22 ديسمبر، 2024 1:22 م

أزمة الدولار ام أزمة العملية السياسية في العراق؟

أزمة الدولار ام أزمة العملية السياسية في العراق؟

بثت القناة الفرنسية الخامسة سلسلة وثائقية بثلاث حلقات عن حزب الله اللبناني توثق فيه احدى اهم العمليات السرية التي قامت بها الوكالة الامريكية لمكافحة الإرهاب والمخدرات لاختراق أخطر “وجه خفي” للحزب بنظر العاملين في الوكالة الا وهو مكتب العمليات التجارية المختص بجمع وتبيض الأموال وشراء المخدرات وبيعها وشراء السلاح وتمويل العمليات العسكرية التي يقوم بها في لبنان وسورية والعراق وغيره. وشملت التحقيقات أربع قارات وفي عدد من الدول وأطلق على العملية اسم ” كاسندر” كما في الميثولوجيا الاغريقية حيث ان هذه الآلهة كانت تتنبئ بالفواجع لكن لا أحد يصدقها! بدأ عمل المجموعة في الولايات المتحدة بعد الحادي عشر من سبتمبر أيلول 2001 بعد تفجير برجي التجارة العالميين في نيويورك. يقول ديريك مالتز رئيس هذه المجموعة ان الوكالة قد استطاعت اختراق أخطر كارتلات تهريب المخدرات في أمريكا الجنوبية التي منها بدأ الوكلاء العمل حول حزب ايران في كولومبيا ليجدوا الخيط الأول الذي سيوصلهم الى معرفة اطراف الشبكة بالأسماء حول العالم ومعرفة أساليب عملها والمبالغ التي تبيضها وحجم المخدرات التي تشتريها وشراء الأسلحة وكيفية تطور كل هذه العمليات وصولا للهيمنة على لبنان والانقلاب على الحكومة بعد اغتيال عماد مغنية الذي كان المسؤول عن عمليات مكتب الشؤن التجارية وبه يرتبط الأشخاص المنتشرون في كولومبيا بلد منشأ المخدرات المستوردة وبراغ حيث يتم شراء الأسلحة من روسيا وأوكرانيا وبنين الدولة الافريقية لتبيض الأموال الى باريس التي ازدهرت فيها عمليات جمع وتبيض الأموال منذ عام 2010 بحسب الوثائقي ونقل ملايين من هذه الأموال بسهولة “غريبة ” بين مطارات باريس وبيروت . باريس التي دخلت شرطتها في العملية أصبحت طرفا لمراقبة ما يجري على أراضيها لصالح الوكالة الامريكية، وثقت جمع وتبيض ملايين الدولارات من اشخاص لهم ارتباطات بحزب الله. بالتحاق باريس بالتحقيقات الامريكية توسع اكتشاف الوكالة الامريكية لمكافحة الإرهاب والمخدرات عن علاقة الحزب والإرهاب وتهريب الأموال وتبيضها وبين المخدرات من كولومبيا وراقبت كل الأشخاص المنتمون له في القارات الأربع ووضعتهم على لائحة المطلوبين ووصلت الى اختراقهم بالكامل ومعرفتهم واحدا واحد. لكن المفاجأة التي لم تكن مفاجأة لبعض أعضاء عملية ” كاسندر” هو ان كل جهودهم التي أثنت عليها قيادات عسكرية مهمة في البداية قد ارتطمت بما حصل من اتفاق نووي بين الولايات المتحدة وايران في عهد الرئيس باراك أوباما، يقول دافيد اشتر احد اهم أعضاء العملية ان ايران اشتكت للأمريكيين، ربما الى جون كيري وزير الخارجية ، من نشاط وكالة مكافحة الإرهاب والمخدرات، وبالفعل فأن الشكوى الإيرانية قد فعلت فعلها حيث تم نقل ابرز الوكلاء في العملية الى وظيفة إدارية للتخلص منه ! هذا ما حصل في الولايات المتحدة في عهد الحزب الديمقراطي وفي اوج تحركات اللوبي الإيراني فيها، الذي نشط بكل الوسائل الخفية والمعلنة لتحقيق توقيع الاتفاق النووي ين البلدين. اما في فرنسا، وقبل ان تضع الولايات المتحدة وكلاء العملية في الخزانة كما يقال، وبينما أكمل الجانب الفرنسي والامريكي تحقيقاتهم، وأعلن الجانبان عن عقد مؤتمر صحفي لهما في العاصمة الفرنسية الا ان الجانب الفرنسي قد أخبر الوكيل الأمريكي الذي حضر للاحتفال بالإنجاز معهم من ان المؤتمر الصحفي قد الغي لان الرئيس محمد خاتمي قد وقع اثناء زيارته لباريس مع الجانب الفرنسي عقود تصل قيمتها بين 15_30 مليار يورو مع كبرى الشركات الفرنسية وان الوقت هو وقت نسيان الاضغان!
هذا الفلم هو وثائقي دقيق جدا بمعلوماته وتحليلاته لا يشبه كثير من الأفلام والتحقيقات التي تبث عن مثل هذه المواضيع، يظهر بتحقيقاته علاقة الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا بأهم ميليشيا طائفية مولتها ودربتها وطورتها إيران كما اعترف رئيسها علنا، ورغم وضعها على لائحة الإرهاب، لتصبح جيشا وبعدها دولة داخل الدولة اللبنانية. وبعد المشاهدة، لا يمكن الا ان نعتبر ما يحدث في العراق الا نسخة طبق الأصل. منذ عشرين عاما، يوم غزت الولايات المتحدة الامريكية بلاد الرافدين بالتنسيق مع ايران وعمائمها وحوزتها غير العراقية النافذة والميليشيات التي أتت معها، اتفق على تقاسم الغنيمة : ما فوق الأرض هو لإيران وما تحت الأرض يعود للولايات المتحدة مؤطرا بالاتفاق الاستراتيجي الموقع مع العراق عام 2008 مع حكومة نوري المالكي. هذه المعادلة التي فـُصلت للعملية السياسية التي وضعها الاحتلال وجيء لها بدستور كتبه المحامي الأمريكي نوح فلدمان ، هي المشكلة الحقيقية التي يعاني منها الشعب العراقي وهي الازمة الحقيقية وليس صعود الدولار وهبوط قيمة الدينار الذي انعكست آثاره بشكل كبير على الشعب العراقي الذي كما قال مواطن من احدى القنوات التلفزيونية اصبح يتكون من غالبية فقيرة تعاني شظف العيش وطبقة من أصحاب المليارات والملايين تتمتع بخيرات وثروات العراق وامتيازات العملية السياسية والاحتلال الأمريكي الإيراني لم يعرف لها العراق في تاريخه من سابق. انها مشكلة التجاذبات الإيرانية الامريكية، أصحاب العملية السياسية المتصارعين على الغنيمة التي بين أيديهم. انها ليست وليدة اليوم ففي كل مرة ارادت إيران ان تقضم اكثر مما تم التوافق علية، يرفع الجانب الأمريكي عصاه وتتراجع ايران محاولة ان تجد بابا آخر تدخل منه للحصول على المزيد. بل لم تهتم الولايات المتحدة طوال عشرين عاما بما تقوم به ايران واتباعها سواء بتهريب الدولار اوغيره ولا من تزوير جديد للدينار وتحويل الدولار المطروح من البنك المركزي للسوق الى منصات وعقود تجارية وهمية الى ايران لكنها تحركت بعد ان قامت هذه بالمساهمة في الجهد الحربي الروسي ضد أوكرانيا عبر تزويد روسيا بمئات من الطائرات المسيرة والاسلحة مما اثار حفيظة الولايات المتحدة التي اتجهت اول ما اتجهت كرد منها على الدولار المهرب من المنافذ الحدودية وعبر شركات الصيرفة والبنوك التابعة لاتباعها وفرضت نظام سويفت على ستة عشر بنكا عراقيا لتمنع تدفق هذه الأموال لشريكتها ويكون هذا الرد مجرد جواب وليس أي شيء آخر كما علقت وصرحت السفيرة الامريكية في بغداد ايلينا رومانسكي التي قالت في مقابلة تلفزيونية لها : ان ما تقوم به الخزانة الامريكية اليوم ليس جديدا ويعود الى عامين والهدف منه محاربة الفساد في العالم !
ما سمي “بأزمة الدولار” في الاعلام العراقي ليس الا أزمة العملية السياسية المحشورة بين طرفي الاحتلال حيث يعجز فيها رئيس الحكومة السوداني عن اتخاذ قرار لا يتلائم مع مصالحهما حتى لو كان اجراء بسيط يهم غالبية الشعب، بل انه ظهر علنا مجرد منفذا لما يفرضه عليه الإطار التنسيقي الولائي في تعيين مدير جديدا للبنك المركزي لضمان استمرار عمليات ابتلاع أموال العراق بطرق تلاعب جديدة وتقديم المزيد من المنافذ للميليشيات للحصول على مؤسسات مدعومة حكوميا لحصد عقود البناء والاستثمار. في نفس الوقت يعاد تكرار نفس مشاهد الاستقبال لرؤساء حكومات الاحتلال السابقة من بعض الدول ودعم ممثلة الأمم المتحدة امام مجلس الامن للحكومة ونفس مشاهد توقيع العقود مع فرنسا وعقود للكهرباء مع سيمنس الألمانية، ويمكن اضافة الرئيس بايدن الذي استقبل وساطة ملك الأردن في واشنطن وطرح مشروع انشاء خط النفط البصرة – العقبة ليكون “نفط العراق للعراقيين”. هل سيحل هذا المشروع الذي يتطلب الكثير لتحقيقه ولسنوات، ازمة خفض الدينار العراقي وتهريب الدولار؟ ام ان ذلك يبدو مجرد قصصا تضاف الى سلسلة المشاهد السابقة مثلها مثل العقود المكررة لكل الحكومات التي يسمع بها العراقيون منذ عهد نوري المالكي ولم يروا منها أي انجاز على الأرض الىي اليوم، بل انها نفس الأسطوانة تشغٌل لتلميع صورة الحكومات المتعاقبة المعوقة، لتسويقها فقط وإبقاء العملية السياسية للاحتلال الأمريكي الإيراني لاستكمال مهمة تدمير العراق.