23 ديسمبر، 2024 10:33 ص

أزمة التسوية أم تسوية الأزمة؟

أزمة التسوية أم تسوية الأزمة؟

التسوية الوطنية، أو السياسية، أو التاريخية؟ فبدءً من اسمها يبدأ الاختلاف؛ فكيف بمحتواها وغايتها ومرادها؟
أيام مضت، والحديث يطول ويقصر، عن التسوية التي أعلن عنها التحالف الوطني، زاعما  بأنها تمثل حلاً لكل المشكلات العالقة، بين الفرقاء السياسيين، وبداية لنهاية الإرهاب، ومبادرة لملمة شتات الوطن، الذي مزقته الطائفية والفئوية.
العراق الآن يمر في مرحلة النصر النهائي، على عصابات “داعش” بعد أكثر من سنتين ونصف السنة، من القتال، بين الجيش العراقي والحشد والبشمركة والعشائر من طرف، و”داعش” ومن معها من دول بالطرف الآخر، بما يعني أن المرحلة المقلبة، ستكون مرحلة فارقة في تاريخ العراق الحديث، حيث إنه واجه أبشع إرهاب منظم في تأريخه المعاصر.
 لكن السؤال المنطقي الذي يراودنا، وبعيداً عن العاطفة: من يضمن عدم عودة الإرهاب من جديد، كما حصل من قبل، فقد انتهت القاعدة وجاءتنا “داعش”؟
يمكن أن يكون الجواب: متى ماتوفرت أسباب “نكبة الموصل”، فلا أحد يضمن عدم حدوث مثل هذه النكبة، في الموصل أو غيرها من جديد، ما دامت المعالجات هي نفسها، والطريقة ذاتها، فمن الغباء أن ننتظر نتائج مختلفة، بل يجب علينا أن ننتظر إرهاب جديد، تحت مسميات مغايرة.
قضية الإرهاب، سواء القاعدة أو “داعش” أو سواهما، لابد من تشخيص للأسباب الحقيقة، التي ساعدت في تواجده في العراق.
أهم ما ساعد الإرهاب على التواجد في العراق، واحتلاله لعدد من المدن، هو الحاضنة الاجتماعية، والغطاء السياسي الطائفي، أما الحاضنة الاجتماعية، فليس بالضرورة أن تكون هي داعمة للإرهاب، لكنها ليس لديها الدافع لمحاربته وقتاله، وهؤلاء النازحين خير دليل على ذلك، فهم غير راضين “بداعش”، لكنهم لم يقاتلوها عندما احتلتهم وتعدت عليهم.
الجانب السياسي أو ما يسمى “دواعش السياسة”، هؤلاء جاءت بهم الطائفية، ومولوا من جهات خارجية وإقليمية، ذات أهداف مشبوهة لاتريد للتجربة العراقية الجديدة النجاح، فجعلت من هؤلاء أدوات تحركهم كيف ماتشاء، وبذلك يمهدون لهذه العصابات الإرهابية، من خلال شحن المجتمع بالخطاب المذهبي، كما حصل عندما نعتوا “داعش” بالثوار في بداية احتلالها للموصل.
الحاضنة أو البيئة المهادنة، لابد من تحويلها من بيئة حاضنة للإرهاب إلى طاردة له ومعادية، وهذا يحتاج إلى أن تشعر هذه الفئات، بأنها لها حقوقها، حالها حال بقية مكونات المجتمع، وإزالة كل الحواجز الطائفية، التي تقف مانعاً لشعور هؤلاء بالمساواة في وطنهم.
القادة السياسيون الذين يمثلون المكون السني، الذي بات اليوم بين نازح وأسير تحت رحمة الإرهاب، لابد لهم من أن يحددوا موقفهم، أما يكونوا مع الدولة أو لا، فلايجوز أن يكونوا في الحكم ويمارسوا المعارضة، والنتيجة ليس لهم تأثير ايجابي، لافي الحكومة ولا في مجتمعهم؛ بسبب تناقض مواقفهم.
هذا الوضع الطائفي والأمني المتردي؛ هو من أنتج بعض من هذه الكتل، والقادة الطائفيين، فوجودهم متعلق بوجود هذا الوضع واستمراره، فإذا كانت التسوية المفترضة، حلاً حقيقياً، لمشكلات دامت أكثر من عقد من الزمان، فيجب أن نتوقع صراعاً على هذه التسوية، يوازي تأثيرها فيما لو تمت.
الكتل السياسية تباينت مواقفها بشأن التسوية، بل بعضٌ منها عمل على تسويقها كأزمة جديدة، وراح يزايد على الآخرين بوطنيتهم، بحجة إنها تعيد الإرهابيين والبعثيين، مع أن المبادرة ترفض الحوار مع كل هؤلاء، لكن يبدو للمتابع جيدا،ً أن بعض الكتل والأحزاب، إنما هي قائمة على الطائفية والأزمات، لذلك نرى التجاذب السياسي، بين مختلف الأطراف بشأنها، وكأنها أزمة تسوية وليس تسوية الأزمة!
المواطن العراقي لايهمه المبادرات ولا مسمياتها، بقدر اهتمامه بواقعه الأمني والخدمي، لذلك كل تسوية من شأنها، جلب الأمن والاستقرار بأي طريقة فهي مقبولة لديه، أن كانت التسوية حافظة لوحدة العراق، ولحقوق أبناءه من جميع المذاهب والقوميات والمكونات، فهذا هو مراد الشعب، أما من يرفض التسوية، فلابد من أنه معتاش على هذا الوضع الطائفي، وإذا لم يكن كذلك، فليطرح رؤيته، إن كان لديه رؤية.