26 نوفمبر، 2024 12:02 م
Search
Close this search box.

أزمة التظاهرات

اعتدنا في العراق منذ 2003 إلى يومنا هذا على تعاقب الأزمات فلا نكاد نخرج من أزمة حتى نجد أنفسنا قد دخلنا في أزمة هي اقسي في وقعها من سابقتها قسم منها تصنعها الكتل السياسية المشاركة في الحكومة للخلاص من سابقتها وصاروا يعتبرونها شطارة أو مهارة سياسية أو جزء من احتراف السياسة كمهنة للارتزاق وكسب المال وأصبحوا  يطلقون عليها تسمية ترحيل الأزمات أو الدفع بها إلى الأمام وقسم آخر من التظاهرات تستجد تفرضها ظروف البد المحلية أو تصنعها الظروف الإقليمية كشعب لا ناقة لنا فيها ولا جمل ونجد إننا لا نستطيع الخلاص منها ونعيش في دوامتها وكأننا نلعب في حل الغاز الكلمات المتقاطعة وهناك قسم ثالث للتظاهرات شعبية تتسبب فيها سوء الإدارة ونقص الخدمات وحاجات اجتماعية أهملت انجازها الدولة وهذه عفوية سرعان ما يظهر من يستثمرها ويدس من ينحرف بها لمصلحته سواء من المعادين للعملية السياسية أو من المؤيدين لها والمشاركين فيها فتفقد حماستها وبريقها الوطني وتفقد عفافها وعذريتها وتلعب وسائل التواصل الاجتماعي دورا كبيرا ومهم في تصعيدها أو النيل منها بالسوء وها نحن لازلنا نعيش أجواء واحدة من تلك التظاهرات العفوية نتجت عن الكبت والحرمان الذي يعاني منه الشعب لنقص الخدمات وخصوصا الكهرباء وسوء الإدارة التي تسببت بها الأزمة المالية العنيفة والعجز في موازنة البلد الكبير التي يمر بها العراق كانعكاس لتدهور أسعار النفط العالمية ورغم إن من يشارك بها كل الشعب العراقي إلا إن طابعها العام مصبوغ بنكهة التيار الصدري .
إن تظاهرات الأزمة الاقتصادية الحالية تسببت بشرخ كبير في البناء الإداري للدولة العراقية وأحدثت أزمات سياسية حادة كان من بين أهم نتائجها تخلخل وتفكيك داخلي بيني لتحالفات الكتل التي قامت على أساسها العملية السياسية في العراق بعد عام 2003 وخصوصا الدورة الانتخابية الحالية ومن دون أن نسمي احد منهم أو نستثنيه إلا إن وقعها وتأثيرها السلبي على التحالف الوطني كان الأكثر وضوحا لأنه يمثل الكتلة السياسية الأكبر والتي تقود دفة الحكم في البلد ومع إن الجهات الأمنية المختصة قد أعلنت دعمها في الموقف العام من التظاهرات فقد أصبح جليا واضحا عمق التلاحم بين الأجهزة الأمنية بكل صنوفها وبين المتظاهرين وكان للاحترام المتبادل بين الطرفين اثر كبير في إظهار المدى المتحضر للجميع ومدعاة للفخر في بناء الثقة العالية بين كل الأطراف التي ظهر عليها كل أبناء الشعب العراقي وإنهم جميعا أمام مطالب مشروعة يهدف الكل إلى تحقيقها وهذا بطبيعة الحال يؤكد إن الحالات الفردية التي أدت إلى بعض الجروح والإصابات كانت مقصودة وذات أغراض مشبوهة لخلق فجوة بين المتظاهرين ومن يقوم بحمايتهم وان من قام بها له أهداف خبيثة ستنكشف مهما طال الزمن وسيحاسب من قام بها حسابا عسيرا.
إن دوافع انطلاق التظاهرات صحية وكبيرة ومهمة يطالب بها الكل لا جدال في ذلك وان كان ثمة خلاف فانه على آلية تطبيق الإصلاحات وهي مطالب شعبية ملحة ينادي بها كل مهتم بالشأن العراقي يجب انجازها ليس لأنها تخص عامة الشعب فقط وإنما لأنها جزء لا يتجزأ من الواجبات الأساسية للسلطتين التنفيذية والتشريعية التي يلزمها بها الدستور والقوانين التي ألزمت نفسها بها من خلال برامجها السياسية التي قدمتها في بداية تشكيلها ولكن بالمقارنة بين أولويات الانجاز وظروف البلد الحالية فان الواجب يحتم علينا جميعا رص الصفوف باتجاه أهم هو محاربة عدونا المشترك عصابات داعش الإرهابية ومن لف لفهم وتحرير أرضنا الطاهرة من دنسها .
نعم إن الاتجاه لتنفيذ واجب معين يجب أن لا يلغي انجاز باقي الواجبات ولهذا السبب كانت فتوى المرجع الديني الكبير السيد علي السيستاني أدام الله ظله بالجهاد الكفائي أي صب الجهود إلى جبهات القتال بما يديم زخم الانتصارات في المعارك والانتقال بباقي الجهود إلى انجاز الواجبات وتقديم الخدمات الضرورية والتي لابد منها في الجوانب الأخرى للحياة اليومية للناس وهي بصورة أخرى تديم تقديم الدعم اللوجستي للمقاتلين وإذا كان عدونا يقاتلنا في الجبهات فان له هدف آخر هو تدمير عمقنا وشل مفاصل حياتنا وتدمير بنانا التحتية لإضعافنا لذلك فهو لا يتهاون في استغلال أي ثغرة بيننا ولا أدل على ذلك من التفجيرات التي ينفذها كلما سنحت له الفرصة في أحيائنا السكنية دون استثناء لطائفة أو قومية في مجتمعنا ولذلك فان الحكمة توجب علينا أن لا تكون التظاهرات عامل إضعاف لنا وفرقة وتشتيت لوحدتنا ووحدة بلدنا وان ارتفاع الأصوات يجب أن توصلنا إلى التفاهم على عوامل الاختلاف والالتقاء عند نقاط التقارب وتوسيعها.
إن التظاهرات وسيلة لإيصال صوت الشعب إلى المسئول وإعلامه بما يريد شعبه منه وهي وسيلة للتقارب وليست وسيلة لصناعة الأزمات وتصعيدها وزيادة حدة الخلافات والتناحر بين أبناء البلد الواحد لأنها حين ذاك ستضعف الجبهة الداخلية وستسهل من تغلغل الأعداء وتمكنهم من تحقيق مآربهم الخبيثة وعلى المسئول في كل الأحوال أن يتفهم المطلوب منه شعبيا ويعمل لانجازه بلا تعالي ولا غرور لان من وضعه في منصبه إصبع الناخب وهو قادر على أن يخلعه من مكانه كما على الناخب أن يعي لمن يمنح صوته ويمكنه من التحكم بمصيره ضمن حدود القانون وضمن هذا السياق سيتحقق بناء وطن الجميع.
حفظ الله الجميع وهدانا إلى سواء السبيل وجنبنا كيد الأعداء ونصرنا على أعدائنا.

أحدث المقالات