22 نوفمبر، 2024 9:40 م
Search
Close this search box.

أردوغان ومهزلة الانقلاب

أردوغان ومهزلة الانقلاب

بقول ميكافيلي ” إذا أردت أن تقضي على الخونة وأن تبرز قوتك للجميع ، إخلق إنقلابا ، وقم بالقضاء عليه ” ، فهذا ما جرى في اليومين الماضيين في تركيا ، وإنشغل العالم بمحاولة إنقلابية فاشلة ، إنقسم العالم في تقييمها منذ لحظتها إنطلاقها ، فهلل ممن لا يكنون للرئيس التركي رجب طيب اردوغان ، وأكثرهم ممن اتكو من نار هذه الشخصية التي عرفت بالمكر والكذب ، والدهاء ، ولا يردعه عن تحقيق مصالحه أقرب المقربين منه .
بعد قراءتكم لهذه الافكار التي اطرحها أمامكم ، واعرف مسبقا بأن آراءنا قد لا تتطابق ، ولكن حرية الرأي مكفولة للجميع ( إلا في تركيا طبعا ) ، لأني أختلف مع جميع التقييمات والتحليلات التي أطلق لها العنان لجميع المحللين والخبراء في الشؤون التركية أو السياسية ، حتى تفاجئنا من الكم الهائل من هؤلاء الذين أنتشروا في كل بقاع العالم ، والكل يدلو بدلوه وكأنه يعيش الحياة الاجتماعية والسياسية التركية بكل تفاصيلها ، وفي حقيقة الامر أنه يردد ( كالببغاء ) ما تحدث به قبله في قناة أخرى .. على أية حال انا لست بصدد مناقشة هكذا موضوع .
الانقلاب ( المسرحية ) هو من تأليف وأخراج الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ، بأمتياز كبير ، وزعت أدواره بتقنية عالية ، واستخدمت فيها التقنية التكنولوجية ومواقع تواصل الاجتماعي بشكل كبير ، وخشبة مسرحها هي مدينة اسطنبول مسقط راس الرئيس التركي ، التي يعرفها جيدا ويعرف حواريها ( كونه ايضا شغل فيها منصب رئيس بلديتها ) وأنقرة حيث مقر المؤسسات الحكومية .
والسؤال الذي يفرض نفسه ، لماذا لجأ الرئيس التركي الى مثل هكذا مسرحية ؟ ، خصوصا وإنه رئيس بلد ، يحق له ما لا يحق لغيره ، ويمكنه إتخاذ أي من القرارات دون حساب وكتاب ، هذا هو طبعا حال البلدان التي يحكمها اي ديكتاتور .
الفصل الاول / وسائل الاعلام التركية حذرت خلال الايام القليلة الماضية ، من إمكانية حدوث إنقلاب عسكري ، وهو ما حصل بالفعل ، ولكن الغريب فيه أنه أول إنقلاب عسكري في التاريخ المعاصر تتم معالجته بمثل هذا الهدوء ، وقائد الانقلاب لايظهر على اية شاشة تلفازية لتلاوة البيان ، وكما عهدنا ذلك في جميع الانقلابات العالمية حتى في الصومال ، فالانقلابيون ينتشرون في عدد من الساحات ، ويغلقون مطار اتاتورك ، وجسر البوسفور ، وإعلان التلفزيون التركي يشير الى ان الجيش تسلم السلطة ، ( لتصبح بعد ذلك المذيعة أشهر شخصية في تركيا ) بعدها يقطع التلفاز الحكومي بثه ، لكن الانقلابيين يبقون على جميع محطات التلفزة الاخرى بالبث ، ومع تقارب الساعة الى الواحدة بعد منتصف الليل ، وفجأة ، يتحدى الفارس الهمام ( بطل المسرحية ) الانقلابيين ، ويبث رسالة عبر جهاز الهاتف عن طريق شبكة التلفاز سي أن أن التركية !! ويصل دون ان يكون برفقته اي قائد عسكري ، الى مطار أتاتورك التي تحوم في أجواءه مروحيات الانقلابيين دون أن تتصدى لطائرته !!! ، ليعلن ، وسط الشباب ، الذين كشفوا عن انفسهم بأنهم من رجال المخابرات ، من خلال نظراتهم ( القادحة ) الى ماحول الفارس الهمام ، لا للنظر الى السيد الرئيس والاستماع الى مايقوله ، بل خوفا من أن يكون هناك مالم يكن في الحسبان خصوصا وإن الكومبارس لا يعرفون جميع تفاصيل المسرحية .
الفصل الثاني / غلق جسر البوسفور يشهد بعدها بعض من إطلاق النار ، لا أحد يعرف من أطلقها ، وعلى من ، وطائرات مروحية تحوم أجواء اسطنبول وأنقرة ، والانقلابيون يحتلون عدد من المباني الحكومية والبرلمان والقصر الجمهوري الخاوية من سادتها ، إلا مبنى دائرة المخابرات ، كما ورد في الاخبار العاجلة ، تركوه لأنه كانت هناك مقاومة كبيرة ، والسؤال كم كان عدد المقاومين ؟؟ ولانعتقد أن عددهم كان أكثر من عشرة اشخاص ، ولنفترض كانوا بحدود العشرين ، فإي انقلاب هذا لا يستطيع دحر ثلة من الحرس ؟؟؟ وخصوصا والحالة هذه فإن المقاومين لا تتعدى اسلحتهم عن المسدس او الرشاش وفي أحسن الظروف سلاح الار بي جي ، مقابل الدبابات والمدرعات التي كانت بحوزة الانقلابيين .
الفصل الثالث / وفجأة ووسط هذه التطورات يبدأ تدفق الناس الى الشارع للتضحية بأنفسهم للقائد الهمام على مبدأ ( بالروح بالدم ) ، والغريب أن الجميع من خرج في الشارع هم مؤيدي الرئيس !! ، ولم يظهر أي شخص حتى وإن كان من المتسولين أو المجانيين ا أو من العابرين سبيل الذي يهمون على مبدأ ( على حس الطبل هزن يا رجليه ) ، ممن يؤيد الانقلابيين ، ولو طيلة فترة اعلان الانقلاب وحتى نهايته ، وكأن اسطنبول لم تشهد قبل فترة مظاهرات حاشدة ضد سياسة ( السلطان ) ! .
الفصل الاخير / ولكي يستدل الستار عن هذه المسرحية الهزيلة ، يهان الجيش التركي من قبل رجال الامن ، بتجريد ( الانقلابيين ) من ملابسهم وتجميعهم في قاعات رياضية وهم شبه عراة ، ليكونوا عبرة لمن يفكر مستقبلا في إطاعة أوامر قائده العسكري ، ولاتمام الهدف من الانقلاب المصطنع ، قام الرئيس ودون اي محاكمة او مذكرة توقيف ( على اعتبار انهم في دولة ديمقراطية ) بإعتقال كافه معارضية من الاحزاب السياسية والمواطنين ، علاوة على عزل اكثر من 2700 قاضى واعتقال 3000 ضابط جيش و مواطن و الاختفاء القسرى لعدد 20 الف مواطن تركى مناهض لحكم الرئيس التركى ، بهدف تقليم أظافر الجيش الذي بات كعظمة السمك في بلعوم ( أردوغان ) تتشذيب القضاء على وفق هواه ، كي لا يتجرأ الباقون على معارضة خطواته المستقبلية وخصوصا منها تلك التي تدعو الى السير في البلاد الى النظام الرئاسي الذي يرفضه الجيش والقضاء بشدة .
الغريب أن الدستور الذي يرغب فيه “الديكتاتور” اردوغان بنظامه الرئاسي البديل عن النظام البرلماني الحالي لنظام الحكم في تركيا، يفصل بين السلطات الثلاث (التشريعية والقضائية والتنفيذية)، ويمنح السلطات الرقابة المتبادلة على بعضها البعض، ويحق للسلطات القضائية محاكمة الرئيس التركي في حال مخالفته لأي من ، ويعطي الرئيس صلاحيات مطلقة في العديد من القضايا، بمعنى آخر هو قانون يصنع ديكتاتورات حقيقية، ومع ذلك ترى المعارضة تقف حجر عثرة أمام تغييره فقط كرهًا في شخص “الطيب أردوغان” وتعذرًا بأنه يريد أن يصنع من نفسه سلطانًا عثمانيًا وديكتاتورًا متسلطًا.

أحدث المقالات