كشفت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات النتائج الاولية لنسبة المشاركين بالتصويت لاختيار المرشحين النواب للبرلمان العراقي، واعلنت ان النسبة بلغت واحد واربعين بالمئة، وبلغ عدد المصوتين اكثر من تسع ملايين مواطنا من مجموع اربع وعشرون مليون ناخبا مشمولا بالتصويت، علما ان رئيس مجلس المستشارين برئاسة الجمهورية والرئيس السابق للمفوضية المستقلة يؤكدان ان نسبة المشاركة 34% وليست 41%.
وبقدر تعلق الامر بنسبة المشاركة، فقد ذكرنا في مقالنا المعنون “الكرد والجديد في الانتخابات النيابية العراقية” والمنشور في “ايلاف” و”كتابات” و”الحوار المتمدن” ما يلي: (ان البقية والبالغة 60% من الناخبين المشمولين بالتصويت تشارك بنسبة قليلة جدا، وبما ان عموم الانتخابات، لم تتجاوز نسبة المشاركة فيها 40%، لذلك فان عملية عدم المشاركة تعود بالنفع والاستفادة الذهبية) للاحزاب الحاكمة الفاسدة وذلك (من خلال ضمان تصويت انصارلهما لهما).
واليوم يأتي اعلان النتائج الاولية للتصويت من قبل المفوضية بان نسبة المشاركين بلغت واحد واربعين بالمئة في عموم العراق، تتويجا لما ذهبنا اليه من توقع في المقال اعلاه، والمتضمن بان نسبة المشاركة سوف لا تتجاوز النسبة اربعين بالمئة، والنسبة المعلنة من قبل المفوضية قريبة جدا جدا ومماثلة لها من النسبة التي توقعناها قبل ايام من اجراء الانتخابات.
وكما قنا ايضا في نفس المقال (اذا تمكنت الحكومة الاتحادية من تشجيع اغلب الناخبين المشمولين بالتصويت في العراق والاقليم والبالغ نسبتهم 80% من المواطنين الذين سحبوا بطاقاتهم الانتخابية من مراكز المفوضية، فبلا شك فان تغيير المعادلة السياسية امر واقع)، ولكن الحكومة الفيدرالية قصرت عمدا في واجبها لتشجيع المواطنين على المشاركة بنسبة عالية في التصويت، ولهذا الغرض فقد ارسلنا الى السيد مصطفى الكاظمي من خلال احد مستشاري رئيس الجمهورية ورقة من مجموعة اقتراحات لضمان المشاركة العالية للناخبين في الانتخابات وتقليل نسبة التزوير المتعمد فيها، ولكن يبدو ان الكاظمي لم يأخذ بتلك المقترحات، واكتفى بدعواته الشفوية بعيدا عن التشجيع المادي والتحفيز الملموس للناخبين العراقيين، لذلك وتزامنا بالواقع السياسي المأزوم والحكومي الفاسد، لم تشارك النسبة الغالبية ستين بالمئة تقريبا من الناخبين، بل شاركت القلة بنسبة متدنية وصلت اربعين بالمئة تقريبا بجر الانفس، وهذه النسبة القليلة تعني الكثير والكثير.
ولا شك فان هذا الاقبال الضعيف باعداد متدنية من قبل العراقيين في الانتخابات يعود لاسباب عديدة سياسية واقتصادية واجتماعية متعلقة بنظام الحكمين الفاسدين في بغداد وفي اربيل، والغياب العالي للمستحقين بالتصويت وصل الى اكثر من 15 مليون من مجموع 24 مليون اي بنسبة ستين بالمئة تقريبا، وفي حقيقة الامر ولبيان خفايا هذا التدني بالمشاركة فان الاسباب تعود الى ما يلي:
الفقدان الكلي للثقة بين المواطن والحكومة، والغياب المتعمد للخواص والمزايا الاخلاقية للحكومة والدولة والاحزاب الحاكمة، وتلاشي الثقة بالانتخابات ونتائجها بسبب التزوير العالي المكشوف في الانتخابات السابقة، وشراء ذمم المسؤولين في الهيئات المسؤولة عن عملية الانتخابات لتحديد النتائج حسب اهواء الاحزاب الحاكمة، واعتماد الاحزاب على الرشاوي ومنح الاموال مقابل شراء البطاقات الانتخابية من الناخبين لاغراض استخدامها للتزوير في الانتخابات، وفقدان الخدمات العامة للمواطنين مثل الصحة والتربية والكهرباء والبلديات، وفرض اعباء مالية معيشية وحياتية على كاهل افراد الشعب، وسقوط الانظمة الخدمية للصحة العامة، وفشل نظام التربية والتعليم العالي، وتراجع وسقوط الانتاج الداخلي، ومحاربة الانتاج الزراعي والحيواني المحلي، وغلق باب التعينات على الخريجات والخريجين من الجامعات والمعاهد، وزرع الفوضى في الاسواق وفي اسعار المواد الغذائية والسلع والادوية، وزيادة البطالة بمعدلات عالية ومحاربة الشباب وتطويق طاقاتهم الانتاجية والابداعية، وعدم ثقة المواطنين بنزاهة التصويت ومنع الغش والتزوير، وعدم ثقة المواطنين بالاجهزة الالكترونية الانتخابية بسبب استغلالها للتزوير من قبل الاحزاب والسياسيين في الانتخابات السابقة، وعدم ثقة المواطنين باشراف الامم المتحدة والاشراف الدولي على الانتخابات، وغيرها من العوامل والاسباب العديدة التي تعد بالعشرات والمئات والتي ادت الى غرس سواتر جدارية عالية بين المواطن والحكومة وبين الشعب ونظام الحكم، فلم يبقى تماس وعلاقة متباددلة بين افراد الشعب والدولة فامتد البون الشاسع بين الطرفين بطول المسافة الفاصلة بين الارض والسماوات.
لهذا تعد اعلان النسبة المتدنية واحد واربعين لمشاركة الناخبين في التصويت مسألة طبيعية ومتوقعة للاسباب التي ذكرناها، وهي اقل من نصف العراقيين المشمولين بالانتخابات، وهنا تكمن العلة الكبيرة في النظام الديمقراطي العراقي، فالمفروض من باب تحقيق العدالة عدم الاعتماد على النتائج التي لا تحقق نسبة خمسين بالمئة من التصويت، والمفروض بهذه الحالة اعادة الانتخابات، وذلك لان النسبة المتدنية للمشاركة لا تمثل الوجه الديمقراطي للانتخابات، ولا تمثل الاغلبية من للمواطنين، وهي تمثل النسبة الاقل للمشاركين بالتصويت، وهنا ننصدم مع واقع اقلية تبغي الحكم واغلبية قاطعت الانتخابات لاسباب حياتية ومعيشية متعلقة بمصير الشعب والبلد.
لهذا نأمل ومن باب تحقيق العدالة للنظام الديمقراطي السائد بالعراق سن قانون في مجلس النواب يحدد حدود نسب مشاركة الناخبين المشمولين بالتصويت، فاذا لم تتجاوز نسبة التصويت حدود خمسين بالمئة، لتعاد الانتخابات لانها لم تحقق مشاركة الاغلبية من الشعب في العملية الديمقراطية، والاعتماد على النسب المتحققة باقل من خمسين بالمئة تجاوز على الديمقراطية، وتعدي على نظام الانتقال السلمي للسلطة، واستبداد وتسلط لفرض هيمنة الاقلية على الاغلبية العامة لافراد الشعب، وانتهاك للتقاليد والاعراف العامة لتحقيق الديمقراطية الحقيقية.
والله من وراء القصد..