19 ديسمبر، 2024 12:07 ص

يبدو ان وزارة الداخلية صاحبة الجهد الكبير والعمل العظيم، وبسبب الارتفاع البياني لنسب الاعمال الارهابية والتفجيرات التي ضربت المدن العراقية منذ ستة اشهر ولغاية اليوم، قد أختلط عليها الامر نوعا ما، اختلاط الخيط الابيض بالأسود، فتشابهت عليها وظيفتها رغم أنها لا فارض ولا بكر، فحاولت ان تصدر بيانا تدين فيه وتستنكر التفجيرات، وتتعهد ببذل وافر المجهودات أكبر لصد تلك الهجمات، مع اعتذار يوضح حسن النوايا لذوي الضحايا عن اخفاقها وفشلها المتواصل في حماية ارواح المواطنين، ولكنها وبدلا عن ذلك اصدرت بيانا أدبيا بعبارات منمقة وكلمات بليغة وصفت فيها شوارع العراق بأنها (ساحة حرب) قد (أستأسد) فيها الارهابيون الـ(أشباح)، ضمن (سياق حرب السجال الجارية) بينها وبين القاعدة!.
بالتأكيد، أن الحرب الدامية اليومية بين القاعدة ومجاميعها التكفيرية والتحريضية والايادي الشيطانية والاموال الخليجية، مع الاجهزة الامنية بكافة منتسبيها من مفوضين وملازمين ومواطنين ابرياء من شيوخ ونساء، هي حرب ضروس وفتاكة بل هي الاشد فتكا في أرجاء المعمورة خلال العصر الحديث، وهي حرب تفوق ــ دون أدنى شك ــ قدرات وامكانيات وزارة متواضعة وحديثة العهد بمثل هذا النوع من الحروب لاسيما وأنه قد أتعب دولا ذات امكانيات عسكرية كبيرة واجهزة مخابرات متطورة، إلا ان أن تقوم وزارتنا بإصدار بيان تم نسجه نسجا ادبيا جميلا، وحيك حياكة ماهرة، لتعزي العراقيين بضحايا جدد، فهو أمر غريب لا يمكن ان نفهم سبب التأنق الادبي في مناسبة حزينة إلا إن كانت الوزارة تنوي زج نفسها في مسابقة للشعر أو مهرجانا للخطابة الادبية، لدرجة أنها تعبر عن امتعاضها عن برود العلاقة بين القاتل والمقتول لان القتل يحدث بـ (دماء باردة وبلا مشاعر) مثلما تعلن ذلك، أو على الأقل لو اردنا انصافها وعدم التقليل من شأنها فأنها ــ وبحسن بادرة منها ــ أضافت همّا على همومها وواجبا فوق واجباتها المتشحة بالرصاص ومطاردة المجرمين واعتقال المخربين، وهي تحاول مساعدة طلبتنا الاعزاء وشبابنا المثقفين لتراجع لهم دروسهم والمعلومات التي تلقوها في مدارسهم، عندما حاولت ان تذّكر العقول الشبابية بمعلومة أدبية قيمة ومهمة جدا تتعلق بديوان شعري عنوانه (ارواح واشباح) للشاعر المصري، الغني جدا عن التعريف، (علي محمود طه المهندس) كونه أحد أهم وأبرز أعلام الرومانسية العربية، بعد أن وصفت الارهابيين بالأشباح الذين يسفكون الدماء ويزهقون الارواح!.
الداخلية في بيانها (أو نصها الادبي)، وبعد ان صالت وجالت في ميادين الادب والبلاغة العربية، وشمرت عن ساعديها المفتولين، وشهرت سيوف العلم والمعرفة الرائعين، وهي تسوق الاوصاف والنعوت بحق الانتحاريين ومنفذي التفجيرات الارهابيين، لم تتناسى ان تمر مرور الكرام على التأكيد على مسألة مهمة جدا وهي الاعتماد على جهد المواطن في التعاون معها للإبلاغ عن أي حالة مشتبه فيها، وهو أمر لا بأس في سبيل تحقيق الاهداف العامة، ولكن ينبغي أن لا يتم الاعتماد الكلي على المواطن البريء كونه ليس ملما بالثقافة الاستخباراتية وطرق حصد المعلومات وتجميعها وربطها مع بعضها البعض للخروج بحصيلة نهائية تسهم في رصد الاهداف المتوقعة والمشبوهة، لكن يبدو أنه قدرنا ــ كما تؤكد الداخلية ــ ان نستمر باليقظة والانتباه والحذر حتى (نظفر) بالمعركة، مثلما هو قدرنا ان نحرص على حفظ هذه البيانات الادبية كونها كتبت بماء ذهب الداخلية وقلم (باركر) المخابرات الوطنية !.