يراد له ان يحققه من أهداف محدودة و بما يؤديه من عمل ووفق مرتبة القيادة و درجتها و خصوصيتها في المجتمع,

والتي قد تكون بطبيعتها لا تحقق أهداف وغايات المجتمع ككل و أهداف الأمة جمعاء,

بل ويجتمع معها من المساوئ هو ابتعاد الفرد والمجتمع عن الفهم العام المطلوب لتحقيق الأهداف والمصالح العظمى للأمة ككل!

فكم من راعي اليوم لا يعلم الى أين يسوق غنمه والى أي مصير هو ذاهب بها؟!

وتلك هي الطامة الكبرى خصوصا اذا ترتب على ذلك مصير مجتمع و امة ككل!

ثالثا :غياب التزام القيادات بقواعد وضوابط الشريعة,

وهذه المحنة شاعت و أطبقت على كل فئات ومراتب القيادة,

و التي كانت نتيجة حتمية لابتعاد المجتمعات الإسلامية عن شريعة الله,

فما الخير والرفعة والعلو الذي ترجوه امة تركت شريعة ربها وخالقها؟!

وهل يمكن وبالمطلق لهذه الأمة أن تعلو في آخر زمانها إلا بما ارتفع وعلا به أولها؟!

وهل من خير قد يرجوه قوماً أفرادا وجماعات إن كانوا تحت قيادات لا تعلم شيء من شريعة الله ولا تعمل وفق ضوابطها ؟!

أو ليس من أبجدياتها أن تراعي شريعة الله؟!

وهل سيروم منهم احد صلاحا ً او فلاحا ً او ان يستقيموا على الطريقة المثلى ليحققوا من النتائج ما يراد منهم في صلاح الفرد او المجتمع او الامة على وجه العموم؟!

وأنى لهم الفلاح أو النجاح بعد أن حادوا عن الطريق الحق وسلكوا طريق الغواية؟!

فأن قوموا أنفسهم وخطوا لها طريقا يلتمسون فيه مرضاة الله والتزاما منهم بأوامر الله ونواهي,

تحققت منهم ولهم كل ضوابط و خصائص القيادة الحقة المطلوب توفرها لهذه المرحلة ,

و في كل مراتب ودرجات القيادة على اختلاف خصوصياتها في مجتمعات الأمة.

رابعا : غياب الأمانة

وهذه كذلك من اخطر الآفات و المحن التي شاعت و أطبقت على كل فئات ومراتب القيادة,

بل وأمست سمة من يتولون القيادة في مجتمعات الأمة اليوم على اختلاف مراتبهم و درجاتهم,

بل إننا أمسينا في زمان يكاد يكون فيه قد انقرض أهل الأمانة وصاروا من الماضي,

بقدر ما نراه اليوم شائعا وسائدا بين الصفوف من غياب للأمانة و خيانة للعهد,

فكم من مختلس وخائن للأمانة إفرادا وجماعات , قائِداً او مَقُوداً او حَاكِماً أو محكوماً,

و كم من حاكمٍ او مسؤول ٍ تولى القيادة على شيء من مراتب القيادة في المجتمع,

وقد خان الأمانة و وُسِّد الأمور إلى غير أهلها, وبذلك جعلوا من مصير الأمة أفرادا وجماعات في مهب الريح,

بل ان ذلك يعد من اخطر الخيانات,

وكم من قيادة خانت الأمانة و سرقت قوت الناس وثرواتهم وجعلتها إقطاعا اختصته لنفسها أو حاشيتها؟!,

وكم من خائن أمانة و مختلس من حقوق رعيته من مال او وقت او جهد لا يراعي حق الله الذي عليه وما أوكل إليه من مسؤولية,

وكم من قائد على مرتبة من القيادة على فئة من الناس أفرادا وجماعات وقد اختلس حقوقهم أو حق ما أوكل إليه من مهام؟!

وكذا هي مراتب الخيانات و ما يترتب من خطرها على الفرد والمجتمع والدولة,

و على قدر ما انيطت بالمسؤول من مهام للقيادة.

حتى ترتب على الأمة من المساوئ والأضرار والأخطار الجسيمة التي أمست كجرح غائر في جسد الأمة؟

فأنى للأمة أن تعود الى مسارها الحق الذي خطه لها نبيها؟!

وأنى لأبنائها أن يقفوا على ارض الحقيقة ليصححوا الانحراف والتقصير الذي دب وتفشى في كل مستويات القيادة والمسؤولية وعلى اختلاف درجاتها ومراتبها؟!
والتي باتت تعصف بالأمة و تهدد وجودها و هويتها ودينها و عقيدتها و مقدراتها و حاضرها و مستقبلها.