19 ديسمبر، 2024 3:09 ص

أزمات العراق … تطبخ خارجا في الفنادق .. ونتقاتل على رائحتها في الخنادق

أزمات العراق … تطبخ خارجا في الفنادق .. ونتقاتل على رائحتها في الخنادق

بصراحة وبالرغم من التقدم في العمر وماخبرته من تجارب في خنادق الحروب ومعتركات الحياة التي قطعتها … لا اخفي حالة الرهاب التي تصيبني عند كل اطلالة لهذا المسؤول او ذاك النائب او المستشار ووو..على الفضائيات( التي تكاثرت لدينا كالفطر وصارت تتلون بالوان من يمولها والتكتلات والقوائم السياسية التي تمثلها ) ، وهو عابس مقطب الجبين ليلقي ببيان او تصريح من العيار الفوق الثقيل بلا ضابط وبانفلات منقطع النظير ليوزع الشتائم والاتهامات يمينا وشمالا ، ولا يرتدع عن استخدام اقذر النعوت لوصف الاغيار الذين هم حتما ليسوا من جنسه الملائكي : فهم اما خنازير او نتنون ولا وسط  “رمادي “بينهما ، وعملاء ومتآمرون.. الخ . فأشعر حينها ان يوم الدينونة آت لا محال ، وأن هذا الرعيد والوعيد والزعيق ما هو الا مقدمة لأزمة جديدة … ومع كل أزمة نضع اليد على القلب …. “خوما نطلع كل مرة بسلامة ” … فلابد من مرة تكسر فيها الجرة … ولسان حالنا يقول : يارب الطف …                                            لا يمكن لانسان منصف وواعي ان يبقى على الحياد وهو يرى مسرحية الازمات المتسلسلة  تتناسخ وتكبرعلى الساحة العراقية  و تستنفذ كل طاقات البلد على حساب البناء وتلبية حاجات الشعب الاساسية التي يتم تغييبها خلف اللافتات والشعارات المذهبية والطائفية والسياسية التي لا تغني ولا تسمن ، وانما فقط تسهم في تعميق جروح مستحدثة واستنزاف ما تبقي من دماء في عروقنا.. . .فالطاغي على الساحة هو سياسة الهروب من الاستحقاقات الوطنية بسبب العجز وعدم امتلاك الرؤية الصحيحة لقيادة دولة ، نحو صنع ازمات تتناسل كالسرطان ليبقى الكل مشتبكا مع بعض ومن ثم تمييع وتغييب القضايا الاساسية التي يطالب بها الشعب ، وفي مسرحيات هزيلة المضمون والاخراج لكن مكمن خطورتها في انها تكرس وتعمق حالة لا وطنية وشروخا وانقسامات عمودية وافقية في نسيجنا الوطني ……فخلافات الكتل السياسية لا تأخذ طابع الخلاف الممكن احتوائه على رؤى سياسية وتنفيذية مع انها تتشارك كلها فيما يسمى ” اقتسام كعكة السلطة ” ، لكنها تؤسس لحالة شاذة بخطابها ونهجها وسلوكها الذي يجتاح كل المحرمات الوطنية وتزييف الحقائق والتاريخ لايقافه قسرا في محطات خلافية ، واستخدام الخطاب المتخلف الجاهلي النزعة ….المفخخ بالفحيح الطائفي لاستثارة الغرائز البدائية للجمهور واستعدائه على بعضه.
      بالنتيجة اصبح البعض لا يرى في العراق الا بلدا  يسوده شياطين ابالسة متغولون على الناس ، باعوا الوطن رياءا ونفاقا لاجل الطائفة – ايا كانت هذه الطائفة –كما باعوا الطائفة من اجل السلطة والمواقع والاحزاب ، ثم باعوا احزابهم والسلطة من اجل انفسهم ومصالحهم الشخصية الضيقة .حيتان الفساد والسياسي الذي لا يفقه شيئا من امرها ، والنائب الي لم يفز الا باصوات رئيس قائمته يعتاشون من جو الازمات هذه  ليشرعنوا وجودهم واستمرارهم في شحن الناس غرائزيا . وياليت .. ايها السادة ان تكون ازماتنا .. صناعة وطنية ، فقد تعطل الانتاج الوطني من زمان وبتنا نستورد كل شيء يفيدنا او لا يفيدنا  اوقد يدمرنا… ومن ضمن ذلك … الازمات. أزماتنا ياسادة ياكرام تصل الينا مسلفنة وجاهزة بعد طبخها على نيران هادئة  أوحامية ( حسب الوصفة والطلب)
في فنادق خمسة نجوم في عواصم الاقليم  باشراف واخراج جيراننا العزيزين المتحمسين لامرالعراق والدفع به الى الامام ( نحو الانتحار طبعا ) ……فيقوم اردوغان العثماني وقاسم سليماني وحمد القطري وبندر السعودي     ( مع اطراف اخرى اميركية واسرائيلية طبعا، الا أن هؤلاء لا يعملوا باسماء افراد وانما كمؤسسات نظرا لتطورهم ) باصدار اوامر العمليات وتوزيع الادوار والاموال وحتى الاسلحة لمن يمونون عليهم اولمن جندوهم بين ظهرانينا ليقوموا بالتنفيذ حسب الطلب ، لتبدأ همروجة اللعن والطحن وتأليب العامة والمحازيب وتجنيد الاتباع وامتشاق السيوف لاشعال حروب الخنادق في مدننا وساحاتنا لكن باسم الطائفة وباسم الحرية والديمقراطية .وان يسرعوا لاستغلال اي حراك لمستضعفي الشعب من اجل الحقوق والحريات ليتصدروا هم الساحة لافراغه من اي محتوى حقيقي .
   “نعمة ” الحرية والديمقراطية التي انعم بها المحتل على العراقيين ودفعنا ثمنها قتلا ودمارا وخرابا – والتي يجري تقديسها وحشرها بمعنى او دونه في كل خطابات الطبقة السياسية ، انما هي تقديس لحرية الفتنة وليس لحرية التعبير والتغطية على الافعال الشنيعة المنافية للدين والمعتقد ومصلحة الطوائف ، المعاكسة لسير التاريخ وبلغة القطيع لا بلغة الحوار الواعي ، وهو الطريق الذي لا يؤدي الا الى …. الفتنة .
   المحتل الاميركي ، وكعادة كل مستعمر ، لا يغادر مكانا دون ان يترك فيه الغاما قابلة للتفجير الذاتي او عن بعد  والغام العزيز بوش ورهطه من المحافظين الجدد الذين تملاهم الكراهية والحقد لكل ماهو عربي ومسلم ، تركوا لنا الغام المحاصصة الطائفية البغيضة الغريبة عن ثقافة العصر وروح الديمقراطية  ، لا حبا بالشيعة ولا شماتة بالسنة . فالاميركي لا فرق عنده بين عربي وفارسي او سني وشيعي الا بالقدر الذي يكون فيه احد هذه التقسيمات اطوع في أيديه وانفع له . والمصيبة ليست في المحتل المعروفة اهدافه ، بل في البعض الذي جعل المحاصصة وطائفيتها البغيضة ايقونة يصلي ويقدم  اليها النذور يوميا على امل استمرارها وتكريسها نهجا للحياة والعمل والحكم ،  ولا يتورع عن استخدام لغة القطيع بمنطق طائفي كلما انحسر الماء من جرفه ، والقطيع يمضي كالاعمى خلف هذه اللغة المدمرة دون ان يدري الى حيث…. المسلخ .
   الانتماء للطائفة والفخر بهذا الانتماء والالتزام بطقوسها حق طبيعي ومكفول اذا بقي في مستوى الفرد والجماعة ، لكن يراد للعراق ان يبنى ويسيس باستخدام منطق وخطاب الطائفة ، وهذا هو الخطأ ، حيث لا يمكن اختزال الدولة الجامعة والموحدة لكل المواطنين بالطائفة ولا يمكن ان تعبر سياسة التطييف الرسمية عن نهج عصري للحكم ولا يمكنها ان تؤدي الى بناء مجتمعي مستقر الذي هو من اهم شروط الامن والتنمية والتطور المنشود ..  فسياسة تطييف المجتمع انما يراد منها الزج بنا في الاتون الذي أخذ يحرق المنطقة واقترب جدا من حدودنا . فطبخات فنادق الخمس نجوم مستمرة في اشعال حروب الخنادق بمسميات شتى : نصرة اهل السنة ضد المد الصفوي – الصراع الجديد العربي الفارسي – الانتصار لمذهب آل البيت ولثارات الحسين .- نشر الحرية والديمقراطية عبر الفوضى الخلاقة .. الخ .وفي خضم هذا الهياج الغرائزي المتوحش واللامنطقي يجري تخريب البلدان وسفك دماء الناس وتقطيع اوصالهم مع ترديد صيحة ” الله اكبر” وتهجير اخرين وتدمير بلدان وتخريب ماانجزته شعوب المنطقة عبر التاريخ بايام قليلة . ان كل منصف يرى ان مايراد تطبيقه في منطقتنا قد تعدى للاسف مطالب جماهيرنا التواقة للتغيير والحرية ، فقد تم اختطاف الثورات من قبل تحالف غربي اسلاموي متشدد ذي نظرة ظلامية اشد سوادا من نهج الانظمة السابقة لما يجب ان تكون عليه دولهم . وما يحدث في سوريا قد تخطى مسألة اسقاط النظام الى تفكيك الدولة وانقسامها عرقيا وطائفيا ، والمشكلة التي علينا ان نعيها ونقول لكل دعاة التقسيم في سوريا والعراق ان الخوف .. كل الخوف ليس في سقوط الانظمة ، ولا في التقسيم …انما في انهيار الدول وبروز امراء الحرب والميليشيات والمجموعات المقاتلة واشتباكهم في صراعات طويلة لا تبقي ولا تذر على غرار الصومال وافغانستان .
  لنتعقل اكثر ونقول هل تصورنا ما سينشأ من تقسيم دولنا وشعوبنا من مشاكل التداخل السكاني والاراضي والثروات والمياه والحدود والانتماءات والتدخلات الخارجية ؟ هذا ليس مشهد سريالي للخلاص وانما اعادة تكوين لجهنم حقيقية على الارض .. واستيلاد قسري لصراعات يريد الغرب وبعض دول الاقليم تعميمها لاهداف لا علاقة لنا بها فلماذا ننجر اليها .. صراعات وقودها دماء الشيعة والسنة . وعجبي على البعض من مثقفينا ووسائل اعلامنا ان تنساق بسهولة وبدون وعي الى هذا الفخ الواضح ؟
   اذن الاستشراس بحروب الخنادق الطائفية سياتي على تفجير الالغام التي تركها المحتل واذنابه والغرب المنافق وفتاوي العمائم المتخلفة بين ارجلنا وداخل بيوتنا وفي مستقبلنا وليسقط  في الحقيقة كل التقولات عن الاغلبية والاقلية – ذلك ان الدمار لن يبقي لاي طرف الفرصة ل” يتنعم ” بنعم اكثريته . الديمقراطية الحقة لا تقوم على اكثرية واقلية طائفية وانما على اساس البرنامج السياسي الذي يحصل على اكبر دعم شعبي اي الاكثرية  المؤيدة له . فهل تعي النخب السياسية خطورة المشهد الداخلي والعربي والاقليمي لتكون لديها نظرة ابعد واكثر حكمة للامور؟ ومتى تقتنع هذه النخب انها ليست من جنس الملائكة المطهرين الخالين من الذنوب والاردان وليست من فئة المعصومين عن الاخطاء ، وان الاغيار من الطيف الاخر ليس كلهم شياطين واعداء وان ما يجري من حراك شعبي ليس كله مؤامرات خارجية وان نصرة الطائفة لا تكون بالتخندق والغلو والتعصب واطلاق يد كل من هب ودب في تأجيج السعار الطائفي والقومي ، وانما بالعدل والمساواة  والانفتاح ، وان السلطة ليست قالبا تم صبه على قامة وحجم هذا او ذاك كائنا من كان ، وانما هي تداول بين من يمتلك الارادة والبرنامج الوطني الافضل ويحصل على تاييد اكثرية الناس .
. الغرب المنافق ومن تبعه من اعراب الخليج وفتاوي المعممين  على اختلاف الوانها واشكالها ،والعثمانيون الجدد – اصحاب خبث ودهاء – هذا امر مفروغ منه ، لكن لماذا نكون نحن اصحاب انانية وحمية راس ونقبل لانفسنا ان نكون مجرد ادوات فاقدين للادراك في حرب الخنادق المدمرة او نكون مجرد مهرجين نتحزب لهذا الفريق او ذاك دون وعي وانما على اساس طائفي فقط ؟ لماذا نكون مأجورين او موتورين تحركنا الغرائز لا الحكمة والتعقل .
   علينا ان ندرك أن الذي يثير الفتنة ويأخذ تعليماته واوامر العمليات من مطابخ الفنادق والغرف المغلقة في الخارج ليؤسس لقتال الخنادق في كل زاوية من بلدنا ، ليس بمحب لنا – لا كشيعة ولا كسنة . ومن لا يستحي من استخدام المنابرالرسمية  والدينية لنشر الفحيح الطائفي ويستبيح الحرمات لاغراض انانية وبارذل الحيل ويسرق ويفسد ويرتشي لا يجب ان  ان يتبوأ اي موقع رسمي او ديني فهؤلاء بشر غير سويين  ويصعب حتى على مدارس علم النفس ان تصنف وضعهم النفسي … ولو كان المرحوم “فرويد” حيا لاحتار بهم وعجز عن تفسيرهم وعلاجهم ولسلم أمره الى رب العباد ….لذا فمكانهم ليس بيننا.. ويجب ان تطبق بحقهم المادة 4 ارهاب..لانهم اشد خطرا من ارهاب السلفي او المليشياوي فارهابهم يأخذنا ويأخذ مستقبلنا الى… الهاوية .

أحدث المقالات

أحدث المقالات