23 ديسمبر، 2024 8:37 ص

أرحل ياعبادي أنت وتقشفك

أرحل ياعبادي أنت وتقشفك

قامت الدنيا في بلجيكا ولم تقعد طوال الشهر الماضي، احتجاجا على سياسات التقشف التي اعتمدتها حكومة شارل ميشيل، المشكلة حديثا، في موازنتها الجديدة للعام الحالي 2015، لتضمنها عجزا ماليا أقل من الحد المسموح به لدى الإتحاد الأوروبي، ومعايير الاندماج النقدي الأوروبي، مما دفع الائتلاف الحكومي الذي ضم لأول مرة في تاريخ المملكة القوميين الفلامانيين من حزب (التحالف الفلمنكي الجديد NVA) لاتخاذ مجموعة من التدابير التقشفية استهدفت الطبقة الفقيرة والعمال البسطاء، فضلا عن سعيها لزيادة سن التقاعد من 65 إلى 67 سنة في 2030.

    الإجراءات الحكومية، لم ترق للكثير من البلجيكيين، فدعوا عبر النقابات العمالية لمجموعة من الإضرابات الإقليمية والوطنية، خلال الشهر الأخير من العام الماضي، كان اخرها الإضراب الوطني في السادس عشر من كانون الأول الماضي، الذي شل البلاد بشكل كامل وتوقفت فيه الحياة، لإجبار الحكومة على سماع صوت الشعب والتراجع عن الإجراءات التقشفية التي أعتمدتها بناء على ضغوط من الإتحاد الأوروبي.

    ففي الإضراب الأخير الذي نظمته ثلاث نقابات عمالية، توقفت فيه المطارات عن العمل وتم الغاء أكثر من 600 رحلة جوية في مطار بروكسل لوحده، وتعطلت وسائل النقل العام جميعها من قطارات وترامات وحافلات النقل عن العمل تماما، وأضربت المدارس ودور الحضانة والسجون والمستشفيات والغيت الفحوص الطبية والعمليات الغير عاجلة. كما توقفت العديد من البرامج الإذاعية والتلفزيونية ولم تصدر الصحف في ذلك اليوم.

    ولم يكتف الرافضون لتلك الإجراءات التقشفية بذلك، بل لاحقوا رئيس الإئتلاف الحاكم شارل ميشيل في جولاته ولقاءاته التلفزيونية ليرموه أمام وسائل الإعلام بالمايونيز والبطاطا، وهم يصرخون “أرحل يا ميشيل أنت وتقشفك”.

    الرفض الشعبي على الخطة الحكومية (البلجيكية) التقشفية التي تستهدف ترشيد الإنفاق لتوفير مليار و200 الف يورو، للوصول إلى نسبة العجز التي يقبل بها الإتحاد الأوروبي وهي 3 بالمائة، ينبع أساسا من عدم الثقة بجدية الحكومة في اجراءاتها، فما ستأخذه الحكومة في يدها من الفقراء والعمال ستسلمه مباشرة للوزراء وكبار الموظفين، من خلال نيتها زيادة رواتب الوزراء بنسبة 8 بالمائة، وبالتالي فهي موازنة الأغنياء ودعمهم وزيادة ثرائهم، وهو مكمن الغضب الشعبي منها.

    إن أطلاق تسمية “موازنة الأغنياء” لم يقتصر فقط على الموازنة البلجيكية، بل يمكن أن يطلق على الموازنة المالية العراقية الجديدة لعام 2015، التي قدمت مؤخرا وقرأها البرلمان العراقي قراءة أولى، لوجود الكثير من التشابه بين الموازنتين من حيث كونهما موجهة فقط للأثرياء وتعمل على زيادة ثراء الفاسدين والحرامية، والركوب على ظهر المواطن البسيط باعتباره الحلقة الأضعف في المعادلة. بل أن الكثير من فقراتها وفر أرضية (قانونية) واسعة من أجل الاستمرار بسرقة المال العام.

    وإذا ما كانت الموازنة البلجيكية قد جوبهت بردة فعل شعبية غاضبة وقوية، دفعت الحكومة المتشددة للجلوس على طاولة المفاوضات مع النقابات العمالية الممثلة للشعب، فإن الصمت ودفن الرأس في الرمال واللامبالاة هو العنوان الكبير لردة الفعل الشعبية العراقية على ما سيسرق من جيبه ويذهب إلى جيوب المسؤولين الفاسدين والحرامية ليزداد ثرائهم على حساب المواطن العراقي.

    لا أعرف لماذا يصمت المواطن العراقي الذي يعاني أساسا من فقدان أبسط متطلبات الحياة العادية، وتأتي الحكومة فوق كل ذلك لتسرق منه ما تبقى في جيبه من أموال، على شكل ضرائب وجبايات، هي أساسا من واجبات الحكومة تجاه المواطن.

    المواطن العراقي سيدفع بعد اقرار هذه الموازنة، 20 بالمائة من فاتورة استخدامه الهاتف الخلوي، و15 بالمائة من قيمة اشتراكه الشهري في الانترنت، وشراء تذاكر السفر وشراء سيارة جديدة، كما سيدفع المواطن فروق كبيرة لقوائم استهلاك الكهرباء والماء الغير متوفرة أساسا، وسيدفع كافة اعمال الخدمات في الشارع من أدامة وتبليط وتنظيف، والتي سيتم أسقاطها من الموازنة لتحميلها للمواطن العراقي، تحت شعار توفير عجز الموازنة.

    كما حرمت الموازنة (المتقشفة) الموظف البسيط من الحصول على زيادة في راتبه، وإيقاف سلم الرواتب السنوي، ومنعته من الحصول على المخصصات الأخرى، فيما سيجبر الموظف الذي يزيد راتبه على المليون والنصف بالدخول في نظام الادخار الإجباري الذي اخترعته وزارة المالية ووزيرها هوشيار زيباري.

    وتم حرمان الطلاب العراقيين الدارسين في خارج البلاد، من الحصول على رواتبهم وامتيازاتهم، التي هي أساسا من واجبات الدولة العراقية تجاه مواطنيها، وحصر البعثات في داخل البلاد وأيضا من دون مخصصات وامتيازات. 

    في مقابل ذلك فإن الموازنة المتقشفة، سمحت لنواب رئيس الجمهورية، وهي أساسا مناصب فضائية، بسرقة 23 مليار دينار من المال العام تحت عنوان تجديد أثاث مكاتبهم، وبقيت رواتب الوزراء والنواب على حالها، وبقيت أيضا المخصصات المالية الكبيرة التي تدفع للنواب، تحت عناوين الحمايات وتغيير المكاتب والسيارات الفارهة.

    الا يكون جميع ذلك مدعاة لصحوة شعبية للدفاع عن حقوقه التي تحاول الحكومة سلبها منه، واسماع تلك الحكومة صوت الشعب الرافض لكل ما يجري اليوم من ترسيخ ودعم للفساد والفاسدين، رغم الشعارات الكبيرة التي ترفعها الحكومة لمحاربة الفساد.

    المواطن العراقي مطالب اليوم أن يسمع صوته ورفضه القويين لهذه الموازنة (التقشفية)، من خلال أضرابات واعتصامات، منظمة وواعية وجادة ضد هذه الحكومة وموازنتها التقشفية ولنرفع جميعنا شعار “أرحل ياعبادي أنت وتقشفك”.