23 ديسمبر، 2024 12:11 ص

قصة قصيرة
موجع أنت أيها الناي! أتراني أنفخ فيك روحي ام استطعم وجعك لأخرجه أنينا اوزعه آهات في شارع الرشيد؟ يا ويحي! كم تذوقت أرصفته من أقدام، أجساد، أنفاس من هاموا بوجد عشقه؟ معبد تصوفوه، راق ذلك زرياب، الموصلي وما زادهم ابو النؤاس سوى خمرة معتقة رامها أعمدة مرصوفة كشواهد عصر الملذات… كنت حينها استذوق الشاي عند من يحج إليه الكثير من عازفي الآه، بعضهم يعزفها بآلات وآخرين كتابة مفردات… كنت من بين الذين يعشق صخب دويهم عندما تفوح رائحة المقاهي تلك التي تضج كخلية نحل على نتاج معالم المستقبل وإن كان كفيفا لا يستدل إلا من خلال سطور رسمت له بطريقة بريل، يتلمسها ثم يترك تذوقها الى أذنيه اللتين تستقطب عزف الناي…
من بين ضجيج أبواق السيارات واصحاب العربات مع لوثة جنون أمسك الناي.. أمرر أصابعي على حفر نالت في ذات مرة نعشا دفن فيها الوطن إسمه فخزنته بكل لغات الوجع… ألوذ انا بقربها تجرني حيث أعانق شفاه ما فارقها الحزن، أقتبس كل العناوين بأفراخها، أوزعها على لساني اقذفها في يمه… يغرق بالحزن من يرومه وينقذ من يريده أن يكون ناجيا بألم… تزحف النفوس حيث صدى الحزن تلعق الخطوات التي مشت أزقة بغداد الضيقة وهي تشم عبير بيوتات،همهمات فتيات وشباب يرومون عذرية العواطف… يدلف خلسة يطرق أبواب قلوب التصقت بمن رحلوا، يُعيد توزيع ألم ذكريات نُذُرها الدموع، يُسقي قلوب لا زالت تضيق بحرارة اللوعة.. لا يسكن عند مفترق طرق أو زمن، همه أن يرضي غاية جائع بكسرة خبز، فلكل نصيب من ألم، فإن لم تصدق فأذهب الى المقابر تشهد ان البكاء أكثر من الضحك.. ما اجمل النحيب عندما يعانق الجرح يلكزه، يدميه، يُقَرِحَهُ، يجعله ترجمان حال، هكذا هي جدران أزقتي والمقاهي التي غطتها غمامة الوحدة رغم الصخب، إنه بإختصار عشق المآتم الذي لا يفارقنا، حتى وإن كنت وحيدا يطرق بابك يغريك كي تبكي، تنحب على ماض تولى، سادتي يقول: إنكم جيل يهوى الأنين، يموت من أجل باقة حزن تفوح بنداها دموع سوداء، تخرجها كي تصبح عناوين عراقية… يا الله!! ما أكثر حزننا، طيبتنا، عذاباتنا، إيماننا، نفاقنا… هاهو شارع الرشيد يقص حكاياته على أرواح نهجت القيم عبارات يستذكرها الرصافي حتى تحجر، كثيرا ما تطلعت حيث ينظر وأتساءل اهو ينظر الى الغبار المتطاير عن أثار من رحلوا… أم يجد في البعيد بصيص أمل. الثقافة تقتل في وطني، يبوح الرأس الخاوي عبارات الجهل فَتَديَنها الناس، بل صارت مساحيق لا بد ان تلبسها لتغطي عناوين الشرف، الغيرة، الحق… كفاك شكوى يا ناي ما عدت استطيع اتنفس ما تقول كيف أستطيع ان اعيد صياغة ما قلت؟ ستكون نهايتك لاشك، فبراكين همومك تثور تقلب الموازين رغم أني أؤكد لك أن لا شيء يتغير فحال وطني كبقايا نفايات من يقبع بك وعلى ارصفتك ليبيع من اجل ان يعيش لا من أجل ان يعيد البناء، أو يبدع ليحيا… سيدي الناي كف عن حزنك، أطرب حيك بما لا يطرب ناسه، فحالهم دق الدفوف والنهي عن المعروف، سيدي الناي إرحل بذكريات حيث دجلة دعها تنحب تفيض جوانبه، دع المتنبي يصرخ أنا الذي نظرت دجلة وياليتني ما نظرت! كلهم باتوا حجارة لكنهم ليسوا أرباب، فالرب في وطني لديه من حاشية تعزف له الرتم السريع، دفع بعاصمة الرشيد كي تكون داعرة كافرة، بعدها يذهب ليقصي كهرمانه عن السقي، يظمئ أهلي وناسي… يعيد الخريطة كي لا تنكشف الحقيقة.. ها انا أنهاك ومن ثم أطلب منك ان تجرح بشجونك مقل من يشعر بالوطن، يتحسس عبارت الحب، الإنتماء، الولاء، الطيبة كم انت مسكين يا وطني وثقت بمن توسمت بهم أنهم من ملتك ونسيت أن شر المِلَل هي من بني جنسك فلا حسد يأتيك إلا من بطن جائعة، هيا دعني اعود حيث روحي تلك التي تعشق السير بين اعمدة شارع الرشيد، تقرأ ملصقات الحرية… تسمع الشعر عند ابواب المقاهي ..آلاف القوافي تغني بها الزهاوي والجواهري البياتي السياب… سحقا لقد محيت ذاكرتي كما اردوا لها، تقمصوا بيوت الله، اشاعوا أن الشعر حرام، العزف حرام ونسوا أنهم يتراقصون بالطبل والمزمار في ملاهي ليلية كجماعة صالح حين نهاهم فعقروا الناقة… فكانوا كالرب دمدموا علينا حتى اسودت وجوهننا فخزينا إرتدائها كتبنا ولوناها بعبارات التغيير والديمقراطية… كن من تريده ان تكون إلا أن لا تكون مثقفا.. كن داعرا، فاجرا، لصا، قاتلا، أرهابي، فقط لا تكن مثقفا.. فالجهل يا أيها الناي بضاعتهم يتاجرون بها بمناسبات باتت أكثر من ذكر الله، بتنا يا نايي الحزين نرشف الوجع مثل الشاي نحتاج الى تلك اللسعة على الشفاه كعذاب الجسد، كعذاب النفس تلك التي ما ان تنتهي من حزنها حتى تتوق الى فجورها فكأنهم ألهمونا فجورنا وتقوانا…. ماذا أقص عليك وأنت ترافقني مذ كان وطني يسمى عاصمة الثقافة، السلام، الحضارة، التأريخ… كنا قبلة كما هي الكعبة، بتنا جدار لرمي جمرات الشياطين أحاطونا بجدرا من وهم، وإن لم نجده نشتريه نجلس الى جواره، أظنك تشعر بما اقول لك.. أليس كذلك؟ أنظر الى الليل ها قد جاء، تركوا بقايا متاعهم فوق ارصفتك عاثوا بزواياك، أمسيت ممرا لشاربي الخمر، إليك ذاك ما ان الضياء دس يده في جيب الظلام حتى اخرج معتق الخمر يحتسية لينتشي، أو لينسى أنه إنسان، يا لجنونك أتريد ان تبقى لتتذوق حكاياهم.. تتصفح وجوه غارت عينوها كالقبور… تطمس أحلامك تلك التي اغتصبت خلف أبواب مفتوحة لأن لها اجنحة تطير بها حيث الحرية… ثم عروها، أدعو بأنها غانية بلاد الرشيد… تستمني الحمقى، تغتصب الدين فلابد ان يقام عليها الحد… الرجم، هو ذاك العقاب وعلى الزاني ثمانين جلدة وربما مئة… فنحن في وطن المحرمات.. وطن الدين خط احمر، إن لم تكن مع فأنت ضدي… فأنا وأنت يا صديقي شياطين ماجنة حمقى حلت علينا لعنات أبليس حتى بتنا مثل جدران الوطن.