19 ديسمبر، 2024 12:02 ص

أردوغان.. وهواجس الخوف والذعر من حلول عام 2023 ؟

أردوغان.. وهواجس الخوف والذعر من حلول عام 2023 ؟

بعيداً عن استخدامنا للمصطلحات السياسية من أجل تشويه صورة العدو وتحطيم معنوياته يجب علينا أن نعترف نحن الكورد، أن عدونا التركي الطوراني المحتل لشمال كوردستاننا أقام قبل سبعة قرون نظاماً سياسياً للحكم غلفه بغشاء الإسلام وسلط به على بلداناً عديدة في ثلاث قارات متباينة وهي آسيا، وإفريقيا، وأوروبا. ومما لا شك فيه، أن نخب الأتراك السياسية اكتسبت خلال هذه القرون العديدة فن إدارة الدولة، وكيفية مسك العصا من الوسط، وإدارة الأزمات التي تعصف رياحها بين حين وآخر بالكيانات التي تحيط بكيانهم غير الشرعي من كل جانب، فلذا استطاع هذا الكيان المصطنع من الاستمرار رغم أنهم مرفوضون من شعوب المنطقة وفي عداء دائم معهم منذ اليوم الأول لمجيئهم من طوران إلى المنطقة التي صارت تسمى تركيا، على سبيل المثال وليس الحصر، في الغرب حيث جمهورية يونان، لا زالت تعتبر إسطنبول محتلة ومحافظة سليبة من قبل الأتراك الطورانيين. وهكذا جمهورية بلغاريا إنها في خلاف وتوتر دائمين على حدودها مع تركيا وذلك بسبب تدخلات تركيا السافرة في الشأن البلغاري، لقد وصلت درجة التصعيد والتوتر بينهما جعل الرئيس البلغاري أن يتهم تركيا علناً بالتدخل في شؤونها. وهكذا الأمر مع جارها الجنوبي جمهورية سوريا التي تعاني من تدخلات تركيا في شأنها الداخلي منذ تأسيسها عام 1920. وكذلك الأمر في العراق أيضاً حيث لا زالت القوات العسكرية التركية تحتل أجزاءاً من أرض العراق. وفي تسعينات القرن الماضي احتل الأتراك مساحات كبيرة من أراضي إقليم كوردستان ولا زالوا فيها. أما الحديث عن جارها الغربي إيران يطول جداً لأن العداء مستحكم بينهما حتى قبل انتقال الأتراك من آسيا الوسطى (طوران) إلى ما تسمى اليوم تركيا، لقد وقعت بينهما عدة حروب مدمرة في التاريخ القديم ذهب ضحيتها مئات الآلاف من البشر، ولا زال هذا العداء مستفحلاً بينهما ولا يعرف متى تقع المواجهة العسكرية بينهما. وتتاخم تركيا أيضاً جمهورية أرمينيا التي ذبح الأتراك مليونين من مواطنيه في بداية قرن العشرين، والقصة معروفة للعالم لا تحتاج أن نخوض فيها كثيراً. وبجانب أرمينيا هناك جورجيا التي لها حدوداً مع جمهورية الأتراك وخلافها الدائم معها أن الأتراك يريدوا أن يستحوذوا على منطقة القوقاز وهذا حلمهم.. إلا أن أرمينيا وجورجيا يمنعانهم من تحقيق هذا الحلم النريض وذلك بسبب وجودهما كدولتين تفصلان بين الكيان التركي اللوزاني ومنطقة القوقاز. عزيزي المتابع، إن غريزة الأتراك العنيفة تدفعهم باستمرار للتحكم بمصير الغير وهي التي دفعتهم عام 1975 على الإبحار عبر المتوسط لاحتلال شمال قبرص وأسسوا هناك جمهورية كارتونية بسم جمهورية شمال قبرص!!. عزيزي القارئ الكريم، أضف لهذه العداوات العبثية مع الجيران استمرار الأتراك لاحتلال شمال كوردستان، الذي استقطعته المعاهدة المذكورة من جسد كوردستان وأعطته للكيان التركي اللوزاني الذي بسببه فقد الكيان الطوراني المذكور السلم الأهلي والاستقرار السياسي بين المكونات التي حشرت فيه مع السلطة القمعية التي انبثقت من تلك المعاهدة الظالمة التي استثنت الشعب الكوردي من تأسيس دولته الوطنية أسوة بدول العالم.
كما هو جلي في عنوان مقالنا هذا، أن البيت القصيد في موضوعنا لهذا اليوم هو معاهدة لوزان (Lausanne) التآمرية، والأصح معاهدة لوزان الثانية، التي وقعت في 24 تموز عام 1923 بين الأتراك المهزومين في الحرب العالمية الأولى من جهة والدول المنتصرة فيها من جهة أخرى كبريطانيا وفرنسا وإيطاليا واليونان. وتأسست على أثر تلك المعاهدة.. ما تسمى بجمهورية تركيا، لذا أنا أسميها في كتاباتي جمهورية تركيا اللوزانية. وفي الاحتفالات بذكرى توقيع هذه المعاهدة قال أردوغان: أنها أسست تركيا الحديثة. عزيزي القارئ، من المعروف أن المعاهدات التي توقع بين المنتصر والمهزوم مدتها لا تزيد عن مائة عام. بل حتى الأرض التي تستأجر من بلد إلى أخر أيضاً لا تزيد عقدها عن قرن من الزمان، مثال جزيرة هونغ كونغ (Hongkong) التي استأجرتها بريطانيا من الصين وأعيدت ملكيتها إليها عام 1997 بعد انقضاء مائة عام على تأجيرها. وهكذا جمهورية المالديف (Maldiverna) لم تخرج من هذا التاريخ المتعارف عليه حين عرضت جزرها للإيجار لمدة 99 عاماً؟.
عزيزي المتابع، أن الذي يقض مضجع أردوغان من الآن هو ذلك اليوم الذي ينتهي به العمل بمعاهدة لوزان بعد خمسة أعوام، عنده ستنفتح أبواب جهنم – وفق تصور أردوغان..- على الكيان التركي المصطنع. من المرجح ستطالب يونان بترسيم الحدود مجدداً بينها وبين تركيا كي تعيد مدن إسطنبول وإزمير وأدنة إلى حدودها السياسية التي قلصتها لوزان. وهكذا الشعب الكوردي الذي غبنته لوزان بلا شك سيطالب الدول التي أبرمت المعاهدة المذكورة مع تركيا المهزومة بإعادة العمل بمعاهدة سيفر (Sevres) التي أعطت للأتراك الأرض التي وجدوا عليها عند ابرام معاهدة سيفر وهي: أنقرة و سامسون وبروسة فقط، هذه هي تركيا. أدناه خارطة سيفر لاحظها بدقة حتى تعرف كم من أراضي الغير أعطتها لوزان الظالمة للأتراك الأوباش مقابل أن يحرسوا الجناح الجنوبي لأوربا في وجه الشيوعيين والإسلاميين:

يظهر أن الأتراك يعلموا جيداً أن هناك أياماً عصيبة جداً شديدة الهول والفزع تنتظرهم، لذا يحاولوا من الآن بشتى الوسائل الإجرامية تغيير مسار عجلة التاريخ لصالحهم، وذلك بدعم الإرهاب في العالم – داعش مثالاً- وبشن الحروب العبثية في بعض المدن السورية، وكذلك في مدن وقرى غربي كوردستان،إلا أن الذي لا يفهمه الأتراك، أن اللعبة قد انتهت ” The game is over” لكن كما يقول المصريون: “عقل تركي” متحجر يصر على عناده ولا يريد أن يفهم ماذا يدور حول كيانه المصطنع. لذا لا زال التركي يتعامل مع المجتمع الدولي بعقلية أيام الحرب الباردة، حين كان الطفل المدلل لدى بلدان الغربية وأمريكا وغضوا الطرف عن الجرائم التي قام بها ضد شعوب المنطقة بصورة عامة وضد الشعب الكوردي الجريح بصورة خاصة، لكن لم ولن يفلحوا الأتراك هذه المرة بخداع المجتمع الدولي حسب تصورهم المريض، ولا سيبقى كيانهم اللوزاني على حاله كما هو أن يستمر باحتلاله البغيض لأجزاء من أراضي الدول المحيطة بهم ومعها شمال كوردستان. عزيزي القارئ الكريم، لقد قلت في مقدمة المقال أن النخبة التركية منذ العهد العثماني تملك رؤية سياسية وتجربة طويلة بإدارة دفة السلطة إلا أنهم في لحظة تاريخية مصيرية لم يقرءوا المعادلات الدولية جيداً فلذا تحالفوا مع الطرف الخاسر في الحرب العالمية الأولى قبل أن تبدأ، فعليه فقدوا كل الدول والأراضي التي كانت تخضع لسلطتهم، بل حتى أن نظام حكمهم الذي دام ستة قرون شيع إلى مثواه الأخير وأنتقل إلى عالم اللا عودة وحل محله نظام جمهوري قمعي تأسس على مبدأ قضم شمال كوردستان ومعاداة الشعب الكوردي المسالم أينما كان. وهكذا اليوم، حيث أن التاريخ يعيد نفسه ونرى من يسمون بالعثمانيين الجدد، تماماً كالعثمانيين القدامى أصيبوا بجنون العظمة (Megalomania) التي أفقدتهم البصر والبصيرة ولم يستطيعوا قراءة سياسة نظام العالمي الجديد جيداً، فلذا صاروا يتخبطون في المحافل الدولية وأروقة السياسة العالمية كتخبط الأعمى في الطرقات، لذلك تخلفوا عن الركب، ولم يواكبوا رياح التغيير، التي هبت بعد انتهاء الحرب الباردة، التي تعصف بكل من يقف في طريقها محاولاً وقف عجلة التاريخ عن الدوران إلى الأمام.
لكن كما يقول المثل: الملدوغ يخاف من جرة الحبل. لذا يجب على شعوب المنطقة وفي مقدمتها الشعب الكوردي المكافح أن يأخذوا بنظر الاعتبار خصوصية المنطقة في أجندات أصحاب القرار، فعليه يجب على هذه الشعوب، أن تكون حذرة إزاء هذه الأمور المصيرية وتستعد للتعامل بجدية ووعي سياسي حقيقي مع أسوأ الاحتمالات الممكنة وهي، أن منطقة الشرق الأوسط حقل خصب لمؤامرات ومساومات وابتزازات سياسية دنيئة ومؤلمة، أن حدثت هذه المرة أيضاً وتجاهلت القوى العظمى القانون الدولي و حقوق شعوب المنطقة وفي مقدمتها الشعب الكوردي الجريح وذلك من أجل تأسيس شرق أوسط جديد وفق رؤية أردوغان.. التي تشبه رؤية ابن سيرين في تفسير الأحلام، بكل تأكيد سيستمر هؤلاء الطورانيون أحفاد هولاكو السفاح في تكالبهم وهمجيتهم ضد شعوب المنطقة التي تلفظهم لفظ النواة منذ أن وطأت حوافر خيولهم هذه الأرض التي دنسوها. عزيزي المتابع، بلا أدنى شك أن أفلح هؤلاء الأوباش هذه المرة أيضاً بألاعيبهم القذرة وخدعوا الدول الكبرى بسلسلة من الأكاذيب والنفاق التي مردوا عليها منذ العهد العثماني وإلى يومنا هذا سرعان ما يضيفوا على الفاتورة النقاط التالية: 1- استمرار احتلالهم البغيض لشمالي كوردستان. 2- تنظيم استخدام المضائق المائية في البوسفور والدردنيل التي تمر عبر ما تسمى بالأراضي التركية وقواعد مرور الملاحة فيها. 3- سيطالبون أيضاً بترسيم الحدود المائية مع يونان التي تملك 152 جزيرة قرب الساحل التركي. 4- كذلك يطالبوا بترسيم حدودها الأرضية مع كل من بلغاريا ويونان لصالحها.5- سيحبسون مياه نهري دجلة والفرات خلف عشرات السدود التي شيدوها على النهرين المذكورين، عندها لم يبقى أمام العراق وسوريا إلا أن يقيموا مأتماً للنهرين ويعلنوا وفاتهما للعالم. 6- وهكذا سيستمرون في غيهم دون رادع ضد الدول العربية، التي وقفوا دائماً في المربع المعادي لطموحات شعوبها، الخ الخ الخ. إن حدث هذا الانقلاب الغاشم ونحن حينها في العقد الثالث من الألفية الثالثة بلا أدنى شك سيكون لطخة عار لا تمحى أبد الدهر في جبين جميع الهيئات والمنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي. وسيتحول البيت الأبيض الأمريكي من البياض الناصع إلى بيت أسود قاتم يسخم جبين أمريكا لدى شعوب العالم أجمع. لكن شعوب المنطقة وعلى رأسها الشعب الكوردي المظلوم كلها أمل وثقة وتفاؤل بأن العالم ستناصرهم ضد الطغاة والغزاة المستبدين حتى النصر النهائي.
09 03 2018
” أمة لا تعرف الوطنية لا تستحق الحياة”