تنفتح السياسة التركية الخارجية على احتمالات مصيرية ،ترتبط بالاستراتيجية الاردوغانية ،التي وضعها منذ اكثر من عام ، وقد اتضحت رؤياها ،عندما اختلف مع رفيق عمره ،السيد دواود اوغلو رئيس الوزراء، وضحى به من اجلها ، وكانت هذه الاستراتيجية ،هي استخدام المواقف المتشددة ،تجاه القضايا المصيرية ،وعدم التهاون بها ، وعدم اعطاء فرصة للمقابل ،ان يستغل مبدأ التراخي والصبر الطويل ،واستخدام الحكمة في غير محلها، مع من لايفهم قدر الحكمة ، وهكذا تنحى الرجل الطيب المتواضع دواود اوغلو ،ليذهب في رؤيته وإستراتيجيته المتشددة حيال غرمائه في المنطقة ،ممن اراد لتركيا الانزلاق في الحرب على الارهاب داخل سوريا ،والغوص في مستنقعها هناك، تماما كما فعلوا مع ايران، وغاصت الى اذنيها في المستنقع العراقي، وعندنا احداثا تؤكد ،الضغط على اردوغان وتركيا لتوريطها في الحرب
فإختلقوا ازمات منها اسقاط الطائرة الروسية ، واعلان حكم ذاتي لاكراد تركيا ،على الشريط الحدودي مع سوريا ، ومن ثم التفجيرات الدموية التي اجتاحت عموم ولايات تركيا، وآخرها تفجيرات مطار اسطنبول الدولي، وهكذا استراتيجية اردوغان تجاه الارهاب، الذي تقوده وتصنعه ايران في المنطقة كلها ،بدعم واشراف وتخادم امريكي واضح، لزعزعة امن واستقلال المنطقة، وادخالها في اتون الحرب الاهلية الطائفية ،وتقسيمها حسب نظرية برنارد لويس الى كانتونات طائفية وعرقية وإثنية ومذهبية ، كل وفق مشروعه ومصالحه في المنطقة ، وهنا افلت اردوغان بذكائه وحنكته ، وتشدده الايجابي حيال مصالح شعبه ومستقبله، فجاءت خطوته التالية ، الانفتاح على الجميع ، والتصالح مع الجميع، وتفويت الفرصة على الجميع ،وهنا تظهر حنكته السياسية ،عندما ترتبط بمصير شعب وحياة امة ، ولتفسير الخطوات المفاجئة التي اقدم عليها السلطان اردوغان ،في تصالحاته السياسية مع الكيان الصهيوني وروسيا وسوريا ،وربما الخطوة القادمة مع ايران، ليقدم لنا انموذجا ، في كشفه اللعبة الامريكية-الايرانية القذرة في المنطقة ،فكيف ولماذا فاجأنا اردوغان بهذه الخطوة الاستثنائية، في وقت واحد ،
ولماذا بدأها في هذا التوقيت،، وما هو تأثيرها على مستقبل المنطقة وتحالفاتها العسكرية والسياسية ، ان خطوة اردوغان هذه جاءت في وقتها الصحيح، بعد بلغ السيل الزبى ،والسعير الامريكي والايراني على اشده في كل من العراق وسوريا، بعد ان انحسر الارهاب الداعشي ،وتقهقرعناصره وتقلصت الارض التي يسيطر عليها ، بفضل دماء ابناء العراق وسوريا، فالضغوطات الايرانية والنفوذ الايراني في العراق بلغ اشده، من خلال الميليشيات التي تأتمر بأوامر المرشد خامنئي، والحرس الثوري وفيلق القدس وإحتلاله للعراق بشكل علني،والتي لم تخفها ايران، والاعداد الكبيرة من قتلى جنرالاتها وجيشها وحرسها في كل من العراق وسوريا تؤكد هذا ، اضافة الى ان اذرع ايران واحزابها ،هي من يدير العملية السياسية في العراق ، والتي ادخلتها في نفق الصراعات السياسية والاحتراب السياسي، والاقتتال الطائفي ، فلم تبق كتلة أو حزب الا وشقته،وهي الان تعمل جاهدة لشق صف الاحزاب الكردية،
بدعمها حزب الاتحاد الوطني والتغيير وتحرضهما ضد الحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة مسعود البرازاني ،لكي تعيد احداث عام 1996، ،كما انها تدعم وتسلح حزب العمال الكردساتي في كل من تركيا والعراق، لزعزعة الامن القومي التركي، اما في سوريا فاللعبة الامريكية –الايرانية ضد تركيا بلغت حد حظ الرئيس الروسي لدعم حكم ذاتي على حدود تركيا ،مما يجعل العلاقة التركية-السورية في حالة حرب حقيقية دائمة ، وهكذا وضعوا تركيا في زاوية حرجة فما كان من اردوغان الا ان يقلب الطاولة عليهم جميعا ، ويذهب الى اصعب الحلول واقساها ، فاعلن التصالح والتطبيع مع اسرائيل ، والاعتذار من بوتين والتصالح مع روسيا ، والانفتاح على سوريا تمهيدا لتطبيع العلاقات السورية –التركية ،ماذا يعني هذا غير الدهاء التركي، في افشال مخططات لتدمير المنطقة ومشاريع استعمارية جديدة ، واعادة تشكيل المنطقة لمعاهدات مهينة على غرار سايكس-بيكو، التي تنتهي مئويتها هذا العام ، ان مبادرة اردوغان لها ما يبررها ،بغض النظر عن المصالح العربية التي ترفض التطبيع علنيا مع اسرائيل، وتقيم اوسع العلاقات التجارية والثقافية والعسكرية من تحت الطاولة ، لقد كان اردوغان جريئا وواضحا وصادقا مع شعبه، واضعا مصلحته ومصيره ،وحقن دماء ابناءه،فوق أي اعتبار ، لان الدم التركي غال عند اردوغان فقدم تنازلات ،قد يعتبرها البعض مهينة ، ولكنها في الواقع تنازلات مشرفة اذا ما قابلها دم ابناء الشعب التركي،ومستقبل تركيا، لاسيما وان تركيا الان بقيادة اردوغان قائد التحديث الاستثنائي التركي في كل المجالات ،
والتي تعتبر تركيا الان في مصاف الدول المتقدمة، اقتصاديا وعسكريا واجتماعيا وصحيا وتربويا، فلا يريد اردوغان ان يضيع فرصة، ان تكون تركيا امبراطورية عظمى كما كانت واعادة امجاد الامبراطورية العثمانية ، خاصة بعد ان تجاهلتها اوروبا والاتحاد الاوروبي ، والقرار الالماني بادانة الابادة الجماعية للارمن في تبرير سخيف، لابعاد تركيا عن الاتحاد الاوروبي، كل هذا الاسباب جعلت من قيام اردوغان بمبادرة تاريخية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى ، لاعادة الدور التاريخي لتركيا بوصفها بيضة القبان في المنطقة،والرقم الصعب له ، والذي لايمكن تجاهله ابدا، فامريكا لها مصالح استراتيجية وتحالفات استراتيجية مع تركيا ،وقاعدة انجرليك العسكرية تعتبرها امريكا ضرورة عسكرية لحماية مصالحها في المنطقة، اضافة الى ان تركيا هي مؤسس للحلف الاطلسي،الذي يعتبر تركيا صمام الامان لوجوده في اوروبا والمنطقة ،اذن كان لابد لاردوغان ان يقدم على هكذا مبادرة لافراغ وافشال الدور التخريبي والتدميري،
وسحب البساط من تحت اقدام امريكا –ايران في المنطقة، اذا ما علمنا ان روسيا بوتين انسحب وانحر دوره في سوريا بعد ان ضمن دورا استراتيجيا ،لضمان مصالحه هناك، وان روسيا لاتتكامل مع ايران،وانما تتكامل اقتصاديا وعسكريا مع تركيا واردوغان تحديدا،وان العلاقات التركية-الروسية ستقلب موازين المنطقة لاحقا،بعد انحسار الدور الامريكي والايراني الذي لوث المنطقة وادخلها في حروب عبثية، وتشجيع ودعم التنظيمات الاسلاموية المتطرفة كداعش والميليشيات وغيرها، انا اعتقد ان الظاهرة الاردوغانية ،سوف يكون لها انعكاس على العرب، لاسيما وان تركيا-اردوغان هو احد اجنحة التحالف الاسلامي العسكري ،الذي لم يبرز له دور لحد الان ،لقد فضح اردوغان المؤامرة الامريكية-الايرانية ، واجهضها في وقتها ،قبل ان تستفحل وتصبح ظاهرة لايمكن القضاء عليها ، وبهذا يكوناردوغان قد ضرب عصفورين بحجر، او ربما اكثر من عصفورين ، ان نتائج مبادرة اردوغان ،ستظهر قريبا جدا وهي عامل استقرار للمنطقة ،وليس عامل اشعال حرب طائفية وقومية واثنية ،كما تريدها واشنطن وطهران ……