23 ديسمبر، 2024 4:46 ص

أردوغان .. لماذا طهران ؟!

أردوغان .. لماذا طهران ؟!

من المسلّم به حجم مشتركات طهران وأنقرة ازاء أزمة كردستان، من مساعيهما لتقاسم الامتداد ومساحات النفوذ ومعادلات توازن القوى، الى المخاوف من إصابة منطقتيهما الكردية بعدوة نزعة البرزاني الانفصالية، وجملة مشتركات أخرى.

لكن ورغم ذلك فإن هذا كله ليس كافيا لتبرير تملُّق الرئيس التركي رجب طيب اردوغان المثير للشفقة في الاونة الاخيرة الى الايرانيين واصطفافه الى جانبهم في ملفات اقليمية اعتاد ان يحسم أمرها غالبا مع شركائه الغربيين.

لم تبلغ مرحلة الخروج التركي عن خيمة واشنطن، حد الانضام الى ايران “علنا” بهذا الحجم غير المعهود منذ عقود، سياسيا وعسكريا، ناهيك عمّا دار بينهما خلف الابواب المغلقة، في كيفية ادارة الملف الكردستاني ورسم خارطة تصعيدية مشتركة ازاء أربيل ومَن يقف خلف هذا المشروع.

يقف اوردغان أمام مستقبل مجهولٍ بكل المعايير والاوصاف، مدركا أن الازمة قد تتعمق حدّ صراع الوجود وقد تُطوى بمساومات على سطح صفيح جهنمي في أفضل حالاته، لذا تطلب الامر من أنقرة موقفا حاسما باتخاذ طريق آمن نحو غاياتها، وسط تضارب المواقف.

والذي وضع “طهران” أمام اردوغان خيارا لا ثاني له، في مرحلة مصيرية حساسة لا تقبل التروي، هو عدم اتزان الموقف الامريكي ازاء ملف كوردستان، بعد أن بدا البيت الابيض مترددا ومراكز القرار الامريكي كذلك، فثمة تصريح معارض صريح ازاء الانفصال، يناقضه تلميح مؤيد. كما أن دعم تل أبيب اليتيم للبرزاني علنا وإن شهد تراجعا فيمابعد، يعكس عن طبخة تعد خلف الكواليس على نار هادئة.

ويعلل البعض، عدم حسم الادارة الامريكية موقفها، الى رغبتها الشديدة باللعب في عُتمة منطقة ساخنة لإثارة غضب الايرانيين وضرب مصالحهم القومية واشغالهم بملفات اقليمية أخرى !

لم يكن موقف واشنطن ازاء انفصال كوردستان هو المتذبذب الوحيد، انما امتد للقارة العجوز أيضا، فعواصم الاتحاد الاوربي وان اعلنت معظمها دعم عراق موحد لكنها ما تزال متأرجحة دون حسم قاطع لموقف موحد يشمل القارة برمتها كما يبدو.

كما علينا أن لاننسى أن اثارة ملف كوردستان يأتي في وقت يغيب فيه التنسيق بين واشنطن واوروبا، على عكس عهد أوباما وتأثيره في صناعة القرار الاوروبي، ذلك بفضل حنكته ودهائه.

الليونة الغربية ازاء انفصال كوردستان وعدم حدة المواقف، تؤيد ما يذهب اليه أصحاب نظرية “سايكس بيكو الجديد” بعد مرور قرن على النسخة الاولى منه. ولعل متانة العلاقة الوثيقة ما بين واشنطن والكرد خلال المرحلة المنصرمة، والدعم الذي قدمته لهم في سوريا والعراق تحت ذريعة محاربة الارهاب، يرجح كفة هذه النظرية التي بدأت ملامحها تتضح في اربيل كأول محطة نحو تحقيق حلم التقسيم.

بعد كل هذا وجد اوردغان ظهره عاريا في خريفٍ كردستاني باردٍ وشتاء اقليمي مرتقب قارس، فسارع للتستر بالعباءة الايرانية تاركا خلفه كل مَن كان قبل فوات الاوات.!