بعد أن حلت بالمناطق التركمانية من الأزمات المتتالية بعد الحروب القاسية في السنوات الماضية، تشتت الأفكار التركمانية بين أروقة المصائب التي تحل بمناطقهم ورموزهم وشعبهم ، والكل يسأل نفس السؤال: ما السبب وما الحل ؟
لقد مرت مناطقنا في تاريخها الطويل بأزمات كثيرة بل بنكبات عديدة كانوا يفقدون فيها تمكنهم في الأرض أحياناً, وأحايين كثيرة كانوا يفقدون أمنهم وطمأنينتهم! وأحيانا كانوا يفقدون ديارهم وأموالهم!.
وهكذا الفتن والمصائب والنكبات إذا نزلت بالأمم وحلّت بالشعوب! لكن التركمان في العراق لم تمر بتجربة أقسى ولا وضع مؤلم ولا واقع مشين أقسى من تجربتهم ووضعهم وواقعهم الحالي!
إليكم باختصار نماذج وأمثلة من نكبات وأزمات مرت بالتركمان على مر تاريخهم, ثم كيف اجتازوها وخرجوا منها, لنصل إلى أزمتنا الحالية, وما السبب في بقاءهم هذه الفترة الطويلة من الزمن دون مخرج؟!
فنبدأ بأزمة المجازر التي حصلت للتركمان في العراق وبالأخص مجزرة كركوك عام 1959 حينما أرادوا بمسح وجود التركمان من قلب توركمن ايلي كركوك حتى يتم التغيير الديمغرافي للشعوب النازحة الى المناطق التركمانية..
أزمة حادة ولا شك! التركمان صدموا بتلك المجزرة وكان أمامها عقبات كثيرة يطلب منهم أن تجتازها! ففعلوا بصبرهم واتحادهم وعزيمتهم لأن الأزمة التي قد مرت عليهم وانتهت! لكن منذ بدايتها وفي أول لحظة منها لم يخالج التركمان أدنى شك في أن النصر سيكون لهم وليس للشعوبيين هنا أو هناك!
والسبب هو أن صلتهم بترابهم وأرضهم وإخلاصهم لمبادئ شعبهم وصدقهم مع أنفسهم كان أضعاف أضعاف قوة أعدائهم !
والأزمة الثانية: قتل وإعدام الأعيان والمثقفين من رموز التركمان وذلك من قبل كل الأنظمة العراقية الحاكمة من العشرينات والى يومنا هذا! ولكن بدماء شهدائهم وعزيمة الخييرين تجاوزوا الأزمة وأنتصروا على تلك الأنظمة الفاشية.
والثالثة: التهميش السياسي والتجاهل التاريخي والتغيير الديمغرافي والجغرافي المستمر لمناطقهم بتوطين الغرباء في مدنهم وقراهم حتى يتقل أصوات التركمان وأعدادهم ونفوسهم في تلك المناطق. لكن في النهاية بقوا بعزيمتهم للدفاع عن مناطقهم لأن جذوة الآصالة الأغوزية كانت ما تزال حية في النفوس! وإن غشيتها غاشية من التواكل والسلبية أو الانشغال بشهوات الأرض. فما إن تحرك الأعيان ورجال التركمان وجاء القادة المخلصون الذين يردون الناس إلى الجادة بدعوتهم للرجوع إلى حقيقة الحق التركماني حتى صحت الجذوة واشتعلت!
نأتي إلى الفترة الحالية التي تمر بها التركمان في العراق!
هذه الأزمة التي يعانيها التركمان اليوم هي أقسى وأشد من جميع الأزمات السابقة من جهة, ومن جهة أخرى: طالت عن سابقتها وصار الناظر يرى أن الفجر بعيد.
عندما وقعت الحروب التي استمرت عقود من الزمن وجاء بعدها الحصار على العراق: كان التركمان قد شغلوا عن الهدف الرئيسي هو الثبات على الحق ومطالبة الحقوق المواطنة وواصابهم التواكل والتقاعس والقعود عن الأخذ بالأسباب!.
إن واقع التركمان في أزمتهم الحالية وفي بعض نكباتهم المعاصرة أشد من كل سابقاتها! لأن الأمل نفسه قد تزعزع في نفوسهم!.
هذا هو السبب !.
تخلخل اليأس في القلوب فأصبح الشك في صلاحية الحقوق! وحصل الانبهار بالأنفس وصار الإعجاب بإنجازات المنافقين, عادات الناس قد تغيرت, أخلاقهم تغيرت, سلوكهم تغير, بل دينهم تغير –والعياذ بالله-, خلت حياة الناس من الروح, وأصبحت الحياة كلها تقاليد موروثة يحافظ عليها من أجل أنها تقاليد، لقد عرف أعداء التركمان في هذه المرة: كيف يغزونا؟! لم يستخدم في هذه المرة القوة! بل استخدم ما يسمى بـ”الغزو الفكري والإعلامي”!وبدأ الوهن يتعشعش في قلوب شبابنا وأصابهم التواكل والتقاعس وفوق كل هذا حب الدنيا وشهواتها!
إنها أزمة حادة وأية أزمة!
أضف إلى ذلك بأنه لم يغب عن بال أعداء التركمان غطاء رسمي آخر! وتسألني ما هو هذا الغطاء الرسمي الآخر؟
إن صح التعبير: أوجدوا ما يسمى بالأحزاب الكارتونية والأفراد من بني جلدتنا الذين باعوا ضمائرهم قبل أعراضهم! أباحوا لأعدائهم حقوقهم واراضيهم وفتحوا لهم بيوتهم وسلموا أموالهم ومستقبلهم! خانوا التركمان وأهانوا شعبهم عليهم من الله ما يستحقون.
إنها حقاً أزمة حادة بل أزمات, يحمل همها أهل السياسة, ويحمل همها الأعيان المخلصون, ويحمل همها الشباب والرجال العاملون والصالحون الطيبون ويحمل همها النساء والأمهات, فالوضع بحاجة إلى تكاتف الجميع وشعور الجميع بالمسؤولية وأن نبدأ بإصلاح أنفسنا وبيوتنا وأن نهتم وأن نتابع أولادنا وبناتنا بكل دقة, ونزرع فيهم حب الدفاع عن حقوقهم والشجاعة في مواجهة الباطل والصبر والعزيمة والوحدة من أجل إرجاع كافة الحقوق المسلوبة ، ونزرع في قلوبهم الإيمان بالنصر حتى وان طالت زمن الأزمات فاننا نعمل من أجل مستقبل الأجيال ونسطر صفحة أخرى من صفحات تاريخنا الخالد في الحياة.