9 أبريل، 2024 9:08 ص
Search
Close this search box.

أروع كتاب في عام 2013: أنهار البصرة !

Facebook
Twitter
LinkedIn

منذ أقدم الأزمنة، إهتم الإنسانُ بالأنهار العذبة، وجعل الإقامة على شواطئها أمراً يصل إلى حدّ التقديس. وما تأريخ المدن إلاّ تسجيلٌ تاريخيٌّ للحياة بالقرب من تلك الشواطيء، وما أسطورة الفيضان بموروثها الأدبي المتواتر إلاّ إستعارة أدبية لمعنى ً رمزيٍّ أعم وأشمل. فجميع المواليد تخرج من فيضانها الأول حينما ينفلقُ كيسُ الحياة عن السائل المحيط بالجنين في رحم الأم. وبطريقة التشاكل الإفتراضي، أو التماثل البنائي، وهما طريقتان علميتان في البحث، يمكننا القول إن الأرض ومخلوقاتها قد وجدت بالطريقة نفسها. من ناحية أخرى، وهذا جانب نفسيٌّ لتلك الظاهرة، يبدو أن الذكور يشعرون بالحسد لمخاض الأناث، وهناك العديد من الأمثلة التوراتية والإنجيلية على ذلك، فخلق الأنثى من ضلع الرجل هو عكسٌ واضحٌ للحقيقة التناسلية، أو حتى الطبيعية منها في إستبدال الأعضاء، فكما تلد المرأةُ لبعلها، يكون من المعقول للرجل أن يعيد العملية معكوسةً عن طريق الحلم، وهذا هو الجانب الرمزي في الماء، فالمدمّرُ دائماً هو الذكر، والباقي بعد الفيضان رجلٌ واحدٌ ينجو بنفسه ليعيد عملية الحرث والنسل.
تلك هي أسطورة الخلق الذكورية، والأنثى فيها على الهامش. لكن هذا الكتاب الموسوعي، المصور الرائع الذي أصدرته جامعة البصرة مشكورةً بعنوان “موسوعة صور البصرة: أنهار البصرة”، باللغتين العربية والإنكليزية، هو عمل خلاّق شارك في إنجازه نخبة من رجال الجامعة ونسائها الأفاضل، وهو مفاجأة بكل المقاييس.
قالوا أبونا المسيسيبي، وقالوا أمنا الفولغا. وهنا نحن نقول أبونا شط العرب، وأمنا الخورة. يحتوي الكتاب على حوالى مائتي صورة نادرة في منتهى الروعة والأناقة، وما أن نفتح الكتاب حتى تطالعنا هذه الصورة للنهر العظيم، والبصريين الخالدين، والنخل العريق بهاماته التي تصل إلى عنان السماء، وبيتين أو ثلاثة بيوت من الطين يشع منها الدفء والإيمان، ذلك الدفء، وذلك الإيمان الذي فقدناه إلى الأبد. ماتت الأنهار، وصارت أرضاً للملح وبارود الحروب. بيع النخيل منذ سنين وصار البصريون يقسمون برأس النخلة العزيزة. سلاماً على خراب البصرة!
أنظروا جيداً إلى هذه الصورة في الصفحة الثالثة عشر، هل صحيح أن البصرة كانت كذلك؟ ما هذه الأناقة، وما هذا الهدوء الغامر؟ إنها حقاً الجنّة، جنّةُ الله على أرض العراق. من الصعب جداً أن نحيط بهذا الكتاب البانورامي بعجالة، فهو رحلة موفقة بالعدسة، في الزمن القديم والجديد، وللقاريء أن يرى بنفسه ويقارن، كيف كانت البصرة، وكيف هي اليوم. سارت البصرة من النقاء الخالص إلى سواد الحروب، تلك الفتاة البريئة التي مازالت عذراء حتى اليوم. ترى بيوتاتها، ومآذنها، ومساجدها، وشوارعها… ثم لك أن ترى ناسها الميامين.
كل الشكر لجامعة البصرة ممثلة برئيسها، الأستاذ الدكتور ثامر أحمد حمدان، الذي رعى هذا العمل وأنفق عليه. ثم الشكر مضاعفاً لمن وضع هذا الكتاب بين أيدينا وسهر عليه: الأستاذ الدكتور أسامة حامد يوسف، والدكتورة هالة فتحي السعد، والسيدة سحر أحمد السعد- ولولا متابعة السيدة سحر للعمل مع الفنان المبدع هاني كاظم، لما خرج بهذا الإتقان. كما إن الشكر خاص للأستاذ الكبير الدكتور علي العطار، طيب الله ثراه، الذي لم يمهله الموت لرؤية بذرته العلمية الصالحة في هذا الكتاب، فرحل مبكراً. كما لا ننسى الأديب الدكتورعامر السعد، المدير السابق لمركز دراسات البصرة والخليج العربي الذي تبنى مثل هذا العمل الضخم. الشكروافر لهم جميعاً.
هل نقول مباركون إن واصلتم السير على هذه الخطى الأكيدة؟
مباركون إن شاء الله

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب