منذ ان نشر الاسلام لواء العدالة في ربوع المعمورة وكل شيء يُشرّع من أجل مصلحة الانسان، أيّ انسان بغض النظر عن ديانته او عرقه أو لونه وجنسه، ومن بين تلك الاحكام التي شرّعها لأجل المصلحة العامة هو تشريع [ الارض لمن أحياها ] واستمرت الحياة على هذا المنوال حتى الى وقت قريب وفي زمن النظام السابق كان معمولا بهذا التشريع من خلال قانون [ الارض لمن يزرعها ]. ولا اعلم سببا حقيقيا وراء هجرة الارض وتركها بوارا في عصرنا الحاضر سوى تهاون المشرّع العراقي في تطبيق القوانين وعلى رأسهم وزارة الزراعة.
ان على الحكومة الجديدة – اذا كانت جادة في الاصلاح – ان تضع ضمن خطتها الرئيسية لأجل النهوض بالجانب الاقتصادي للبلاد هو الاهتمام بالواقع الزراعي اهتماما حقيقيا وليس ترقيعيا أو مجرد كتابات انشائية من خلال الكتب الرسمية والمخاطبات الرنانة التي لا فائدة حقيقية منها، وعدم الاعتماد على المستورد من المحاصيل الزراعية من الخارج بل ولابد أيضا من فرض الضرائب على المحاصيل المستوردة للحد من استغلالها من قبل التجار والمافيات الاقتصادية.
فوزارة الزراعة العراقية ومنذ التغيير عام 2003 الى الان، إنها تفتقر الى ادنى مقومات استمرارها كوزارة بين الوزارات العراقية لكونها لم تقدم شيئا للبلاد سوى الخسائر والمصاريف المالية والرواتب المدفوعة لمنتسبيها! فقد تسببت الوزارة ليس بهدر الاموال على موظفيها فحسب بل من خلال عدم وجود قوانين حقيقية تهتم بالشأن الزراعي في العراق، أو من خلال عدم تطبيق القوانين بصورة صحيحة – إن كانت هناك قوانين – عبر المحسوبية والمعرفة الشخصية والوساطات تارة وعبر الرشاوى بين بعض الموظفين من اجل غض النظر تارة اخرى. فعلى سبيل المثال، نجد ان أغلب الفلاحين اصبحوا (شيوخا) ولا يوجد فلاح واحد! نتيجة لاستغلال الفلاح القروض الممنوحة له من الدولة من خلال تقديمه عقدا لأجل زراعة ارض معينة فتصرف له الدولة سلفا مالية أو منْحهُ سيارة (حمل) بيك آب اخر مويل (تسمى – زورا – سيارة حمل)، فاشترى منزلا فخما في المدينة وارتدى (قاطا) و(عباءة) وصعد سيارته وراح يجول المدن والارياف بحثا عن العزائم والولائم في مجالس الفواتح أو الاجتماعات العشائرية (المشية) أو (التحويلة)! ونسي هناك ارضا وقرضا ينتظرا التسديد منه لقاء زراعته للأرض وتصدير المحصول للدولة ، لكن هذا لم يحصل بل الذي حصل اننا خرجّنا جيوشا من الشيوخ المتسكعين هنا وهناك.
والسؤال الذي يطرح نفسه، ماذا نفعل بفلاح لديه مئات بل آلاف الدونمات ولم يقدم حبة حنطة واحدة للبلاد؟ ولدينا آلاف الخريجين والعاطلين عن العمل! أليس الاجدر بالحكومة أن تأخذ تعهدات خطية من الفلاحين لإحياء الاراضي الزراعية وبخلاف ذلك سيصار الى طريقين، اما ان تصادر الاراضي الغير مستغلة من قبل الفلاح بموجب قانون [ الارض لمن يزرعها ] أو تأجيرها – اذا لم تشرع قوانين لمصادرة الارض البور – لأفراد أو هيئات أو مستثمرين ولو بأسعار رمزية يدفعونها في خطوة لتشجيع الزراعة المحلية والنهوض بالواقع الزراعي ولغرض استغلال هذه الاراضي من قبل الدولة متمثلة بوزارة الزراعة وسينتج عن هذه الخطوة انتاج المحاصيل الزراعية التي تساهم في رفد الاقتصاد الوطني، ذلك من خلال الاستخدام الامثل للمياه والبدء باستخدام الطرق الحديثة كالري بالتنقيط او الرش وغيرها من الطرق التي تستخدمها الدول التي لا تمتلك انهارا كما هو الحال في بلادنا. فبدلا من ان نستورد جميع الخضر والفواكه، نسد ولو شيئا يسيرا من حاجة البلد، وكذلك يمكننا زج العاطلين عن العمل والباحثين عن الوظائف الحكومية بهكذا مشاريع من خريجين ومهندسين زراعيين وايدٍ عاملة كثيرة يمكن ان تدخل في هذه العملية الانتاجية التي لا تكلفنا سوى ان نترك المجاملات والوساطات والرشاوى والعمل بجدية لإستعادة الهيبة والخير والبركة لإرض السواد.