لا يستعمل محمد أركون في كتاباته عبارة عقل عربي و لا سياق عربي و لا عبارة و لفظ و مفردة عربي..
كما يفعل الجابري و هو أي الجابري لا يريد منها نزعة قومية ضيقة بل يريد أن يتكلم عن لسان عربي نزل به القران و غلب على الثقافة الاسلامية المدونة و الحضارة العربية الإسلامية التي ألهمت الإنسان المسلم بل يدرج التراث الذي كتبه غير العرب من المسلمين معتبرا إياه تراثا عربيا…
لذلك ترى بعض إخواننا الشيعة و غيرهم ممن يسمون حداثيين عرب من نخب و منهم بعض المراجع الدينية الشيعية الذين يرسخ في وجدان بعضهم و ثقافتهم البعد الهوياتي القومي الفارسي و التمايز العرقي المختبئ و لو ضامرا و خفيا يتطلب جهدا حفريا ليبرز ..
بل منهم شيعة عرب ينحون هذا المنحى فيبجلون و يفضلون أركون على الجابري على خلاف ما فعل محمد يحي الذي فهم الجابري و قدم له قراءة تحليلية نقدية ناضجة و معتدلة ..
قلت تراهم يفضلون أركون رغم علمانيته الصلبة و نزعته التي تقول بالتكوين البشري للإسلام و استخفافه بالتراث و تبعيضه و تبجيل تفضل بعضه على بعض و عدم التجذر فيه و اثار عدميته الخفية..
في حين يجهر الجابري بمقولته الشهيرة الديمقراطية بدل العلمانية و يعتبر العرفان نظاما مستقيلا و هو الذي أقلق نخب مراجع الشيعة كثيرا والتيارات العربية التي تسمي نفسها حداثية…
في حين يبدو أن أركون يتوجس و يحذر من استعمال مفردة ” عربي ” تضامنا مع اللاعربي و تحديدا تضامنا مع القضية الأمازيغية ليس في وجهها المعتدل بل المزيف و التي أشار إليها تلميحا في مواقع عديدة بتضامنه معها على نحو يحيلنا على طبعتها عند الأكاديمية البربرية بفرنسا و منها كتابتها بغير التيفيناغ بل بالحرف اللاتيني و هو من غير شك بدافع عرقي كما ينظر هو إليه …
أركون يتوجس من المكون العربي محاولا تارة إخفاءه و أخرى يغلبه فيجهر به متذبذبا كما تعود تشده الرغبة في الإفصاح عنه جهرة لولا مناخا عاما قد لا يخدمه و يصنفه و يعترض انتشار أفكاره ..
و هو يعتبر الثورة التحريرية الجزائرية حربا أهلية كما صرح بذلك في محاضراته دون تردد…
كتب أركون كتبه الأولى مستخدما عبارة عربي و أحيانا عربي إسلامي و أخرى إسلامي…
و يبدو أن أركون لم يكن يرى أن هذا الأمر سيعترضه كإشكال معرفي و فلسفي و إناسي فتردد بين الإستخدامات الثلاث..
و قد يتوهم القارىء أن الإشكال مرده للفرق بين مادة و مفهوم عقل و فكر و اذا كان هنالك من دقق في مدخله المنهجي لأعماله مستدعيا ” لالاند ” و موسوعته حول مادة عقل او حديثه عن العقل المكون بفتح الواو و أخرى بكسرها و كذلك العقل كمحتوى و العقل كأداة فهو الفيلسوف و المؤرخ محمد عابد الجابري …
كان محمد أركون يطمح إلى تغطية الفضاء العربي السني والفضاء الشيعي و مجاملة التيار القومي العروبي الذي كان ذلك سياقه و زمن تناميه ..
و مع خلو قامة سامقة فلسفية عربية في هذه الفضاءات من مثل محمد عابد الجابري لم يطرح إشكال عقل عربي أو عقل إسلامي عند محمد أركون صراحة و بإلحاح حتى ظهر مشروع العقل العربي و نقده عند محمد عابد الجابري ..
و يبدو أن التميز و التدقيق الذي ظهر لاحقا عند أركون و من يسوقون لخطابه لا علاقة له بإشكال معرفي و فلسفي و ايبيستمولوجي وعلم إنساني بل بنزوع شخصي و شخصاني أظهره أركون ثم وجد فيه أريحيته لأنه يسعفه في كسب عاطفة نخب و مراجع الشيعة و احتواءهم و يخدم موقفه من اللغة العربية الذي لا يظهر إلا من خلال موقفه من الأمازيغية بطبعة إستلابية و مفاصلاتية متوترة كما تتبناها جهات غير وطنية و غير معتدلة..
و من ثمة لا غرابة أن تجد من الشيعة ومن مراجعهم من يؤمن بالدولة الدينية من جهة و بمقولات و فكر محمد أركون من جهة ثانية و هو تناقض رهيب و صارخ..
نقف على هذا الإضطراب و التذبذب ثم التأكيد على عقل إسلامي في كتب أركون الأولى الى اخر كتاب نذكر منها كتابه ” الفكر العربي ” سنة خمس و ثمانون و تسعمائة و ألف و كتابه من قبل حول ” الإنسية العربية ” في السبعينات من القرن الماضي …
ثم ” تاريخية الفكر العربي الإسلامي ” سنة ستة و ثمانين و تسعمائة و ألف ثم بعد سنة كتاب ” الفكر الاسلامي:قراءة علمية ” اين يستعمل عبارة ” فكر إسلامي ” لتجد طريقها مع ” عقل إسلامي ” ” ساق إسلام ” بعد هذا الكتاب مثل كتابه في سنة واحد و تسعين و تسعمائة و ألف الموسوم “من الاجتهاد الى نقد العقل الاسلامي” وفي هذا العنوان تبرز عبارة ” عقل إسلامي ” ..
مع العلم أن أول كتاب للفيلسوف محمد عابد الجابري في سلسلة نقد العقل العربي و هو كتابه ” تكوين العقل العربي ” يعود إلى سنة اثنين و ثمانين و تسعمائة و ألف أي قبل صدور كتاب أركون الأول الذي سطع بالنعت الإسلامي و هو كما سبق ” تاريخية الفكر العربي الإسلامي ” أي أن مشروع الجابري هو من حرك هذه المسألة طلبا للتميز فقط و هو ما نشهده غالبا في الحساسيات النفسية ذات الطابع النفسي عند المفكرين و الفلاسفة و المثقفين الكبار ..
ثم كتابه الموسوم ” نزعة الأنسنة في الفكر العربي.جيل مسكويه والتوحيدي ” اين عاد الى استخدام عابر لعبارة ” فكرعربي” ثم عادة ليستدرك مستبدلا فكر عربي بعبارة ” السياق الإسلامي ” في كتابه ” ” معارك من أجل الأنسنة ” في السياقات الإسلامية…
” ثم كتابه الموسوم ” نحو نقد العقل الاسلامي ” ثم “الأنسنة والإسلام ” ثم ” تحرير الوعي الإسلامي ” سنة إحدى عشر و ألفين ليستقر على استخدام نعت ” الإسلامي ” ملحقا ب” العقل ” و ” الفكر” و ” السياق ” فقط تميزا و تبريرا للإختلاف مع المشروع الكبير والهام لفيلسوف العرب و المسلمين محمد عابد الجابري ..