لم يكن من عادتي عندما أكتب عن شخص بارز من رموز بلدي أن أكتب من خلال ما قرأت وحسب , ولا أعطي الرأي جازما حول ما يكتبه الآخرين عن رمز من رموز بلادي عندما لا تكون في يدي المعلومة الصحيحة , بل غالبا ما ألجأ للبحث عن أحد أفراد عائلته طارحا سؤالي والمغزى منه.
وعندما طلب زميلي الٳعلامي والمؤلف الدكتور علي الزبيدي رئيس ٳتحاد المبدعين في العراق أن أجد وسيلة للتواصل مع أحد أفراد عائلة العالم العراقي عبدالجبار عبدالله هذا الرمز الذي كثرت فيه الأحاديث واختلفت الآراء في قصة حياته لكي نضع النقاط على الحروف في بعض ما كُتب عنه , فما كان مني ٳلاّ أن كثفت الاتصالات هنا وهناك حتى تواصلت مع أحد أبناءه وهو الدكتور ثابت عبدالجبار عبدالله , وقد بادر الرجل بالترحيب فيما نبغي ٳليه ولم يبخل علينا ببعض الوثائق الغير متداولة والمعلومات الصحيحة عن والده الذي كان قامة من قامات العلم ورمزا من الرموز الأكاديمية التي يشار إليها بالبنان. كان الاتفاق بيننا أن نستمر بالتواصل وحسب ما يسمح به الوقت خارج التزاماتنا.
بادر الدكتور ثابت عبدالجبار عبدالله عن سؤالي عن مدى صحة التسمية لأحد شوارع بغداد بٳسم والده العالم عبدالجبار عبدالله وقد أكدت له ذلك , بل قلت له أنه شارع في غاية الأهمية يبدأ من أحد تقاطعات بغداد المهمة ألا وهو تقاطع الجادرية فأخذه الفرح أي مأخذ بل أخبرني بأنه سيزور العراق قريبا ولا بد أن يزور هذا الشارع الذي يحمل إسم أبيه وطلب مني أن أبعث له صورة اللافتة التي تحمل الٳسم , ووضعت في جدولي أن أبعث له صورة لتلك اللافتة عندما تحين لي فرصة المرور من هناك.
وكم كانت خيبتي عندما وجدت لافتة بائسة تميل حتى تكاد لمن يراها انها آيلة للسقوط . التقطت صورة لها واحتفظت بها ولم أرسلها الى الدكتور ثابت نجل المرحوم الدكتور عبدالجبار لشعوري بالخجل خاصة وأن هذا التقاطع هو من أهم تقاطعات بغداد وربما هو الأهم ويكاد لا يمضي يوم من غير أن يمر به رتل لأحد المسؤولين , وأن هذا التقاطع يقع بالقرب من مدخل أهم وأشهر الجامعات في بغداد ألا وهو مدخل جامعة بغداد الرئيسي , ومن يدري كم عدد الاساتذة الأكاديميين الذين شاهدوا هذه اللافتة دون أن يعيروا انتباها لها .
مضت الأيام وشعرت بالحرج من عدم ٳرسال صورة اللافتة الى الدكتور ثابت وفكرت طويلا قبل أن أرسلها من أن أجد تبريرا له عن سبب الأهمال حد البؤس في وضع هكذا لافتة , وبالفعل سألني الدكتور ثابت عن رأيي اذا كان وضعها هكذا هو حالة متعمدة أم لا والحقيقة لا أعلم كيف أضع التبرير حين وجدت لساني قد غاص في قاع فمي فلا أتكلم وأصابعي خانتني من أن أكتب التبرير المناسب.
وددت لو أقف في هذا التقاطع وأصرخ أرجوكم .. من يرفع اللافتة عاليا
من يرفع اللافتة عاليا في زمن هو أقل ما يقال عنه بأنه الزمن المعكوس , زمن كل شيء أصبح فيه معكوسا .. زمن أصبح فيه تخريب البنى التحتية ٳعمارا والبناء العشوائي تطويرا وازالة المناطق الخضراء غاية حتى أصبحت بغداد من أسوأ مدن العالم قاطبة ..
وقبل أيام مررت قرب هذا التقاطع الذي كانت فيه اللافتة شاخصا يحاول البقاء في زحمة اللانظام وبحثت عنها فلم أجدها فقد تم رفعها وازالتها بالمرّة. أرجوكم لقد قلت من يرفع اللافتة عاليا وليس ازالتها.