21 ديسمبر، 2024 8:21 م

أربيل وصراع فرض الإرادات!

أربيل وصراع فرض الإرادات!

مرّة أخرى تَجد حكومة بغداد نفسها في موقف لا تُحسد عليه بعد ضربات صاروخيّة إيرانيّة قاسية دكّت مدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق!
وهاجمت إيران عدّة أهداف في أربيل بصواريخ بالستيّة لا يعرف عددها حتّى الساعة، وهذا الهجوم هو الأعنف بعد هجومها على القاعدة الأمريكيّة غربيّ العراق بعد مقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني بداية العام 2020، وهنالك مَنْ يقول بأنّ هجوم أربيل كان ردّا على مقتل خبيرين عسكريّين إيرانيّين في سورية!
لم يكن الهجوم الإيرانيّ متوقّعا بكلّ المقاييس، رغم أنّ الفصائل الولائيّة كانت تستهدف الإقليم بين حين وآخر بضربات صواريخ قصيرة المدى وبطائرات مسيّرة لمهاجمة القاعدة الأمريكيّة ومطار أربيل!
والهجوم الإيرانيّ لم يكن في الخفاء، وكشف بيان لفيلق “حرس الثورة الإسلاميّة” بأنّهم استهدفوا “المركز الاستراتيجيّ للتآمر والشرّ الصهيونيّين”، وقد نفت حكومة الإقليم أيّ تواجد إسرائيليّ على أراضيها!
هذه الصراحة الإيرانيّة وبلا أدنى محاولة لإخفاء الهجوم تؤكّد بأنّها تتحدّى جميع دول المنطقة، وتستغلّ الانشغال والربكة الدوليّة المتزامنة مع الحرب الروسيّة الأوكرانيّة!
وذكرت مصادر كرديّة أنّ صواريخ الهجوم من طراز “110 فتح” الإيرانيّة الصنع، وانطلقت من محافظة كرمنشاه.
واستدعت حكومة بغداد، ومن باب حفظ ماء الوجه، السفير الإيرانيّ وسلّمته مذكّرة احتجاج على الهجوم الخطير، فيما طالب رئيسها مصطفى الكاظمي الجانب الإيرانيّ بتقديم أدلة على” ادّعاءاتها بوجود إسرائيليّين في أربيل”!
ثمّ إذا كانت إيران تقرّ بتواجد صهيونيّ في الإقليم، فلماذا زار إسماعيل قآني، قائد فيلق القدس، أربيل ثلاث مرات تقريبا خلال شهرين؟
والغريب أنّ قاآني وصل لبغداد بعد الهجوم بيومين وكأنّهم لم يرتكبوا أيّ فعل لا يتّفق مع الأعراف والقوانين الدوليّة!
وأرى أنّ الهجوم يهدف لتحقيق جملة أهداف، ومنها:
– الضغط على الحزب الديمقراطيّ الكردستانيّ المُسيطر على حكم الإقليم لسحب مرشّحه لرئاسة العراق، وترك المجال لمرشّح الاتّحاد الوطنيّ الكردستانيّ القريب من طهران قبل أسبوع من جلسة البرلمان بهذا الخصوص.
وقد تكون هذه رسالة تحذيريّة لقادة الإقليم بوجوب عدم التفكير بإعلان استقلالهم عن العراق لأنّ إيران لا تريد أن تفتح هذا الباب الواسع على نفسها.
– رسالة مباشرة لتحالف (مقتدى الصدر، والسيادة بزعامة خميس الخنجر، وحزب مسعود برزاني) بأنّنا قادرون على خلط الأوراق، وربّما، هي رسائل تهديديّة غير مباشرة بتصفية كبار زعماء التحالف الثلاثيّ.
– رسالة لواشنطن بأنّنا قادرون على تنفيذ هجمات ضخمة على قوّاتكم المتواجدة في العراق وشرق سوريا، وربّما للهجوم علاقة بالمسار غير الواضح لمفاوضات واشنطن وطهران النوويّة!
– السعي للعبث بأمن المنطقة، وتبليغ رسائل غير مباشرة لبعض دول جوار العراق العربيّ بأنّنا نمتلك قدرات جيدة لزعزعة أمنكم!
– وهي رسائل للسعوديّة لكفّ يدها عن دعم بعض القوى العراقيّة الفاعلة غير المتناغمة مع إيران.
ولاحظنا أنّه ورغم محاولات الرياض لترطيب الأجواء مع طهران إلا أنّ موقع “نورنيوز”، التابع للحرس الثوريّ، ذكر بأنّ إيران قرّرت تعليق محادثاتها مع السعوديّة، بعد يوم واحد من تصريح وزير الخارجيّة العراقيّ فؤاد حسين بأنّ بلاده ستستضيف جولة جديدة من المحادثات السعوديّة الإيرانيّة يوم الأربعاء 16/3/2022.
إنّ هجمات أربيل تؤكّد استمرار الشهيّة الإيرانيّة للحصول على المزيد من المزايا، والمكاسب على حساب العراق لأنّها على يقين بأنّه لا يمكن لقوّة عسكريّة عراقيّة أنّ تقف بوجهها لقناعتها بهشاشة قدرات العراق العسكريّة الحاليّة، ولاعتمادها كذلك على النصرة العقائديّة الولائيّة، والسياسيّة غير الناضجة في بعض أروقة السياسة العراقيّة والتي تُفضل التماشي مع المخطّطات الإيرانيّة ولو على حساب مصالح الوطن الأمّ، العراق.
التلوّث السياسيّ دفع بغالبيّة ردود الأفعال على هجوم أربيل للالتفاف على الواقع، والقفز على الحقيقة، والإصرار على الحديث عن الأمن (المزيّف) والسيادة (الغائبة) وذلك كلّه جزء من حالة خداع الذات قبل خداع الآخرين!
وتعرّضت قاعدة بَلَد الجوّيّة في محافظة صلاح الدين (64 كلم شماليّ بغداد) مساء أمس الخميس لهجوم بخمسة صواريخ!
ولا ندري هل هذه القاعدة تضمّ خبراء إسرائيليّين أم أنّ الهجوم استمرار لحالة هدم كيان الدولة العراقيّة!
لقد أكّدت هجمات أربيل بأنّ الخلافات السياسيّة، الداخليّة والخارجيّة، تجاوزت الدبلوماسيّة وأروقة القصور لتُترجم عبر الصواريخ، وأثبتت كذلك غياب الجهد الاستخباريّ الوطنيّ والأمريكيّ المتواجد في العراق، وضمور الرادارات والدفاعات الجوّيّة، ورخاوة مديريّة الحدود وغيرها من المؤسّسات المسؤولة عن حدود العراق وأمن أهله؟
متى ستكون الأجهزة الأمنيّة جديرة بحمل مسؤوليّة حماية العراق ومواطنيه من تهديدات الداخل والخارج؟
dr_jasemj67@