23 ديسمبر، 2024 4:10 ص

أزمة العقل لدى كرد العراق (1-2)

أزمة العقل لدى كرد العراق (1-2)

المقدمة
بغض النظر عن تفاصيل المراحل التاريخية السياسية التي مر بها كرد العراق، فان الوقائع والاحداث التي فرضت نفسها على الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لم تؤدي الى حصول اي تحول تاريخي نوعي في مصير الكرد، وما مدون من حصول بعض المحاولات الجادة في عقود القرن العشرين لبعض القادة من رجال الدين ورؤساء العشائر لتغيير الواقع السياسي للكرد لم تثمر عن نتيجة بل ادت الى التضحية بتلك الشخصيات وتعربض الكرد الى احداث مأساوية.

تجارب الشعوب في العقل السياسي الحكيم
وللاستدلال بمواقف الامم والشعوب في التاريخ الحديث للاستفادة من منافع العقل السياسي الحكيم الرشيد، نجد ان العرب استفادوا وتميزوا بالتعقل في تحليلاتهم وقراراتهم الاستراتيجية فنحالفوا مع بريطانيا والدول الكبرى قبل وبعد الحرب العالمية الاولى، وذلك بوجه اتراك الدولة العثمانية المحتلة ونجحوا بتحالفهم، ونتج عن ذلك تحررهم من الاستعمار التركي وانشاء دول وامارات وسلطنات خاصة بهم. وكذلك بالنسبة للشعب الايراني فمن خلال تحالفهم مع الغرب تمكنوا من حماية دولتهم من توسعات الدولة العثمانية ومن الامتداد الشيوعي لروسيا بعد الحرب العالمية الاولى. وكذلك اتراك الدولة العثمانية بعد انهياروخسارة امبراطوريتهم التوسعية تمكنوا من انشاء جمهورية تركية علمانية من خلال تحالفهم مع القوى الدولية الغربية، ونهجوا في سبيل ذلك لعبة سياسية ذكية وخبيثة من خلال تبني النهج العلماني والتفاعل مع الثقافة الغربية والابتعاد عن الدين لكسب الغرب والدول الاوربية، وضرب الشعوب غير التركية مثل الكرد والعرب والارمن وغيرهم للقضاء عليها ومسح هوياتهم القومية والثقافية، وابادة الشعب الارمني على ايدي الاتراك مثل صارخ من الجرائم الكبرى المرتكبة ضد الانسانية.
ومقابل الانجازات المصيرية التي حققتها الامم والشعوب الشرق الاوسطية في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، فان الامة الكردية التي كانت قائمة ضمن سيادة الدولة العثمانية وقسم منها تحت سيادة الدولة الايرانية حافظت على حالها مشتتة ولم تتمكن من اتخاذ خطوات عملية سياسية واقتصادية واجتماعية لتوحيدها تحت قيادة واحدة، او التفاهم مع دولة كبرى للانتداب وطلب الحماية تحت سيادة دولية حسب الحالة التي كانت سائدة في تلك المرحلة.
وبالرغم من محاولات تركيا للاحتفاظ بولاية الموصل (اقليم كردستان وكركوك والموصل) امام بريطانيا التي تحولت الى قوة محتلة بدلا من العثمانيين، الا ان كرد الولاية في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الاولى اختاروا ان ينضموا الى العراق، وذلك مقابل وعود بريطانية بالادارة الذاتية ومقابل وعود للملك فيصل الاول لغرض تحقيق توازن مذهبي بين الشيعة والسنة داخل الدولة العراقية المصطنعة من قبل بريطانيا نتيجة تغيير المعادلات السياسية في المنطقة حسب نتائج الربح والخسارة التي خرجت بها الحرب العالمية الاولى، وبالحقيقة فان العراق الحقيقي الذي صنعته لندن لم يكن يعني غير ولايتي بغداد والبصرة، ثم اضيفت اليه ولاية الموصل (ومن ضمننها اقليم كردستان وكركوك) لاسباب مذهبية وقومية واقتصادية متعلقة بالتوازن المذهبي والبترول والشركات النفطية.
والحقيقة ان تلامس كرد العراق مع السياسة حصل مع قضية ولاية الموصل بعد الحرب العالمية الاولى، ولكنه لم يكن نابعا من تجربة ذاتية، ولم يكن مدروسا او منظما او متسما بموقف جماعي يناضل من اجل تحقيق حقوق وطنية سياسية، ولولا الحضور البريطاني واصراره على تشكيل الدولة العراقية باضافة الموصل اليها، لما دونت رسميا بعض الحقوق الادارية واللغوية والثقافية للكرد في وثائق حكومية وأممية، وذلك لاغرائه واقناعه بالتصويت والموافقة على انضمام الولاية الى العراق، وذلك بغية تحقيق التوازن المذهبي بين الشيعة والسنة في ادارة الدولة الجديدة تحت سيادة الانتداب البريطاني.

التاريخ السياسي لأزمة العقل الكردي
والتاريخ السياسي الحديث للكرد بدأ متأخرا بعد الحرب العالمية الاولى على شكل تمرد مسلح ضد الحكومة العراقية الملكية لاسباب عشائرية وليست وطنية، بينما لدى العرب بدأ قبل الحرب العالمية الاولى وخلال سنوات قليلة نتج عنه دول وامارات عديدة، بينما بالرغم من تواصل الحركة الكردية الى عقود طويلة جاوزت الثمانين سنة لم تثمر سوى عن اقليم فيدرالي ضمن العراق بمبادرة من امريكا وبريطانيا وفرنسا والمجتمع الدولي، ولم يكن بمبادرة ذاتية ونضالية من الحركة السياسية الكردية الحديثة بزعامة جلال الطالباني ومسعود البرزاني.
والحركة الكردية خلال مسيرة صراعها ومجابهتها ومفاوضاتها مع الحكومات المتعاقبة على كرسي الحكم في بغداد، لم تكن تمتلك الرؤية السياسية المتسمة ببعد النظر، ولم تكن تمتلك بعدا استراتيجيا في بنيتها الحركية والسياسية ومنطلقاتها الفكرية، حيث اتسمت مواقفها وقراراتها بالبعد عن المنطق السليم والعقل الحكيم والفكر الاستراتيجي، وكانت الحركة متميزة بخضوعها لاهواء مزاجية وشخصية وعائلية حاكمة مسيطرة على مركز القرار، ونزعة فرض الوصاية للعائلية المتنفذة وخاصة من قبل اولاد مصطفى البرزاني على االحركة كانت واضحة وملموسة بالواقع منذ بداية ظهورها وبروزها الى ان سقطت بمنتصف السبعينات بفعل اتفاق العراق وايران، ومع بداية التسعينات تم تحويل الحركة والقضية الوطنية الكردية الى سلطة حزبية فاسدة من الحزبين الحاكمين، وامارتين عائليتين حاكمتين لمسعود برزاني وجلال طالباني، وهذا ما ادى الى فقدان الوجود الحركي السياسي للخاصية الوطنية المطلوبة للاستناد اليها ضمن اتخاذ القرار المصيري المتصف ببعد النظر والحكمة والبصيرة، وهذا ما ادى بالتالي الى عدم اتصاف الحركة بأي انجاز سياسي مصيري كبير بالرغم من امتداد تاريخها واطالة نضالها المسلح، وكل ذلك بسبب عدم اتصاف قيادة الحركة بالعقل السياسي الوطني لحد الان، وما ظهر من كيان باسم اقليم كردستان في شمال العراق كان بجهد دولي من قبل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة لاسباب جيواستراتيجية وحسابات دولية متعلقة بمنطقة الشرق الاوسط برزت الى الوجود بعد الغزو العراقي لصدام حسين لدولة الكويت سنة واحد وتسعين.
وتعود اسباب اتصاف القيادة لدى كرد العراق بعدم العقلانية طوال عفود بدأت تقترب من قرن كامل الى قراءات عديدة، منها البناء العائلي السلبي لموروث الحكم، وسيطرت النزعات الفردية والانفرادية القاتلة على مراكز اتخاذ القرار، وتحكم جهات دولية اقليمية اجنبية بمقدرات ومصير وعقول القيادات وتوجيهها حسب خطط ومصالح تلك الدول، والتحجج والتمسك بحلول للحركة السياسية متسمة بقصر النظر والشخصنة الذاتية لحل القضية الكردية، واستغلال الحركة من قبل الحكومات المتعاقبة في بغداد لاغراضها ونواياها السياسية والتكتيكية على الساحات المحلية والاقليمية والدولية، ولكن تبقى العوامل الداخلية من اهم الاسباب العاملة على وجود ازمة العقل السياسي لدى الكرد وقادتهم وبنيان حركتهم التحررية.

مكامن ازمة العقل
من اهم المكامن والوقفات والمواقف الدالة على ازمة العقل لدى كرد العراق، وسلسلة الافرازات التاريخية القاتلة التي وقعوا فيها بمرارة في تاريخهم الحديث، والتي اثبتت الاحداث من خلالها ان العقل الكردي في ازمة حقيقية عميقة، وبرهن انه ليس بالمستوى المطلوب ابدا، والطموح مازال بعيدا عنه، وهو لا يملك القوة القادرة على بناء الحدث المصيري والاستفادة من الظروف المحيطة به بحكمة وعقلانية، بعكس العرب الذين وقعوا في ازمة مع العقل في بدايات تاريخهم الحديث ولكنهم مع هذا تمكنوا من تقرير مصيرهم على الاقل فعملوا على اقامة دول وامارات عديدة بفعل القراءة الحكيمة للظروف التي عاشوا فيها، بينما بقي الكرد يعانون من أزمة غياب العقل والحكمة والبصيرة النافذة، ولا يخفى انها تفاقمت عليهم بدرجة كبيرة خاصة لدى القادة والزعماء منهم في العراق، حيث لم تقدر تلك العقول على تحديد المسار السياسي والمصيري للكرد بصورة عقلانية متسمة بالرشد والحكمة، فتولدت عن ذلك نتائج قاتلة ودامية اضرت بكرد العراق بدرجة بالغة، ومن اهم الوقفات القاتلة التي مثلت وجود ازمة عميقة في العقل السياسي للكرد وخاصة لدى قادتهم وساستهم، ما يلي:
(1) انحياز الكرد الى الدولة العثمانية في بداية الحرب العالمية الاولى بقيادة الشيخ محمود الحنيف، وتبني واجهة العداء مع دولة بريطانيا العظمى، واتخاذ المجابهة العسكرية البدائية مع الجيش الانكليزي الذي احتل العراق عسكريا وسياسيا، وخسارة الجانب الكردي في المجابهات وتعرض قيادته الى السجن والنفي، ومعاملة الضباط البريطانيين من موفع المحتل المنتصر في المحافظات والقصبات والنواحي الكردية.
(2) عدم التفاعل الايجابي للكرد مع الحقوق والامتيازات الادارية والسياسية التي فرضتها بريطانيا على الدولة العراقية عند الاستفتاء على ولاية الموصل، وعند انضمام العراق الى عصبة الامم المتحدة حيث دونت تلك الحقوق في وثائق رسمية بريطانية وعراقية واممية، ولكنها لم تستغل ولم تستثمر بايجابية.
(3) اعلان التمرد المسلح لمجموغة عشائرية في العهد الملكي لمظالم فردية وجماعية، بدلا من تبني حركة مدنية غير مسلحة للمطالبة بالحقوق والضغط على الحكومة لتلبية المطالب بوسائل احتجاجية سلمية.
(4) اعلان التمرد العسكري من قبل الحركة الكردية بقيادة مصطفى البرزاني ضد الرئيس عبدالكريم قاسم في بداية العهد الجمهوري بناءا على نلميحات ورغبة جمال عبدالناصر الذي كان معاديا للزعيم العراقي قاسم لاضعاف الاخير، كان خطئا قاتلا وستراتيجيا، وعدم اتصاف الحركة بالصبر والتحمل والمسؤولية والحوار والتفاهم حول العراق الجمهوري الجديد لنيل الحقوق والمطالب السياسية القومية للشعب الكردي.
(5) عدم التفاعل الايجابي وتقدير القرار التاريخي السياسي لقيادة عبدالكريم قاسم في الدستور العراقي المؤقت حين ثبت ان العرب والكرد شركاء في قيادة وادارة الدولة العراقية، وكان هذا الاقرار بمثابة اول اعتراف رسمي بالوجود الكردي على صعيد العراق والمنطقة والعالم.
(6) عقد اتفاقات جانبية مع احزاب قومية مثل حزب البعث للوقوف ضد عبدالكريم، وعدم تبني الحوار السلمي مع قاسم للعمل على استقرار العراق وابعاده عن الحروب والمعارك الداخلية والمشاركة في تسيير الدولة نحو البناء والتنمية والنهوض بالشعب العراقي.
(7): استجابة القيادة السياسسية الكردية للحركة القومية بقيادة عبدالسلام عارف وحزب االبعث بقيادة احمد حسن البكر بوقف اطلاق النار عند موعد اطلاق محاولتهم الانقلابية على عبدالكريم قاسم والوقوف ضد الزعيم، وضد الرئيس عبدالرحمن عارف، ويحتسب هذين الموقفين سلبيا وخطأ استراتيجيا على الكرد لان الانقلابين كانا بالاساس ضد الحركة الوطنية العراقية.
(8): عدم الاستفادة من المرونة التي ابداها الرئيس العراقي عبدالرحمن عارف مع قيادة الحركة الكردية بزعامة المرحوم مصطفى البرزاني، وعدم العمل الجدي على استثمارها واستغلالها لنيل وتثبيت بعض الحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والثقافية للكرد، وترك المجال للقوى التي لم تكن تريد بناء علاقات سلمية ايجابية بين حكومة المركز والحركة الكردية.
(9): رفع الشعار (الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكردستان) كان مجرد حبر على الورق، ولم يكن مرفقا برؤية سياسية واضحة، ولم يكن مستندا باتفاقيات سياسية جانبية بين الحركة الكردية والقوى الحزبية السياسية العراقية في داخل البلاد وخارجه، لوضع الشعار موضع التطبيق من حيث المنظور السياسي للديمقراطية.
(10): الوقوف الحذر لقيادة الحركة الكردية واتخاذ موقف عدم التدخل في تنظيمات الانقلابات التي حصلت في العهد الجمهوري، وذلك من خلال الظن الخاطيء بان الامر خاص بالعراقيين فقط وليس للكرد شأن به، علما ان الكرد هم عراقييون ايضا، وخيمة المفاوضات بين الطرفيين في اي وقت كانت تحتضن الكل على اساس ان الجميع عراقييون.
(11): عدم استثمار واستغلال وابداء المرونة مع المبادرات السياسية التي اطلقها بعض الشخصيات السياسية القيادية العراقية مثل رئيس الوزراء عبدالرحمن البزاز قبل انقلاب حزب االبعث، والتي حملت في طياتها نقاط ايجابية كثيرة لصالح الكرد وحركتهم السياسية.
(12): وجود قيادات كردية الاصل في الاحزاب والحركات السياسية العربية في العراق وسوريا ومصر ولبنان والاردن، ولكن هذه القيادات لم تقدر على خدمة القضية الكردية ولم تقدم لها شيئا مذكورا، ويبدو ان افكار وقلوب وعقول هذه الشخصيات قد ذابت وانصهرت في بودقة القومية والثثافة العربية، فقدمت خدمات بارزة وجليلة للحركات السياسية العراقية والعربية وخاصة اثناء قيام الانقلابات العسكرية لتغيير الحكم.
(13): عدم استيعاب الفكر والثقافة الكردية للدور القيادي والمنقذ للسلطان صلاح الدين الايوبي في انقاذ الاسلام والمسلمين من تمدد العالم المسيحي تجاه الولايات والمقاطعات ومناطق المسلمين في فلسطين ولبنان وبلاد الشام ايام المعارك المعروفة بالحروب الصليبية في الادبيات التاريخية، وشيوع الظن الخاطيء لاغلب المثقفين الكرد بان السلطان الايوبي لم يخدم الكرد بل اضرهم، علما ان العوائل الايوبية المننتشرة في العالم العربي هم من نسل السلطان وافراد عائلته وعشيرته، وقد امتد كيانهم السياسي باسم الدولة الايوبية لاكثر من قرنين في بلاد الشام وفلسطين ولبنان وجزء من العراق وغرب المملكة السعودية حتى اليمن.
(14): امتلاك الكرد لشخصيات ادارية وفنية عالية الثقة والكفاءة والنزاهة والاستقامة على مستوى رجال الدولة بالعراق في العهدين الملكي والجمهوري، وغياب نظير هذه الشخصيات في الحركات التحررية الكردية وافتقار الاخيرة الى قيادات سياسية متسمة بالنزاهة والكفاءة والاستقامة خاصة في النصف الثاني من القرن العشرين.
(15): عدم تطلع الكرد وخاصة القادة السياسيين منهم الى كتابة وتدوين تاريخهم وتراثهم برؤى اكاديمي او ارشيفي او معرفي او تدويني، وخاصة بعد اقامة فيدرالية اقليم كردستان، حيث توفرت في هذه المرحلة الامكانيات البشرية والاكاديمية والمالية والفنية، ولكن لم تلجأ اي جهة حكومية او حزبية او عائلية حاكمة الى تبني هذه الفكرة والحاجة التراثية والتاريخية المطلوبة لتدوين تاريخ كرد العراق.
(16): تقسيم الانتماء للفرد الكردي الى طرفين نقيضين، الاول البيشمركة الممثل للتيار الوطني والاخلاقي المميز للشخصية الكردية، والثاني “الجاش اي الجحش” الممثل للتيار المستسلم والخاضع للسلطة الحاكمة او المؤجر للدولة الاقليمية المجاورة لاقليم كردستان، والمثير للغرابة ان اشخاصا على مستوى القادة في الحركة التحررية الكردية قد لعبوا ادوارا على هذين الطرفين النقيضين، فمرة كانوا بيشمركة ومرة كانوا جحوشا، وهذا الانتقال المزدوج والعبور الانتفاعي في مواجهة االسلطة والانتماء للحركة الثورية، قد جلبت المآسي والمعاناة للشعب الكردي، وبات اهم سبب رئيسي لضعف الانتماء للقضية الكردية العادلة.
(17): العبادة والانصياع المفرط للشخصيات القيادية السياسية على مستوى رئاسة وزعامة الحركات التحررية الكردية، وخاصة للحزبين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني لمسعود برزاني والمرحوم جلال طالباني، وفرض واضفاء ثقافة الالوهية الشخصية مثل القبائل البشرية البدائية على الزعماء وتحويلهم الى اصنام مقدسة، علما ان الشخصيات الكردية على مستوى القادة اقل من العادية ولا تحمل اي شيء مميز من الابداع او االابتكار اوالقدرة او المؤهلات او الكفاءة او الكاريزما او التميز في القيادة والزعامة، وعلى العكس فان مسار حياتهم مليئة بالانهيارات القاتلة والتراجعات البائسة، وهذه الانكسارات والانتكاسات المتتالية سببت للحركة التحررية وللشعب الكردي خسائر جسيمة على صعيد الماضي والحاضر.
(18): الانتماء الشديد لبعض الجمهور الكردي للشخصيات والطرق الدينية الشائعة في الاقليم، رغم استخدام بعض اصحاب الطرق لمريديهم واتباعهم لاغراض سياسية وتجسسية ومخابراتية لدول اجنبية، والمثير حقا ان هذه الاساليب من التدين المنتشرة والشائعة بين بعض الجمهور رغم معرفة الناس ان مريدي واتباع الطرق الدينية لم يخلفوا ورائهم غير التخلف والجهل وغياب التفكير السليم وفقدان ثقافة العقل.
(19): تملك بعض الشخصيات المعروفة بأصولها الكردية لمواقع رئاسية وقيادية على مستوى العراق ومصر وبلاد الشام، ولكنها لم تفعل اي شيء لصالح الكرد، ومنهم محمد علي باشا مؤسس النهضة المصرية وعميد العائلة الملكية الخديوية، وبكر صدقي مؤسس الجيش العراقي في بداية تأسيس الدولة العراقية، وعلي صالح السعدي مؤسس حزب البعث في العراق من جديد سنة 1960 والقائد المدني العملي لانقلاب البعثيين والقوميين على الزعيم عبدالكريم قاسم سنة 1963، والرئيس السوري حسني الزعيم قائد اول انقلاب وواضع اول دستور مدني في سوريا، وقادة الطائفة الدرزية كمال جنبلاط ووليد جنبلاط في لبنان وهضبة جولان باسرائيل.
(20): التمثيل المتعمد للنظام الوراثي في الحكم على مستوى العشيرة والحزب والسلطة، وفي التاريخ الحديث نجد نموذج العائلتين البرزانية والطالبانية مثلان صارخان لتمثيل التوجه الوراثي على صعيدي العشيرة والسلطة، فالعائلة البارزانية متحكمة برأس الحركة التحررية ومالكة للحزب الديمقراطي الكردستاني من بداية ظهور الحركة في الاربعينات قبل ثمانين سنة وحتى اليوم، حيث انتقلت الزعامة من مصطفى البرزاني وقيادة الحزب الى ابنه ادريس ثم الى ابنه مسعود والحبل على الجرار، ومن الاخير من المتوقع ان ينتقل الى الوريث الجاهز مسرور المسيطر على مقاليد الحزب والحكم في اربيل ودهوك، وكذلك بالنسبة للعائلة الطالبانية المتحكمة بالحزب الاتحاد الوطني، حيث استقر قيادة الحزب بعد موت جلال الطالباني على نجليه وابناء عائلته، واالمثير ان المرحوم قاد معارضة طويلة استمرت عقودا لمحاربة توريث الحكم في الحركة الكردية، ولكنه بالاخير سقط في الفخ وخضع لاغراء السلطة فسيطرت عائلته على رئاسة الحزب وعلى مفاليد الحكم في السليمانية بنفس طريقة توريث الحزب والسلطة لدى البرزاني.

يتبع..