23 ديسمبر، 2024 10:33 ص

أزمات العراق قد تعرقل سير الحملة العسكرية ضد داعش

أزمات العراق قد تعرقل سير الحملة العسكرية ضد داعش

جيمس جيفري/ أن آر تي
في الوقت الذي انصب اهتمام العالم على التطورات المثيرة في المفاوضات النووية الإيرانية، والحرب في اليمن، إلى جانب المواجهة التركية الجديدة مع داعش وحزب العمال الكردستاني، تفجرت العديد من التطورات الهامة على الساحة العراقية. وعند تناول الموضوع مجتمعا، يمكن لهذه التطورات أن تحدث تغييرات في وجه السياسة العراقية- إلى حال أفضل أو أسوأ- وأن تؤثر على الكيفية التي يضع فيها المجتمع الدولي أولوياته لقتال ما تسمى بـ “الدولة الإسلامية”.

في بغداد، يواجه رئيس الوزراء حيدر العبادي جمهورا أكثر غضبا من أي وقت مضى، وانضم إليه رجل الدين الأقوى في البلاد آية الله العظمى علي السيستاني، حيث يطالب الجميع بالإصلاحات في مجال تقديم الخدمات ومكافحة الفساد. وفي الوقت نفسه، وعلى بضعة مئات أميال إلى الشمال، يواجه رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني أكبر تحد له منذ توليه قيادة إقليم كردستان منذ أكثر من عشر سنوات.

ويواجه الرئيسان مشاكلهما الداخلية بعزم كبير، ولكن لم يخرج أيا منهما من المأزق الذي وضعا فيه حتى الآن. وقد استجاب العبادي، المتحفظ في بعض الأحيان، للمظاهرات الأخيرة، ذات الإطار العام والديني، بخطوات جريئة تؤشر إلى وجود عزم جديد على تحمل المسؤولية، ويشمل ذلك حقن حياة جديدة في جسد المؤسسات والسياسات الخاصة بمكافحة الفساد، فضلا عن الدعوة إلى التخلص من المناصب الحكومية التي تبدو غير أساسية، تحديدا النواب المتعددين لرئيس الوزراء العراقي ورئيس الجمهورية (الأمر الذي من شأنه إبعاد رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، ورئيس البرلمان السابق أسامة النجيفي، وهما شخصيتان تتمتعان بالقوة والدهاء وغالبا ما يكونا معرقلين للأمور. ويقترح العبادي أيضا إنهاء نظام المحاصصة في المناصب الحكومية، الذي سمح للأحزاب والسياسيين بتكريس المحسوبية المتفشية أصلا، والقضاء على الجيوش الظاهرية الخاصة المتمثلة بالحمايات التي تحيط بكل شخصية رئيسية. 

وتتطلب بعض هذه الخطوات إجراءً برلمانيا أو حتى تعديلا دستوريا، وكلاهما يصعب جدا تأمينه في العراق، ولكن مع التأييد القوي من جانب السيستاني لبرنامج العبادي، ودعم المالكي والنجيفي، وحكومة إقليم كردستان، الظاهري على الأقل، فقد يكون رئيس الوزراء قادرا على تحقيق انتصار جزئي على أقل تقدير، وهذا الأمر بطبيعة الحال لن ينهي الفساد أو عدم الكفاءة الحكومية، إلا أنه قد يقلل منه بشكل كبير. أن تحقيق النجاح الجزئي سيقوي كذلك يد العبادي ضد أقطاب الحزب الذين يديرون البرلمان (المالكي ما يزال حانقا على ابعاده من كرسي رئاسة الوزراء من قبل العبادي، حيث أنه يرأس الحزب السياسي الذي ينتمي إليه الأخير، وهو الدعوة). ولكن إذا ما وضع المشرعون العراقيل أمام العبادي، حينها قد يلقي الجمهور والسيستاني باللائمة عليه بسبب التقاعس الحكومي. لذلك، فأنه في الوقت الذي توفر فيه الأزمة الحالية الفرصة الأفضل لرئيس الوزراء حتى الآن للظهور كزعيم يتمتع بشعبية ونفوذ، إلا أن ضعفة السياسي المتأصل يجعل من موقفه أكثر خطورة من موقف زميله في الشمال، وهو الرئيس بارزاني.

وتنبع مشاكل البارزاني من غياب الدستور بحكم القانون للاقليم الكردي، حيث يخضع الاقليم إلى الدستور العراقي الوطني، ولكن هذه الوثيقة تستثني بحكم الأمر الواقع آليات الحكم الكردية في الفترة ما قبل العام 2005، ونتيجة لذلك، فإن البيئة السياسية للإقليم المحكوم ذاتيا تتكون من ثلاثة مستويات:

جمهورية رئاسية برئاسة بارزاني (وهو الزعيم الاسطوري للبيشمركة وكان والده بطلا قوميا كرديا)، والفصيلين الكرديين التقليديين الحزب الديمقراطي الكردستاني التابع للبارزاني والاتحاد الوطني الكردستاني الذي يتبع للرئيس العراقي السابق جلال طالباني، وكلا الحزبين يمتلكان قوات بيشمركة خاصة بهما ويسيطران على البيروقراطية في حصونهما بأربيل والسليمانية وكذلك التقسيم الجهوي بحكم الأمر الواقع للبرلمان المنتخب بصورة ديمقراطية، في محاولة لفرض الإرادة.

ويرجع السبب المباشر للأزمة الحالية لحكومة إقليم كردستان إلى أنه يفترض على بارزاني، من الناحية الفنية، التنحي نظرا لإنتهاء التمديد لعامين لفترته الرئاسية الثانية، التي يفترض أن تكون الأخيرة، وهي كانت نتاج ترتيبات تمت في الفترة الماضية بين الحزبين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، كما جرت العادة، بصفقة ما وراء الكواليس، حلت بالفعل هذا الأمر المؤسف. يريد بارزاني البقاء في منصبه، فهو شخصية يتمتع بشعبية، وأن عشيرته ممثلة تمثيلا جيدا في المواقع الاقليمية وتمسك ببعض المناصب في بغداد، والأمر الأهم من ذلك فإن غالبية ناخبيه يعرفون أن لا أحد غيره يمكنه المضي بحكومة الإقليم جراء التهديد الوجودي المتمثل بداعش، وتدفق اللاجئين بأعداد كبيرة، إضافة إلى الانهيار المالي.

وهنا نتساءل لماذا لا توجد هناك صفقة هذه المرة؟ والسبب في ذلك يعود إلى الاضعاف التدريجي للاتحاد الوطني الكردستاني، حيث يرجع الأمر إلى المشاكل الصحية الكبيرة التي يعاني منها طالباني منذ العام 2012، وإلى النتائج السيئة التي خرجت بها الانتخابات، والتقسيم الذي أصاب الجناح الاصلاحي، حزب التغيير قبل نصف عقد من الزمن، فهذه التطورات مجتمعة جعلت من حزب البارزاني بلا شريك يعقد معه صفقات خلف الكواليس اللازمة لإعادة تمديد فترته الرئاسية، وبدلا من ذلك، أصر البرلمان، الذي يهيمن عليه حركة التغيير والعديد من الأحزاب الإسلامية، اضافة إلى الاتحاد الوطني المضعف، على حقهم في تقرير من سيكون الرئيس المقبل، حيث رفض بارزاني هذا الطلب ودعا إلى إجراء انتخابات رئاسية في 20 آب، متخطيا بشكل اساسي البرلمان.

وعلى الرغم من الدفع الانتخابي لبارزاني على شرعية قانونية أقل من حملة مكافحة الفساد التي اطلقها العبادي، الا ان لدى بارزاني في الوقت الحاضر قوة عسكرية ومالية وشعبية أكثر من تلك التي يمتلكها رئيس الوزراء، وهو بذلك أقل عرضة للتعثر في معركته البرلمانية من العبادي- وإن كان في هذه الحقبة عدم اليقين حاضرا حيث لا يمكن حتى للبارزاني ان يكون متأكدا منها. من حيث المبدأ، يمكن للزعيمين ان يدعما بعضهما، ولكن مثل هذه التعاون قد تعرض للعرقلة بسبب المشاحنات المستمرة بين بغداد وأربيل حول القضايا الخاصة بالجيش والأراضي والنفط.

وتكمن المصلحة الرئيسة للولايات المتحدة في خضم هذه الأزمة في بقاء العبادي في السلطة والكسب من جهود الاصلاح، إذا كان ذلك ممكنا. وتعتمد واشنطن أيضا على كردستان مستقرة، وهذا يعني مساعدة البارزاني على إيجاد وسيلة للبقاء بالسلطة دون خنق الديمقراطية البرلمانية. ومن المفارقات، أن تركيا وإيران ينظران إلى الأمور بنفس الطريقة وقد مارسا ضغوطهما على زعماء الاقليم السياسيين للتمسك ببارزاني.

بطريقة أو أخرى، تشارك الولايات المتحدة في أيجاد حلول لحليفيها العراقيين، بما أن الكفاح ضد داعش سيأخذ منعطفا سيئا إذا ما لم يتحقق الاستقرار في كل من بغداد واربيل، ولكن حتى في أفضل السيناريوهات، فإن هذه الحزمة من الأزمات السياسية سوف تحول الانتباه بشكل مؤقت على أقل تقدير عن الحملة العسكرية ضد داعش، مما يدل مرة أخرى على وجود حماقة أخرى لدى إدارة أوباما في عدم معاملة هدفها المتمثل في “تدمير” المجموعة كأولوية ملحة، ففي هذا الشرق الأوسط الحيوي وغير المستقر والغامض، فإن حلفاء أمريكا اليوم قد لا يكونون موجودين غداً، على الرغم من أن داعش قد يكون بلا ريب حاضرا إذا ما لم يتغير الجدول الزمني للإدارة الأمريكية.