11 أبريل، 2024 4:41 ص
Search
Close this search box.

أزمة الشباب العراقي ..!

Facebook
Twitter
LinkedIn

قاد الشباب العراقي مرة جديدة تظاهرات في بغداد وإثنتي عشرة محافظة أخرى نهاية أغسطس (آب) الماضي ، ورغم العراقيل والقيود التي فرضتها الحكومة العراقية تجاه فكرة التظاهر أصلا ، فقد نجح شباب العراق ومن خرج معهم في إيصال صورة بالغة الخطورة إلى حكومة نوري المالكي ومجلس النواب العراقي برمته فاستحصلوا في نهاية الأمر قرارا من رئاسة الوزراء يفضي في محصلته النهائية ( وربما الشكلية) إلى تحقيق مطالب المتظاهرين فيما يخص رواتب وتقاعد أصحاب الدرجات الخاصة والنواب والرئاسات الثلاث، كما إن أسلوب مواجهة المتظاهرين وعرض القوة التي كانت ليلة وصبيحة يوم التظاهرات ، وضع الحروف على نقاط كثيرة فيما يخص أمكانات وزارة الداخلية العراقية وأجهزتها ، ووزارة الدفاع وقوات الجيش العراقي ، وما وراء هاتين الوزارتين من أجهزة أمنية مختلفة وقوات سوات وغيرها ، وكيف أن هذه القوات بإمكانها السيطرة على الوضع الأمني فيما لو كان صانع القرار العراقي يريد فعلا ذلك وايقاف مسلسل السيارات المفخخة الذي لا ينتهي والذي يحصد ارواح العشرات ويصيب المئات كل يوم تقريبا ، كما أفقدت طريقة التعامل مع المتظاهرين شرعيتان في آن واحد ؛ الأولى ، شرعية مجلس النواب ، الذي أوغل في دفن رأسه في التراب ظنا منه أن غضبة الشعب العراقي بطليعته الشابة ستنتهي بهذا الحد ، ثم شرعية الوزارة العراقية التي منعت وأعتدت بالضرب والإهانة على متظاهرين جلهم من الشباب خرجوا بموجب حقهم المكفول دستوريا وحافظوا طيلة فترة التظاهر على أنضباط عالي وسلمية مطلقة .

من التجارب النضالية للشعوب ، والتجارب القمعية للأنظمة ، هناك نتائج وتحليلات عبر خط التاريخ القديم منه والحديث ، ولعل ما يقف على رأس هذه النتائج ، أن دخول الأنظمة في عملية التصدي للشباب سياسيا وأمنيا وأقتصاديا تنذر دائما بسقوط هذه الأنظمة في نهاية المطاف وبشكل مدوي وسريع ، ولعل تجارب الماضي القريب والحاضر تثبت ذلك بوضوح ، ورغم توجيه الامم المتحدة نداءات عاجلة لحكومة العراق للأهتمام بالشباب وحمايتهم في ظل تفاقم الأوضاع الأمنية وأنتشار البطالة في البلاد ؛ حيث يؤكد جورجي بوستن، نائب الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق تزايد أعداد الهجرة في العراق عام 2013 وانه “غالبا ما تكون الهجرة رمزا لفقدان الأمل والخوف واليأس.” مبينا ان” الهجمات الأخيرة التي استهدفت الشباب في المقاهي وملاعب كرة القدم ستزيد على الأرجح من المخاوف من انعدام الأمن لدى جيل آخر. وأعرب بوستن عن قلقه إزاء مستقبل الشباب العراقيين. وقال “يدفع انعدام الأمن وقلة الفرص الشباب إلى مغادرة وطنهم ، وتساءل : ” إذا غادر هذا الجيل، من سيبقى لإعمار البلاد وتشجيع التسامح والحوار اللازمين لتحقيق الاستقرار؟ يتعين على القادة حشد جهودهم للتوصل إلى اتفاق سياسي وإيجاد بيئة مواتية للسلام”. وترمي جاكلين بادكوك  ، المنسق المقيم ومنسق الشؤون الإنسانية لدى الأمم المتحدة، المسؤولية كلها على الحكومة العراقية حيث تقول أن ” التقدم في متناول اليد، وأنه في البلدان المتوسطة الدخل كالعراق، تمتلك الحكومة الوسائل التي من شأنها توفير فرص العمل والتعليم الجيد.” ‎ ‏

إن أنكشاف العراقيين للموت المجاني كل يوم ، وانعدام بقاء الكفاءات والخبراء والاكاديميين والفنيين ، وعجز وتقصير الحكومة في حماية شعبها وعدم وجود التخطيط الأستراتيجي لبناء وتطوير القدرات الإنسانية بدءا من الطفولة والشباب ، وانتهاءا بالشيوخ مرورا بالمرأة ، جعل من شرعية بقاءها غير مجدية وسيفضي بقائها أكثر إلى المزيد من التخلف والفساد والهجرة وفقدان الأمل بغد ما لدى كل فئات العراقيين ، والبديل دائما لن يأتي من حاضنة العملية السياسية التي فقدت كل مقومات حضورها في المشهد العراقي ، هذا إن كان لها حضور ، وإنما من بين الطليعة الشابة التي لا تؤمن إلا بوطن واحد يجمع العراقيين جميعا ، وهو العراق ، ولا يقيمون وزنا مؤثرا في تعاملاتهم للطائفة والمرجعيات أو الخلفية الحزبية الماضية والحاضرة ، وهو السبب الرئيسي لتخوف الحكومة العراقية الحالية من تظاهراتهم التي دعوا ويدعون لها ويفسر السبب الرئيسي لهستريا القمع والأعتراض لمثل هذه التظاهرات في كل مرّة .

تقول الإحصاءات أن المجتمع العراقي مجتمع شاب، حيث أن ثلثي سكان العراق ممن هم بعمر 29 عاما حتى العشر سنوات ، هذه نسبة الثلثين تعني الجزء الأعظم من شعب العراق ، وهم الأطفال والمراهقين والشباب ، ولنراجع كيف عاش أبناء هذه النسبة خلال سنوات الأحتلال البغيض للعراق وعلى أي شيء فتح أطفالنا عيونهم بعد عام 2003 ، ثم كيف عاشوا حتى بلغوا سن المراهقة فالشباب ، أين طقوس المدرسة السابقة والعلاقات الأجتماعية بين الأهل والجيران ، أين نظم العمل الراقية التي كانت توزع فرص العمل على الشباب ، أين المنهج الصحيح في تعلّم الشعائر والعبادات بعيدا عن المحاصصة المرجعية ، وغيرها ، وبمرور سريع على خطة التنمية المقترحة من قبل وزارة التخطيط العراقية (2010-2014) يثبّت المخططون النص الآتي : ” يؤشر الجانب الإجتماعي، وجود تحديات جسيمة في مجال التربية والتعليم والصحة بمؤشراتها الكمية والنوعية، وارتفاع نسبة الفئات الهشة، وارتفاع معدلات البطالة إلى ( 15 %) وخصوصا بين الشباب والنساء، فضلا عن وقوع نسبة ( 23 %) من السكان دون مستوى خط الفقر، إلى جانب العجز الكبير في السكن الذي يصل في بعض التقديرات إلى ( 3.5 ) مليون وحدة سكنية ” ، هذا ما تذكره وزارة التخطيط بداية عام 2010 ، لكن ما أفرزته سياسة الحكومة أفضى بكل هذه الأرقام إلى أرتفاعات كبيرة لعل من أهمها زيادة نسبة البطالة إلى 17% عام 2013!!.

إن الهموم الثقال التي تقف في طريق الشباب وتثقل كاهلهم قد تدفع بهم إلى خيارات محددة أحلاها مرّ ، فهم إما أن يفكرون بالهجرة خارج العراق ( كما تؤكد تقارير منظمة الأمم المتحدة ) ، أو الدخول في أحزاب وجماعات موجودة داخل مؤسسة الحكم والعملية السياسية ومن ثم الأستفادة من أموال ومكاسب الفساد المستشري في جميع أركان المؤسسة الحاكمة والداخلة في العملية السياسية ، أو العمل ضد الدولة ومؤسساتها الأمنية والعسكرية ؛ إما بإجر كما في التنظيمات والجماعات الأرهابية   ( وهي طامة كبرى) ، أو بإيدلوجية معينة تجعل منه في النتيجة هدفا للأجهزة الأمنية كذلك ، ولا نحتاج لجهد كبير حتى نقول أن كل هذه الخيارات هي متقاطعة تماما مع أحلام الشباب العراقي وحسه الوطني العالي بموضوعة الخدمة الوطنية وخدمة المجتمع ، ومع ذلك ، وفي سابقة لا تكون إلا للعراقيين ، يتزايد ادراك الشباب لحجم المؤامرة ويتزايد إدراكهم لأهمية دورهم في ميدان التغيير وتحقيق الامان والاستقرار في كل الجوانب والنواحي الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

إن ملاحظة أستثمار الشباب العراقي لمواقع التواصل الأجتماعي تبين حجم رفضهم للفساد وللطائفية التي يروج لها الساسة وبعض المرجعيات في البلد ، كما تبين أسلوب صياغتهم لفلسفة سياسية جديدة أساسها ألانتماء الوطني والهوية العراقية متشبثين بكل الوسائل نحو البناء والعمل والتعليم والصحة وحرية التعبير والتفكير.  كما أن الرسالة التي وصلت بوضوح هذه المرة إلى مضللي الشعب بما سمي ب(العملية السياسية) تقول ؛ إن  الحركات الأحتجاجية التي يقودها الشباب هي العمود الفقري للتطور الاجتماعي وللتغيير السياسي ، وقد بلغت رسالتهم أيضا إلى الآباء والأمهات وشيوخ العشائر ومن لبس لباس الدين ، تلك الرسالة التي تقول أن الطائفية هزمت في العراق .

إن أمل العراق الوحيد والصحي ،هو، في أستمرار نشاط ونضال الشباب وتطور أهدافهم وتوجهاتهم ومنظومتهم السياسية والفكرية، وعليهم ( الشباب) أن يوجدوا لإنفسهم تنظيمات تذوب من خلالها كل الفروقات المذهبية والعرقية والأقتصادية ، ويحددوا من خلالها رؤية لخارطة طريق يكون أساسها التغيير (بالحب) ، نعم ، فبالحب وحده نضمن وحدة بناءنا ، وبالحب وحده نسمو فوق جراحاتنا وخلافاتنا ، وبالحب وحده ننتصر بعد أن ننبذ الأرهاب والجريمة المنظمة والفساد .

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب