شغل اهتمامي موضوع فلسفي قديم ، كان محل اهتمام رجالات الفكر والثقافة والسياسة في الستينات والسبعينات ، وهو موضوع : ( لمن الأسبقية في نشأة وتطور الوجود الانساني والكون عموما ) ..هل ان العقل الانساني وفكره المتفتح هما الأساس والأولوية في هذا التطور.. أم أن المادة هي من أرست دعائم التطور البشري عموما..!! وكان الموضوع الذي أثرته في مواقع التواصل الإجتماعي وبخاصة في الفيس بوك والمواقع الاخبارية ، واذا به يعيد (جدلا) رائعا هو الآخر من مختصين ومن لديهم المام بموضوعات شيقة من هذا النوع ، ووجدت ان الضروري ان اطلع المعنيين بمتابعة رؤى وتصورات غاية في الأهمية إسهم فيها زملاء وأساتذة ومختصين ، لديهم باع طويل في هذا المضمار ، ووجدت انه من الضروري أن استعرض وجهات نظرهم لإغناء هذا الموضوع ، بملاحظات مهمة من هذا النوع ، كانت قد شغلت عقول رجالات الفكر والفلسفة والسياسية لعقود طويلة ، واسهمت في كل هذا الرقي الفكري والمعرفي الذي كنا نعيشه في تلك السنوات التي كانت تعد قمة في التطور والارتقاء الفكري والتفتح العقلي، أسردها لكم بناء على طلبات زملاء كثيرين أرادوا عرض وجهات النظر تلك تعميما للفائدة. الكاتب والصحفي والاعلامي المعروف الاستاذ زيد الحلي هو أول من كانت لها إسهامة رائعة في التعليق على مقالي هذا ،بأن أشاد بإثارته في هذا الوقت بالذات مشيرا بقوله : (استمتعت بالمقال (الدراسة)
وعدت بنا الى ايام كان الدماغ يستوعب النظريات الجديدة ويناقشها بترو مرة ، وبحدة مرة اخرى ..لقد كانت نهايات القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر وسنوات القرن العشرين ، اشراقات انسانية في الصناعة والتصنيع والطب والفيزياء والفنون والافكار رغم الحروب الطاحنة التي حدثت… لذلك اصبحت اسس لما بعد ذلك .. يبقى العقل الراشد سيد الانشطة ، لكننا مع الاسف فقدناه نحن ، وتمسكنا بقشور لا تصلح حتى ان تكون سمادا !!… محبتي واقترح نشر الموضوع ورقيا … دمت بخير استاذ ابو ضياء الحبيب ). كان الدكتور طه جزاع الكاتب والاعلامي والمتخصص كذلك في شؤون الفلسفة له إطلالة رائعة في الرد على مقالي الذي أثرته حول هذا الموضوع الحيوي ، وقد أشار الدكتور طه جزاع في موضوع رده على ماورد في المقال من رؤى وتوجهات فكرية فلسفية بأن عد موضوعا من هذا النوع على انه ( درس أكاديمي فلسفي ممتع في المثالية والمادية والهيغلية والماركسية ، أرجعتنا أخي حامد الى سنوات منتصف السبعينيات حقبة ازدهار مثل هذه الدروس الفلسفية ، وكأنني وأنا أقرا درسك هذا أقرأ مقالا من مقالات تلك الحقبة المنقرضة !).. ثم يضيف (أحيي روحك الآملة المتأملة ، وأنت تواصل الكتابة وتثابر في الغوص ببحور كانت ذات يوم عميقة مخيفة ، لكنها اليوم صارت من ترف الأذهان وأضاحيك الزمان ، وغفلة الانسان) ..مايدل على ان الدكتور طه جزاع وان أعرب عن أسفه لما أسماها (الحقبة المنقرضة) الا ان تلك الحقبة تعد من أكثر عقود التاريخ تطورا في المعرفة والفلسفات والرقي الفكري، أسهمت في أن تثير جذوة الشباب وتوقدهم الفكري لتلهب حماسهم في الدفاع عن أوطانهم وفي أن يؤسسوا أفكار خلاقة ، وكانت للكثيرين منهم رؤى وتوجهات، خدمت مسيرة التطور في بلدانهم، وفي العراق على وجه الخصوص، وكان العراق أحد الساحات التي إصطرت عليها الافكار والفلسفات، وادت الى وعي اجتماعي متقدم أسهم في تطور العقل الجمعي للعراقيين عموما، حتى ان البسطاء منهم تحولوا الى ( منظرين ) بفضل اندفاعهم في الاطلاع على الفكر الانساني، وكانت لبعضهم اضافات مشهودة، بعد ان شجعتهم على الدراسة المتعمقة الاصيلة، بالرغم من انهم لم ينالوا شهادات ربما لم تصل الاعدادية ان لم تكن المتوسطة في أكثر الأحوال، حتى كان الشيوعيون والقوميون وحتى من حسب منهم على المستقلين ، ليضرب بهم المثل في الثقافة في ذلك الوقت. ويقول الاعلامي المعروف الاستاذ جواد العلي تعقيبا على الموضوع المثار قائلا : (المفال له عمق تاريخي فلسفي ممتع حقا ولا اريد عن ما علق به الكاتب الراقي المبدع زيد الحلي لقد غطى مانريد ان نعلق على المقال بارك الله بك وبالجهد الذي تقدمه للقراء).
وجاء الاعلامي والكاتب والفنان القدير والمحترف الزميل سعد الجبوري، الذي نهل كثيرا من بحور تلك الفلسفات لتكون له إسهامات نوعية في ان أضاف لموضوعنا الكثيير مما تغافلنا عنه او حاول الاضافة والتصحيح لبعض المفاهيم ، ما أغنى موضوعنا بنقاش غاية في الروعة ولأهمية ما ورد فيه من طروحات أعرض لكم وجهات نظر الزميل سعد الجبوري، وكالآتي.. يقول الزميل والاعلامي والكاتب والفنان القدير سعد الجبوري ..( الأستاذ العزيز أبا ضياء ، تناولكم لهكذا مواضيع يثير فينا الشجون ، فنقف متأملين الى ما فعلت بنا السنون ، لندهش حين تشخص أمامنا حقيقة ما إنقضى من أعمارنا ! ، نعم ، فقبل أكثر من أربعين سنة ، كانت نظرية هيغل ، هي واحدة من الأطاريح الواجب هضمها ، ليس لتبنيها ، ولكن لفهم النظرية الماركسية التي فندتها ، وهكذا رحنا نقرأو نستقرئ ونناقش ونجادل ، ونلتهم الكتب تلو الكتب ، وندخل في ما أسميته بالجدل البيزنطي ، بسبب اندفاع الشباب ، والطاقة الفكرية والحيوية الهائلة التي تمتلكها ، وهكذا درسنا الفلسفة منذ عهد انطلاقتها الأولى عند الرواقيين والفيثاغوريين والسوفسطائيين ، ثم الى أعمدة فلسفة اليونان ، أرسطو وأفلاطون وسقراط ، الذي نضجت في عهدهم الفلسفة اليونانية ، إذ أن الفلسفة نشأت في الواقع في مصر الفراعنة قبل اليونان ، فيجب تصحيح المعلومة ، وما سبب عدم شهرة مصر فيها ، إلا لكون فلاسفتها لم يكونوا ليدونوا أفكارهم وطروحاتهم ، ولعل أحد كبار الفلاسفة هو أفلوطين المصري ، الذي نشأ ودرس الفسلفة المصرية ، وكانت هي منطلقه الى النبوغ والريادة الفكرية ، بل كان الفلاسفة اليونان ، ينتقلون من مصر الى العراق ؛ لإكمال تحصيلهم العلمي الفلسفي ، فينهلون في العراق من علوم الهندسة والفلك ، ثم يعودون الى بلادهم بأفكار ونظريات شاملة للمعرفة في عصرهم ، ويعملوا على تشذيبها وإنضاجها وتقديمها على أنها من أمهات أفكارهم ، وهذا عند البعض طبعاً ، كما حصل عند ( فيثاغورس ) الذي درس نظرية ( مربع الوتر ) أو ما يعرف ويدرس حالياً في اعدادياتنا بـ ( نظرية فيثاغورس )،
فيما هو أخذها من أساتذة العراق ، وهي أقدم منه بست ماءة سنة تقريباً ، والرقيم الذي اكتشف في بغداد ( تل محمد ) محفوظ في المتحف العراقي ، وعليه نص النظرية ، فبل أفلاطون بالمدة المذكورة ! ، والمهم في الأمر تصحيح فكرة الأسبقية في طرح الأفكار والنظريات الفلسفية . هذا أولاً ، أما حول ما أثرتموه من تساؤل ، فهو في الحقيقة يمثل جزءً من ( نظرية المعرفة ) ، فمعلوم أن كل فيلسوف ، مطالب بتقديم إجابات وتفاسير ، لعدد من المعضلات الوجودية ، بشتى صنوفها ، مثل موضوعة الوجود ، التفسير والنشأة وطبيعة إدراكه ، والإحساس بالجمال ، وتفسيره ، وآليات تذوقه ، ومراحل فهمه ، والرياضيات ، الموسيقى ……حركة الوجود ( الطبيعة وبضمنها المجتمع ) كيف وجدت وما هي القوى المحركة لها ، السياسة ونظم الحكم ، مفهوم الأخلاق ومفهوم الفن والجمال … الخ ، فهذه وسواها من الأسئلة ، يتوجب الإجابة عنها من كل فيلسوف بطريقة جديدة مبتكرة . والآن ، ما يتعلق بنظرية هيكل ، فمسألة سبق الفكر على المادة ، يشكل جزءً يسيراً من أطاريحه المتعلقة بنظرية المعرفة ، وكان سبقه الى المبدأ المثالي ، واحد من أشهر فلاسفة اليونان ، هو ( أفلاطون ) ،
وتبعه من فلاسفة العصر الإسلامي ، الفارابي ( المعلم الثاني ) صاحب نظرية ( المدينة الفاضلة ) التي تحاكي مدينة أستاذه ومرجعه ( الجمهورية) ، أو ما يعرف بجمهورية إفلاطون ، ثم يعود الزميل سعد الجبوري معرجا على التعليق على مقالي ليثير الى (أن المثالية والمادية ، منطلقان متصاحبان منذ نشأة الصراع الفكري الفلسفي ، وما زالا قائمين .والذي يعنينا في الأمر ، أن سبق المادة على الفكر أو العكس ، ستنطوي عليه العديد من المسائل والدلالات الأكثر خطورة وجوهرية ، فاذا تطرقنا الى نظرية الوجود من وجهة مثالية ، فسيكون الفكر أسبق ؛ ما يعني أن هنالك خالق للكون ، ولأن المطروح عبر ما يعرف بـ ( الديانات السماوية ) هو الله ، إذن توجب الإعتراف بالديانات السماوية وما جاءت بة من أوامر ونواهي وشرائع ، قد يبدو للبعض أنها لم تعد تواكب العصر ، بل هي عصاً في عجلة تقدمه ، فيما أن الرؤية المادية تقول العكس ، فلا تكون مطالبة بالإلتزام الديني وقوانينه وأخلاقياته ، هذا من الناحية الدينية ، أما من ناحية التفاصيل الأخرى التابعة الى نظرية المعرفة ، فتتوجب الإجابة عن كافة الأسئلة ، حسب المنطلق ، إن كان مادياً أم مثالياً ، المثالي يقول : (( أنا أفكر ، إذن أنا موجود )) ، والمادي يقول : (( أنا موجود ، إذن أنا أفكر )) ! ، كيف يبين المثالي رؤيته ؟ ،
هذا افلاطون ، شيخ الفلاسفة المثاليين ، يزعم أن كل ما موجود ونراه ونلمسه ، هو في الحقيقة ليس الموجود الحقيقي ، بل هو صورة عنه ، لن تصل الى شكله وفحواه المتكامل ، فلكل الموجودات ، هنالك لها أمثال في عقولنا ، وهذه الأمثال هي كمال صورتها ، وأفضل ما يجب أن تكون ، وأن مانراه ، إن هو الاّ صورة متدنية من ذلك المثل ، ومن هنا شاعت مقولة : (المثل الأعلى) ، بمعنى ، ذلك الشئ التام الكمال والنضج ! . من جهة أخرى لنأخذ تلميذه ، الكبير أرسطو ، فقد قلب النظرية ، كما قلب بعده بألفي سنة تقريباً ، ماركس نظرية هيجل في المعرفة ! ، طارحاً موضوعة أن الموجودات خارجنا ، هي حقيقية ، ونحن من ندركها عبر حواسنا ، إذن لا وجود للمثل ، ما يعني أسبقية المادة على الفكرة ، وقد حقق نجاحاً كبيراً وانتشاراً واسعاً بز به استاذه ، ونحن لا نستطيع التوسع في كل تفصيل من الموضوع الذي لا يحتمل الإطالة الواسعة ، لكننا سنأتي بمثال للفكر المثالي ، وهو تطبيق لنظرية المثل لدى افلاطون ، وقد عرفت بـ ( الكهف ) ، إذ يشبه افلاطون ادراكنا المقصور للحقائق بالمثل الآتي : ( إذا وضعنا أناسأ منذ ولادتهم في كهف معزول ، لن يراهم أحداً ، ولن يروا أحدا ، إلا عن طريق ظلالهم الساقطة على جدار الكهف ، وهكذا بعد عشرات السنين ، ستكون كل أفكارهم وتصوراتهم عن البشر في الخارج ، ما هي إلا كونهم أولئك الظلال على الجدران ، وسوف لن يتمكن أحد على الإطلاق تغيير قناعاتهم ! ، ولو قدر لهم أن يخرجوا فجأة خارج كهفهم ، فسوف يصعقهم نور الشمس المباشر ، حتى يكاد يصابوا بالعمى لشدته وعدم تعود أعينهم عليه ! ، ولكن بالتدريج سيمكنهم الرؤية ، ومعرفة أن ما يروه ، إنما هو أصل تلك الأشباح التي كانت تتحرك على جدران كهفهم !
( لن أدخل في المغزى ؛ لتجنب الإطالة ) . ولما جاء الفارابي ومعظم فلاسفة المسلمين ، تبنوا الفكر المثالي ؛ لإتفاقه مع جوهر الإسلام ، وربما أيضاً خشية تبني طرح مناقض ، قد يؤدي بهم الى حتوفهم ! ، فأكد الفارابي ذات النظرية ، ولكن برؤية جديدة ، تؤكد أن الفكر قبل المادة . إن الإنتقالة الحقيقية الكبرى في مسيرة الفلسفة وتاريخها ، بدأت حقاً ببزوغ العبقرية الهيغلية ، وسوف لن أعيد تفاصيل أو جوهر المنطلق المثالي ، ولكني أرى أهمية النظر الى أخطر ما جاء في نظريته الشاملة للمعرفة ، وهو مبدأ (( الدايالكتيك )) ، الذي استفاد منه كثيراً المفكر الكبير ماركس لاحقاً ، ومبدأه يمكن إيجازه في معادلة بسيطة تقول : (( أطروحة + طباق = تركيب )) ويعود التركيب فيصبح أطروحة ، وهذه ستبحث عن طباقها ؛ لتنتج تركيباً جديداً ، وهكذا دواليك ، تتوالد الأشياء والأحداث من تفاعلها مع بعضها البعض ؛ فيحدث التطور ، وهذه الفكرة لعبت دوراً كبيراً في توجيه بوصلة الفكر الإنساني ، فهي تصلح لكلا الفكرين ، المثالي والمادي ، عند محاولاتهما تفسير ظواهر الوجود .. نعود الى السبق بين الفكر والمادة ، فعندما طرح ماركس نظريته في المعرفة قال : ( لم أفعل شيئاً أكثر من جعل نظرية هيغل تمشي على قدميها ، بعد أن كانت تمشي على يديها )) ! ، وهنا المقصود بالفكرة المادية ؛ فهو تبنى مبدأ الدايالكتيك ، لكنه رفض سبق الفكر على المادة ، عاداً أن الفكر ليس أكثر من انعكاس لها ، فطالما أن نظريات الفيزياء والطبيعة عموماً تعد الكون أقدم من المخلوقات الحية على الأرض بمليارات السنين ، وأن الفكر مرتبط بالحيوانات الراقية وحسب ، فلا بد والحال هذا أن يكون الفكر تكون حديثاً قياساً بعمر الوجود المتجاوز لمئات المليارات من السنين ! . وأن الطبيعة بداية تكوينها كانت موجودة ، إلا أنه لا يوجد من يدركها ، وبعد اتفاق العناصر الكيماوية الأولية لإنتاج أبسط خلية حية ( تعد حلقة الوصل بين الجماد والحياة ) ، بدأت عملية النشوء و الإرتقاء، كما جاء بها دارون ، على مدى مئات الملايين من السنين ، وفقط بعد وصولها الى مستوى الحيوان من الرتب العليا ، عند ذلك ظهر الإدراك ( الفكر ) ، فهو إذن متأخر عن المادة . هذه طبعاً وجهة النظر المادية الماركسية والوجودية) . ثم يعود الزميل سعد الجبوري لبقول : ( إن كل بحث ، يجب أن يتجرد من العواطف والميول المسبقة ، بغية الوصول الى أفضل النتائج ، وأما السبق بين الفكر والمادة ، فقد عرضنا بإيجاز وجهة نظر أصحابها ، ويبقى القرار للقارئ ؛ لأن الموضوع لا يعدو كونه فلسفة وليس علماً ، وإن إستند الى موارد علمية ، فالعلم هو ما يمكن إثباته مختبرياً لتأكيد صحته إستناداً الى قواعد ثابتة ، وهذا ما لا يصدق على موضوع البحث ! ). الزميل والاعلامي والكاتب القدير الاستاذ عماد آل جلال شكرنا في البداية على إثارة موضوعات من هذا النوع ، مشيرا بقوله ( شكرا لك صديقي حامد لقد اتحفتنا بعمود شيق لجيلنا فحسب ما تطرقت له والمداخلات والتعقيبات لو جمعت مع بعض ينتج عنها موضوع مثير للجدل الازلي عن المادة والفكر ومع تطور العلم بشكل سريع يسبق المادة بمسافة قياسية ارى من الضروري دعم ثقافة الشباب بمثل هذه النظريات التي حكمت العالم باسره من خلال منتديات الشباب والقنوات الثقافية الاخرى. تحياتي للك وللاساتذة الذين اتحفوا المضمون). اما الصحفي والشاعر الزميل صباح السيلاوي فأشار في موضع رده على مقالي بالقول : ( العقل مصدره المخ والمخ مادة على ضوء ذلك من يسبق من.حتى الانسان خلق من الطين والطين هو مادة ولولا وجود الانسان لما وجد العقل..فمن يسبق من؟.دراسة جميلة وتداخلات رائعة ..). وكان للزميل العزيز والاستاذ (محمود ياسين السامرائي) حضوره اللافت بأن أوضح هو الآخر أنه ( لا شك ان العقل الانساني والبشري هو الاساس لما حصل ويحصل من تطور علمي وصناعي و يكاد يجمع اغلب الباحثين ان اختراع آلة الطابعة في القرن التاسع عشر من اهم الاختراعات واعظمها ، الامر الذي ساهم بشكل بارز في انتشار العلوم والمعارف وطبع الكتب و تداولها بين شعوب الارض..) ويضيف السامرائي قائلا : (كل هذا بسبب تقدم الفكر على المادة .. لقد اسعدتنا وامتعتنا بهذا المقال المعمق لتاخذنا الى خيالات اوسع واشمل في عالم الفلسفة الممزوج برتوش صحفي قدير.. احسنت صنعا فابدعت). الباحث والاعلامي القدير الدكتور خالد عبد الرحمن زميل العمر الطويل ، كان له إسهامة هو الآخر في التعليق على موضوعنا هذا أورده كما أشار اليه قائلا : ) مقال ثري بالأفكار الفلسفية التي كانت حد سبعينيات القرن الماضي القاسم المشترك لكل الجدليات بين اليسار واليمين والماركسية اللينينية والرأسمالية والليبراليين والمحافظين وكانت الحياة حبلى بتلاقح الأفكار والشخصيات التي تركت بصمتها فيما تبقى من تلك الأفكار ومن تبقى من مريدي تلك الشخصيات. ويبدو أن القرن الحالي الذي استفتح بالعولمة واحادية القطب الدولي المنادي بالديمقراطية وحرية الفرد والذي أنتج فكرا ميزته التسطيح للعقول والعبودية لتكنولوجيا المعلومات والنانو تكنولوجيا ولم يعد أحد يلتفت لمن هو أسبق الفكر أم المادة والخشية كل الخشية من العقم وفايروس الأمية والجهل الذي يبدو أنه يتسيد المشهد الأخير. .مع التحيات للأستاذ حامد شهاب وأفكاره التي لاتنضب). الاعلامي والكاتب القدير الاستاذ باسل الخطيب اشار لنا بالرأي التالي : ( التأثير المادي على حركة التاريخ بدأ بفضل التقدم العلمي والتقني برغم عدم إمكانية إلغاء الجوانب الروحية، لكن المؤسف له غلبة الذين يؤمنون بذلك الجانب على مقدرات العالم حالياً. تحيات وتقدير لما اثرتموه من جدل وشجن). الباحث والاعلامي القدير وزميل العمر الدكتور اكرم الربيعي أشار في مقدمة رده على المقال بقوله : ( أحسنت أخي أبو ضياء فقد كتبت هذه المرة بأسلوب البحث التحليلي المعمق والفلسفي وعلى الرغم من أن المادة الآن هي المسيطرة لكن يبقى للعقل الدور المهم في توجيهها والمحافظة على تحكمها ). أما الشاعر والكاتب القدير الاستاذ ناجي ابراهيم فقد عبر عن رأيه بالمقال قائلا : (رائع وأكثر وضروري في زمن انحسر فيه الفكر إلى زاوية مخيفة ). وكان لزميل العمر الاستاذ ضياء يونس النقيب حضور فاعل ، مشيدا بالمقال وقد أشار في بداية تعليقه عليه بالقول :
( بحث ممتع فيه ارتقاء علي أكتاف عباقرة تلك الأزمنة وانا اقرأ ما كتبت شعرت كأننا اليوم في قسم الإعلام والي جوارنا قسم الفلسفة وقسم الاجتماع بكلية الآداب في سبعينيات القرن الماضي يوم كانت هذه المواضيع لها أخذ وعطاء ولذة وخوض في بحور تحتاج إلي غواص ماهر وتشغل افكار الطلبة وبعض الاساتذة). وأعيد نشر المقال الذي كتبته لاغراض معرفة ماكتب عنه من ردود فعل وإثارات وأراء كثيرة ، البعض منها كان مشيدا بها والآخر كانت له وجهات نظر متعارضة معها ، بل وكانت اضافات محترمة ، مثل الاستاذ سعد الجبوري..وتعميما للفائدة أعيد نشر المقال في خاتمة ما تم ذكره من ملاحظات قيمة بشأنه مع خالص تقديري لكل من كانت له إسهامة مبدعة في إثراء النقاش، فشكرا لهم جميعا ولهم مني كل محبة وتقدير. ***********************
الفكــر و المادة.. وتفسير نشأة الكون ..من يتقدم على من ؟؟!!حامد شهاب 21 و 22 آب 2016 إستمر الجدل الفلسفي بشأن من هو الأصل ومن له الأسبقية في نشأة وتطور الكون لقرون..هل هو المادة أم الفكر؟ ومن يتقدم على من؟؟.. او الإسبقية لمن : للفكر أم للمادة في كل ماشهدته البشرية عبر حقبها المختلفة حتى عصرنا الراهن !! كان الفيلسوف الألماني (جورج فيلهلم فريدريش هيغل) أحد أهم الفلاسفة الألمان ويعد من أهم مؤسسي حركة الفلسفة المثالية الألمانية في أوائل القرن التاسع عشر الميلادي، من أعطى للعقل الارجحية في أن يكون له القيمة المطلقة ، وله الريادة في التطور الإنساني والتقدم والنهوض الذي تشهده الدول والمجتمعات . يعد الفيلسوف الألماني هيغل الذي جذبته وسحرته أعمال إسبينوزا وإيمانويل كانت وروسو والثورة الفرنسية واحدا من الفلاسفة الكلاسيكيين الألمان، مؤسس الفلسفة المثالية ، وكان هيغل الشاب راديكاليا، رحب بثورة القرن الثامن عشر الفرنسية ، وتمرد على النظام الإقطاعي للملكية البروسية، ولكن الافكار التي وصفت بالرجعية التي حلت في كل أنحاء أوروبا بعد سقوط امبراطورية نابليون أثرت في طريقة هيغل في التفكير!! وقد ظهرت الفلسفة الحديثة، والثقافة، والمجتمعَ من وجهة نظر هيغل من خلال عناصر مشحونة بالتناقضاتِ والتوترات ِ،كما هي الحال بالنسبة للتناقضات بين الموضوعِ وجسمِ المعرفة ،بين العقلِ والطبيعةِ، بين الذات والآخر، بين الحرية والسلطة، بين المعرفة والإيمان، وأخيرا بين التنوير والرومانسية. كان مشروع هيغل الرئيسي الفلسفي أن يأخذ هذه التناقضاتِ والتوترات ويضعها في سياق وحدة عقلانية شاملة ،موجودة في سياقاتِ مختلفةِ، دعاها “الفكرة المطلقة “أَو” المعرفة المطلقة”. وطبقاً لهيغل، فإن الخاصية الرئيسة في هذه الوحدةِ أنها تتطور وتتبدى على شكل تناقضات وتولد التناقض والإنكار لهما طبيعة حركية في كل مجال من مجالات الحقيقة (الوعي، التاريخ، الفلسفة، الفن، الطبيعة، المجتمع) ، وهذه الجدلية هي ما تؤدي إلى تطويرِ أعمق للوصول إلى وحدة عقلانية تتضمن تلك التناقضاتَ كمراحل وأجزاء ثانوية ضمن كل تطوري أشمل. هذا الكل عقلي لأن العقل وحده هو القادر على تفهم كل هذه المراحلِ والأجزاءِ الثانوية كخطوات في عملية الإدراك.
وهو عقلاني أيضا لأن النظام التطوري المنطقي الكامن يقبع في أساس وجوهر كل نطافات الواقع والوجود وهو ما يشكل نظام التفكير العقلاني. ومن حيث المبدأ تقوم فلسفة هيغل المثالية على اعتبار أن الوعي سابق للمادة بينما تقوم النظرية الماركسية على اعتبار أن المادة سابقة للوعي وهي، أي المادة ، من تحدد مدارك الوعي وبالتالي يتطور الوعي بتطور المادة المحيطة بالإنسان. كان ماركس أحد رواد حلقات عصبة الهيغليين ثم انشق عنها مؤلفا فلسفته الخاصة به، ومن وجهة نظر مفكرين فإن النظرية الماركسية بماديتها لا تستطيع تفسير كل ما يدركه الوعي لأنها تفترض – على المطلق – بأن الوعي هو انعكاس كامل عن المادة ولكن إذا سألنا أنفسنا عن ماهية المادة التي أعطت الوعي بعض المفاهيم المثالية كالحق والعدالة والرحمة فإنه لن تكون هناك أية مواد مزودة للوعي الإنساني لتلك المفاهيم، هناك حقائق مطلقة في هذا الكون كما أسماها هيغل على المجاز يعمل العقل البشري بكل من المادة والوعي ضمن علاقة مركبة بينهما على اكتشاف تلك الحقائق والنواميس التي تجتاز في حقيقتها وماهيتها حدود المادة القاصرة نفسهأ على تفسير مثل تلك الظواهر إذا ما حاولنا فهمها بمادية مجردة، قد يمتد هذا الفهم إلى الميتافيزيق نفسه وهو ما أنكره ماركس تحت مسمى (الدين أفيون الشعوب وزفرة العقول البائسة). وقد إستفادت البشرية كثيرا من إحتدام هذا الجدل والصراع منذ أزمنة سحيقة ، لكن العصر الحديث ، وظهور وتطور الفلسفات والقوى والحركات ( الثورية ) ربما كان له الإسهامة الكبرى في أن تشهد مناهج التاريخ والفلسفة جدلا كالذي كان يحتدم الى ماقبل عقود من الزمن ، وما زالت نيران جذوته متقدة وان إنطفأ لهيبها بعض الشيء !! كان هيغل قد سبق ماركس وانجلس بسنوات في أنه وضع الفكر في المقام الأول في نشأة الكون وما شهدته البشرية من تقدم ونهوض، وان المادة من وجهة نظره كانت عاملا آخر أسهم في هذا التطور، أي أن هيغل أعطى للعقل الأرجحية في القدرة على تفسير الاشياء ، وإنه لولا تطور الفكر والفلسفات لما حدث كل هذا التطور من وجهة نظره!! كان ماركس مؤسس الفكر الشيوعي وباني نظريته المادية يرى ان هيغل ، قد أقام طريقة التفكير على أساس (مثلث) وضع الفكر والعقل والقيم في قمته وأبقى المادة هي قاعدة الفكر وهي مركز انطلاقته، لكن ماركس (قلب المعادلة)
رأسا على عقب، وأعطى للمادة الدور الرئيس في التطور ونشأة الكون وما حصل من تقدم بشري، وان الفكر من وجهة نظر ماركس هو (إنعكاس) للتطور المادي الجدلي الديالكتيكي، وهي ، أي المادة، هي من لها الغلبة في هذا التطور، ولولاها لما شهدت البشرية كل هذا الصراع والجدل، أي أن التغير المادي هو الأكثر تأثيرا وان التطور الفكري هو نتيجة حتمية لما وصلت اليه المادة من انتقالات تطورية، حتى وصلت الى مراحل الحضارة والتمدن الذي نعيشه، حتى قيل ان ماركس أعاد ترتيب هرم المثلث الى قاعدته، بعد إن كان هيغل قد وضع المثلث بالمقلوب ، ورأى ماركس من وجهة نظره ان الأصح والأصل في القاعدة هي المادة وما الفكر الا إنعكاس للتطور المادي!! الا إن فلاسفة ومفكرين آخرين ، بعضهم سبق ماركس بقرون وممن يحسبون على عصر النهضة والفكر الاسلامي وآخرين أعقبوا مرحلتي هيغل وماركس ، كانوا قد أعادوا ترتيب الفكر مرة ليكون له الدور الريادي المتقدم على المادة، مستشهدين بأفكار الأنبياء والرسل والمصلحين والفلاسفة الذين أسهمت رؤاهم وفلسفاتهم الى أن تصل البشرية الى كل هذا النضج وان يحتدم الصراع فيها مرة من أجل البقاء وفي أخرى لتبيان الغلبة وتأكيد الذات الانسانية والقيم في أن تكون هي الرافد الأساس للتطور الانساني والمعرفي، من دون ان يهملوا الجانب المادي ومدى إسهامه في التطور البشري، وما زال الصراع يحتدم حتى وقتنا الحاضر ، حتى وان خف كثيرا، بعد إن طغت الاعتبارات المادية على كل شيء وأصبح التطور المادي التقني التكنولوجي هو الأساس وربما يتفوق على التطور الفكري ، حتى أضحى الأخير هو المرجح في الوقت الحاضر!! هذا الجدل بين أولوية الفكر أم المادة ربما يعيدنا بعض الشيء الى الفلسفة البيزنطية (البيضة من الدجاجة أم الدجاجة من البيضة) ، بالرغم من ان الأصل كما يفترض بالمخلوقات انها كانت على هيئتها ، وان (الدجاجة) هي (الأصل) والبيضة منها، لكن آخرين يؤكدون انه لو لم تكن البيضة لما كانت الدجاجة، وهكذا بقي الصراع يحتدم ، لكنه وان تم حله، فهو يمثل احد اوجه الصراع، الذي كان الطابع الذي فرض نفسه لسنوات!! لقد أنهت سياسات الدول الكبرى وهيمنة الولايات المتحدة على السياسات الكونية للعالم، مستغلة تطورها التقني التكنولوجي المادي لتكون الاخيرة لها الارجحية في السيطرة على مقدرات العقل البشري ومصادرة قيمه الروحية والفلسفية ومنظومته القيمية والفكرية ورؤاه للمستقبل، حتى تراجع الصراع الفكري كثيرا لصالح الطابع المادي والتفوق العسكري المادي التقني ، وأصبحت المادة للأسف الشديد هي المحرك الرئيس لكل القوى والسياسات والفلسفات والنظم ، وربما راح يرسم حتى معالم القيم المطلوبة، لكن هذا لايعني ان نظرية ماركس كانت هي الأصح، ولن تكون القيم والمعارف والفلسفات متأخرة على طول الخط او أنها ستبقى غائبة أو تأثيرها محدودا، فما زالت الافكار والمناهج الفكرية تصطرع وتلتقي او تتنافر، وتختلف مسارات التطور الفكري والايدلوجي والقيمي وان خفت بعض الشيء، الا انه لايمكن للبشرية أن تسلم إرادتها، وتكبح تطور العقل في أن يكون له الدور الريادي والأساس في التطور البشري ، وفي أن تحافظ الدول على بعض من بقايا سيادتها واستقلالها وقيمها الفكرية والروحية ، ولو في حدها الأدنى!!